الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بورتريه : الناقد الأدبي محمد معتصم أركيولوجي النصوص العذب

عبد الرحيم العطري

2006 / 4 / 14
الادب والفن


جاءنا المبدع الناقد الأدبي محمد معتصم ، يبعثر طفولته على لحاء الوقت المغربي ، ينصت في العام الأول من ولادته لاغتيال حكومة سعادة رئيس الوزراء الأوحد عبد الله إبراهيم ، جاءنا من البيضاء ،و عميقا من سهول الشاوية ، ليندلق مع الزمن نحو الرباط و سلا و الجديدة التي فضلها على تكساس ، اختار قطران الوطن ، و لم يلهث أبدا وراء عسل العم سام ، لقد كان من الممكن أن يصير برفقة رعاة البقر في العالم الجديد ، لكنه فضل "جبن دكالة" و قمح الشاوية الصلب و رغيف البيضاء على الورقة الخضراء. في سنوات الاستثناء و القمع كان الفتى يتابع دراسته الابتدائية و الثانوية ببيضاء الانتفاضات الشعبية ، يجترح المسافات الفادحة ، يعانق الشعر و القول اللذيذ ، يكتب الجرح العنيد ، لكنه في لحظة ما سيجد في القراءة بالمعنى الطقوسي لذائذ و مآرب أخرى ، سيدمن القراءة الواعية لا العابرة للمتون ، ليكتشف في أعماقه ناقدا أدبيا متوثبا يسعى إلى تفكيك النصوص و تحليل أعماقها الدفينة .
حبا في الأدب سيتخصص المبدع محمد معتصم دراسيا في النقد الأدبي ، و سيواصل دراسته العليا بالرباط ، ليمتهن التدريس بالبيضاء ، و يعيد للدرس الأدبي معناه المفتقد ، فما جدوى قراءة النصوص ، إن لم تكن هذه القراءة تساؤلية و تفكيكية بامتياز؟ ، و ما جدوى النقد قبلا إن لم يكن مستلهما لروح أركيولوجيا المعرفة الفوكوية ؟ لهذا تجد الناقد الأدبي محمد معتصم دوما غائصا في تثوير الأسئلة القلقة ، قافزا على النقد الانطباعي الإخواني ، إلى نقد علمي رصين، ينصت لصوت العقل ابتغاء الحقيقة .ألم يقل رينيه شار بأن " من يأت إلى العالم من دون أن يخلخل شيئا لا يستحق لا مراعاة و لا صبرا "
بالأمس القريب كان يعتنق الأحلام التي كانت لها ظلال ، لكنه يتساءل اليوم بمرارة المتشائل إن كان للحلم في اللايقين ظلال و ظلال ؟؟؟ فها قيم السوق و الشراهة تستعمر كل التفاصيل ، و ها المسخ الكافكاوي يسود كل اللحظات ، فأنى لنا و الحلم مع الظلال ؟ " أي وهم مضاعف؟ " يجيب الأركيولوجي العميق ، الذي لا يمنع نفسه من حب المدينة التي يستقر بها ، إنه يدشن معها علاقات متجذرة في الخافق ، يحب البيضاء بصخبها و جنونها ، كما يحب سلا بوداعتها و أسوارها ، كما الجديدة بقرعها و أساطيرها، كما حقول الشاوية في حكاية البدء و الامتداد . لقد أخلص المبدع محمد معتصم لحب المدن و الحقول كما أخلص عشقا للنقد الأدبي ، لكنه في أعماقه يختزن" محبة الحكمة" ، كان و ما يزال مهووسا بالسؤال الفلسفي ، يفجر الاستفهام الوجودي الحارق ، يتأمل حقيقتنا الطينية ، يتعب نفسه بالبحث عن المعنى الهارب منا ، إلى أن وجد في النقد الأدبي مساحة شاسعة للقياس العقلي ، و للحكمة أيضا. إنه "طريقة التفكير في الذات وفي الآخر وفي الوجود، يعوض رغبته في التفكير الفلسفي، وفي استقراء الموجودات". فالنقد الأدبي ليس مجرد ممارسة انطباعية محكومة بالاعتبارات المصالحية و الإخوانية ، إنه ممارسة علمية معتقة عند هذا الأركيولوجي محمد معتصم ، يحاول عبر خطاطاتها الصارمة أن يقرأ الأدب بعين العلم الموضوعية ، و في ذلك قطع مباشر مع لغة الحس المشترك و عموميات التذوق الانطباعي .
الكتابة شرط وجودي عند المبدع محمد معتصم ، لهذا يحرص دوما على التذكير بأننا مجرد كائنات استعارية لا معنى لها بعيدا عن حبر و قلم ، و الآن مع التطور الإنترنيتي ، فلا معنى لها بدون فأرة و نقرة .لقد استوعب درس الدرس جيدا، و تأكد له بقوة الأشياء أن الوقت الموغل في الرداءة لا يسمح بلعبة الكراسي الشاغرة ، لهذا يستمر محمد معتصم في التحذير من مغبة استحلاء النوم في العسل ، و تقديم الاستقالة هربا من خبث التافهين الذين ضاقت بهم دروب الحياة ، و صاروا متحكمين بفعلة " السقوط بالمظلات " في موازين القوى و الإنتاج . فمع جاك بريفير يصيح عاليا " اعبروا إدا أشار عليكم القلب بذلك ، أو ابقوا هنا مزروعين على أخمص أقدامكم... اعبروا الألم، اعبروا الحزن...لا تنتظروا جرس الاستراحة.. اعبروا الموت...اعبروا .. اعبروا ..".
و إن كان اسمه و منجزه الإبداعي يبدو أكثر التصاقا بالنقد الأدبي، فللرجل حدائق سرية أخرى، فهو الشاعر و الروائي و صانع الفرح الثقافي و مهندس المساكن الافتراضية و البحاثة الرقمي... ، إنه يحمل في أعماقه أصواتا متعددة، قاسمها المشترك هو السؤال و التأمل النقدي. يكتب عفو الخاطر عن أطياف الأحبة من الراحلين و الحقيقيين ، من وادي عبقر إلى وادي السيلكون ، نكتشف الأركيولوجي الشاعر العذب ، و هو يترحل عبر "حوارات متفرقة "، من حنايا "معجم غير مدرسي "، مرروا" ببكائيات على الجدار الساقط".
و لأنه لا يكتب للحظة العابرة ، فقد كان يقول دوما لصديقه الصحفي لحسن لعسيبي ، بأنه يكتب للمستقبل ، وأنه لا ينهجس أبدا بالظهور السريع ، و لا يلهث وراء شهرة مزيفة، لهذا ظل يكتب و يشتغل في صمت بهيم ، مراكما عددا من الدراسات و الكتب الفردية و الجماعية ، الكثير منها نشر و الآخر جاهز ينتظر موعد الانوجاد الورقي أو الإلكتروني،و ربما يهرع هذا الأركيولوجي العذب ،في القادم من الأيام إلى نشر كتاب حول الرواية النسائية، وآخر حول صديقه عبد الرحمن مجيد الربيعين، وثالث حول الراحل محمد زفزاف، ورابع حول القصة المغربية في السبعينيات بالمغرب. لقد ظل يشتغل بروح الباحث الزاهد إلى أن تحصل مؤخرا على جائزة المغرب للكتاب برسم سنة 2005 ، عن كتابه الموسوم ب " الرؤية الفجائعية في الرواية العربية خلال نهاية القرن العشرين "، و في ذلك اعتراف بهي و مستحق بأصالة أعماله و رصانتها .
عندما يتوجه لنص ما بالنقد و التحليل ، يستحضر محمد معتصم آليات الاشتغال العلمي ، يعانق السؤال الفلسفي ، يفكك النص إلى مجزوءات محددة ، لا يقتنع بدءا بالمقاربات المطمئنة ، و لا يعيد إنتاج لغة الخشب البائدة ، بل يحاور النص علميا و عمليا ، متوجها إلى بنيته العميقة لا السطحية ، و إلى رماله المتحركة ، إلى المسكوت عنه ، و إلى البياضات و الكلام الذي لم ينكتب من طرف المبدع ، فالنقد مسؤولية تاريخية لا تحوز الشرعية العلمية إلا بفضل موضوعيتها و أسئلتها التفكيكية و حفرها الأركيولوجي الشجاع .
في كل الأماسي الدافئة يلوح محمد معتصم عذبا كريما ، مدمنا للفرح و الحب ، كما النسيم العليل يوزع البهاء على الجميع ، يؤسس لمستقبل إبداعي نقي لا مجال فيه للكراسي الشاغرة و لا الأحلام المغتالة و لا الكائنات الكافكاوية ، في كل الأماسي الباذخة ( و إن كان يتبرم من هكذا وصف ) يواصل البحث و الكتابة بذات النفس الطويل ، دون أن يمنع نفسه من تفجير السؤال النقدي حول ما تجود به قرائح المبدعين ، فالنقد الأدبي مهنته التي يمتلك أسرارها الدفينة، و يعانقها بكل امتلاء على جانب حدائقه الإبداعية الأخرى ، فهنيئا لنا بهذا الأركيولوجي العذب ، الذي يحرص مع رفيقة العمر المبدعة رجاء الطالبي على صناعة الحياة و البهاء .
لكن متى تصير للأحلام ظلال ،كما ظلال كهف أفلاطون، أيها المعتصم بحبل النقد الأدبي ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا