الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوكتابيو باث: زمن المكاشفة وبوح الذّات*

محمد عبد الرضا شياع

2006 / 4 / 14
الادب والفن


يذهب دارسو أدب أمريكا اللاتينية الحديث إلى أنّ الشّاعر والمفكر المكسيكي أوكتابيو باث Octavio Paz (1914-1998) واحد من ثلاثة مبدعين كبار أنجبتهم القارة الأمريكية اللاتينية لايدانيهم مبدع آخر. وكأنّ منابع الإبداع قد وزعت الأجناس الأدبية عليهم، بحيث كان الشّعر من نصيب أوكتابيو باث، بينما القصة القصيرة من نصيب خورخ لويس بورخيس Jorge Luis Borges ليظلّ غابريل غارثيا ماركيث Gabriel Garcia Marquez متربعاً على عرش الرّواية بامتياز. بيد أنّ الأمر لم يكن كذلك دائماً, وإن كان صحيحاً في بعض جوانبه, لأنّ شاعراً مثل بابلو نيرودا Pablo Neruda لايمكن إغفال طول قامته وبراعة عبارته فديوان "إسبانيا في القلب" "España en la Corazon" يتحدى ساعات الزّمن الحالكة ويفرض حضوره بجدية وثبات، ولعلّ هذا ما دفع نيرودا للوصول إلى نوبل... وإذا كان أيضاً غارثيا ماركيث ساحر الرّواية أو معلم التّقنية الرّوائية مثلما يحلو لبعضهم قول ذلك، لأنّه كان ومازال رائد وسيد الواقعية السّحرية, فإنّ كاتباً روائياً ومفكراً كبيراً مثل كارلوس فوينتس Carlos Fuentes صاحب الرّواية العظيمة "موت آرتيمو كروث" " La muerte de Artemio Cruz" لا يمكن إغفاله أو المرور عليه مروراً. وأين ذلك المخيف كابريرا Cabrera والآخر أنخل استورياس Angel Astorias وآخرون كثر. وإذا كان الأمر هكذا، فعلينا القول ،إذن، إنّ أدباء أمريكا اللاتينية انتشلوا الأدب العالمي من الثّرثرة ومنحوه معناه. وهذا بطبيعة الحال لا يتوقف على عمل فردي بقدر ما هو عمل مؤسساتي تضافرت فيه جهود ورؤى عبر أجيال وأقطار من أقصى القارة إلى أقصاها.إنّ أكتابيو باث ليس واحداً من ثلاثة مبدعين كبار حفلت بهم القارة الأمريكية اللاتينية فحسب، وإنّما هو فرد في مؤسسة إبداعية تراوحت بين الشّعر والنّثر، بين لغة الإبداع واللغة الواصفة، كتبها الخلاسي والنقي. وامتدت جذورها بعيداً بين السّلالات الهندية، وبين المايو والاستيكا، بل بين ملتقى القارات والأجناس. هذا هو الحال في أمريكا اللاتينية، جاءت إليها الأقوام قبل أن تذهب هي إليهم. ذاك ما تخبرنا به كتابات أكتابيو باث وأقرانه المبدعين الكبار... فهذه القارة هي ملتقى للأوربي والأفريقي وللعربي وللآسيوي ولقارات أخرى تقترب وتبتعد بحسب الحال والمآل. وبنظرة واحدة إلى الخريطة السّياسية يتضح الأمر بجلاء.لكنّ الحال لم يتوقف عند أكتابيو باث في هذه الدّائرة المفتوحة، بل ذهب هو الآخر بعيداً حين أتاح له عمله الدبلوماسي الطّوَفان في القارات، متنقلاً بين باريس ونيو دلهي، وطوكيو ونيو دلهي، هذه الأخيرة التي ودّعها وهو سفير لبلاده ليس انتهاء لمدة عمله،كما متعارف عليه، وإنّما ودّع الوظيفة محتجاً على حكومة بلاده التي مارست عملاً يتنافى وأخلاقياته كأديب ومنظّر قبل أن يكون سفيراً، حدث هذا عام 1968 حين قمعت الحكومة المكسيكية التّظاهرات الطّلابية.. جاعلاً مقولته الشّهيرة ديدناً لعمله، والتي يرددها باستمرار: اجعل بينك كأديب وبينك كسياسي مسافة.لم يكن أكتابيو باث خلاسياً كما هو الحال مع البرازيلي جورج أمادو Jorge Amado ولم ينشأ ويترعرع كبائع للزجاجات الفارغة مثل غابريل غارثيا ماركيث، بل ولد يوم31 مارس 1914 من أب محام وكاتب وصحفي له باع طويل في دفة الحكم آنذاك، فهو من بين الثّلة المثقفة التي وضعت مشروع قانون الإصلاح الزّراعي الذي استنه "ثاباتا" ZAPATA زعيم الثّورة المكسيكية الشّهيرة. أما أمه فهي ذات أصول إسبانية. كما أنّه تعلّم في أرقى المدارس في مكسيكو ستي، وهي مؤسسة يديرها قساوسة فرنسيون، ولعلّ هذا ما جعل بصمات فيكتور هيجو تميز ثقافة الرّجل.. وحين ساقته خطاه إلى باريس حيث يمارس نشاطه الدبلوماسي كان لابد من التّعرف إلى ألبير كامو، وهنري ميشو، وجورج باتاي، ثم اجتذبته ألوان السّريالية إليها ليلتقي رائدها أندريه بريتون...والتي شكّلت منعطفاً واضح المعالم والسّمات في مسيرته الشعرية. وكان الوقع الأكبر هو لبلاد الشّرق وسحر الهند العجيب الذي ظلّ الشّاعر يحفل به طيلة حياته وكأنّه اكتشف كنزاً لم يدركه سواه.لقد أنتج أكتابيو باث عدة مؤلفات في الفكر وفي الشّعر ويُعَدّ كتابه الخطير جداً"متاهات العزلة "El laberinto de soledad" 1959 السّبب وراء بلوغه العالمية، حيث يُعَدّ هذا الكتاب وثيقة مهمة تنطوي على تحليل دقيق للشخصية المكسيكية وللتاريخ المكسيكي، أو هو مجموعة أفكار ودراسات سيكولوجية وسوسيولوجية تبحث عن الهُوية الأمريكية اللاتينية. كما أنّ مؤَلَفه الشّهير ذا العنوان المركب لا يقل أهمية عن الأول ونقصد به"الغول المحب للبشر" "El ogro filantropico" وهو عبارة عن دراسات لم تتناول الوضع في المكسيك والقارة اللاتينية فحسب، بل شملت كلّ العالم تقريباً لأنّ المؤلف لا يقف عند حدود قارة وأفكار تسيجها نظرة قصيرة المدى، بل هو شمولي في تصوره ورؤاه، ومن الكتب التي نقلت إلى العربية واحد من مؤلفاته الأخيرة وهو"زمن الغيوم" "El tiempo nublado" حيث ترجمه إلى العربية الباحث الدّكتور حامد أبو أحمد، ونظراً لاطّلاعي شخصياً على ترجمات الدّكتور أبو أحمد لا أخاله إلا أنّه تمكّن أو مكّن القارئ العربي من بلوغ فحوى الكتاب.كتب أكتابيو باث عدداً غير قليل من المؤلفات التي تركت أصداءها واضحة في مسيرة الثّقافة العالمية، وما كانت لتمر هذه العطاءات المتميزة دون تتويج صاحبها بعدد غير قليل من الجوائز العالمية، نذكر منها جائزة ميغيل دي ثرفانتس Miguel de Cervantes التي مُنحت له سنة 1981 من طرف العاهل الإسباني خوان كارلوس Juan Carlos ،وجائزة نوبل للآداب سنة 1990, ومن العبارات التي وردت في تقرير لجنة هذه الجائزة العبارة الآتية:"منح أكتابيو باث الجائزة لآثاره التي تتدفق بالأحاسيس الصّادقة والمنفتحة على آفاق واسعة والمطبوعة بذكاء جذاب وإنسانية نزيهة".هكذا عاش أكتابيو باث حياة حافلة بالعطاء، وهو يحلم ببلد مستقل بكلّ معاني الاستقلال، بعيداً عن كلّ ما من شأنه أن يسلب الهُوية المكسيكية نقاءها، وأظنّه فارق الدّنيا وما زال يغني لبلده المكسيك بيته الشّهير:لك كلّ الوجوه

لكن

لا وجه لك.



إلى أخي محمود: عناق قوي عبرالحوار المتمدن هاته المرة...*








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي


.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني




.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم


.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع




.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي