الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة إلى مثقف عربي

حمزة الجواهري

2006 / 4 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


وردتني رسالة من مثقف عربي مع مقال مرفق له، أجبته بملاحظات عن الواقع العراقي بشكل منهجي مبسط وواضح جدا، كان جوابه مجموعة أوهام من صنع نظرية المؤامرة ما أنزل بها من سلطان. أجبته بأخرى تتحدث عن نظرية المؤامرة والإعلام العربي المنحاز والثوابت القومية العربية في الخطاب القومي العربي، بغض النظر عما جاء بالرسائل المتبادلة وجدت أن الرسالة الأخيرة يمكن توجيهها لجميع المثقفين العرب سأنشرها بأخطائها لأني كتبتها على عجل، لكن سأحذف منها اسم المثقف العربي احتراما للخصوصية.
كلما أريده من هذه الرسالة هو تحرير إرادتك من أوهام نظرية المؤامرة في حين أنت في مقتبل العمر وتستطيع أن تفكر وفق منهج علمي مبني على أساس من الواقع الموضوعي، وليس أوهام المؤامرة وثوابت الفكر الشوفيني، وتظليل الإعلام المنتمي لأنظمة تهرأت وتفسخت ونخرت وغرقت بدماء أبناء شعوبها، وملئت سجونها بالأحرار وسلبت إرادة أبناءها، وأرواح الشعوب ملك للدكتاتور والشلة من حوله سواء كان حسني مبارك أو أسدكم أو قذافيهم في ليبيا أو أي قزم تعملق بقوة السلاح والأجهزة القمعية المحيطة به.
فعلوا كل ذلك بعد أن سلبوا إرادة شعوبهم وقمعوهم ذاتيا بآليات نظرية المؤامرة قبل أن يأتي دور الأجهزة القمعية لمن استطاع تحرير إرادته منهم.
يبدو انك مغرم فعلا بنظرية المؤامرة كما أنت مغرم بالنساء، حيث من السهل جدا خداع النفس بمؤامرة وهي من أسهل الوسائل لنسف الحقائق والاستهانة بكل ما هو واقعي وصادق. نظرية المؤامرة أفضل أسلوب لتحييد العقل، بل أهم وسيلة للتظليل الذاتي، وهنا الخطر من هذه النظرية على مستقبل الفكر والشعوب، حيث بهذه النظرية نستطيع أن ننسف كل حقيقة مهما كان شكلها ونقيم بدلا من الحقيقة جملة أوهام بعيدة تماما عن الواقع إلا من الواقع التخيلي.
لذا أنا لا أجد ما أناقش به ما جاء وفق هذه النظرية في رسالتك لأن مفرداتها كثيرة ولا نهائية، بحيث يمكن توظيف الحقيقة ذاتها لنسج نقيضها، وهي النظرية التي برع الإعلام والعقل العربي بصياغتها، وها هي فضائية الجزيرة لنا بها المثل، فإنها قد صنعت بالفعل مجدا عظيما وفق هذه النظرية، وها هو الفكر القومي العربي، برغم شوفينيته وتناقض مفرداته، فقد خلق ثوابت إن تجاوزها الإنسان العربي وقع في مستنقع الخيانة أو الكفر أو العمالة أو حتى بحر من الرذائل لا حدود له.
بالله عليك كيف تناقش من يقول لك أن زيدا أراد بعمر شرا، في حين هو لم يرى أيا منهم؟ لكن بذات الوقت تجده يجزم أن ما يقوله هو الحق، لأنه لو لم يكن مقتنعا بأن ما يقوله هو حق، فإنه سيكون إما خائنا أو عميلا أو كافرا أو أو أو أو وفق ثوابت الفكر القومي الشوفيني.
يوما ما أراد الفكر القومي البعثي في العراق أن يقنعنا بأن العراق قطر من وطن كبير هو الوطن العربي، وها هو اليوم وطنكم العربي يقف وقفة رجل واحد لقتل الشعب العراقي بتكفيريه وبعثييه ومفخخاته وإعلامه وأشباه مثقفيه، وأراد الفكر القومي أن يقنعنا أن ثروات العراق ملك لكل العرب لأننا جزء من الوطن العربي، وأراد أن يقنعنا بأن العربي هو خير البشر أما الباقون ليس إلا أشباه بشر، ومن ثوابته أن أمريكا شر مطلق في الوقت الذي يبكي بدموع من الدم حين توقف أمريكا الشريرة مساعداتها للشعب الفلسطيني الذي انتخب حماس، في حين أن من ثوابت حماس هو حرب الأمريكان في أي مكان وزمان، وأن الشيوعية كفر وإلحاد في الوقت الذي كان يستجدي به الدعم المالي والعسكري والسياسي والمعنوي من الإتحاد السوفيتي القديم، وفي الوقت الذي يتآمر به مع إيران على الشعب العراقي يصف الشيعة العراقيين بأنهم عملاء إيران، وفي الوقت الذي يستعمل به القمر الصناعي الأمريكي لنقل برامج فضائياته التي لا تهاجم إلا أمريكا، وفي الوقت الذي يدعي أنه الأكثر عبقرية من كل شعوب الأرض يستورد حتى غذائه من خارج حدوده، وفي الوقت الذي يدعي ما يدعيه يفعل عكس ذلك بالضبط.
هذا هو الفكر والخطاب القومي الذي شكل ثوابت لا محيد عنها، لأن الخروج عليها وفق هذا الفكر الشوفيني يعني السقوط بمستنقعات الخيانة والكفر وكل الرذائل التي لا تخطر على بال إنسان.
لقد جعلت من أمريكا الشر المطلق، وهذا واقعي في مكان ما وزمان ما، كما هو الحال في أي نظام آخر، حيث وفق الفكر الماركسي الذي تدعي اعتناقه لا يوجد ما هو مطلق، فالحقيقة نسبية وأن الشيء يحمل بداخله نقيضه وأن الشيء أيضا ينقض نقيضه ويتعايش معه وبهذا التعايش تستمر الحركة وأن التحولات النوعية مرهونة بتغيير كمي بسيط في لحظة معينة بعد تراكم كمي لا يحدث تغيرا على الإطلاق، وهكذا نجد أنفسنا أمام كذبة كبرى لا تستند إلى واقع موضوعي مفادها أن هناك شرا مطلق أو خيرا يحمل صفة الإطلاق. هذا ما تعلمناه عن الماركسية نحن الماركسيين في العراق ولم نتعلم منها نظرية المؤامرة التي تجمد العقل كما تجمد حركة التاريخ، إذ بهذه النظرية سوف يجد الإنسان نفسه يوما ما خارج التاريخ والواقع وكأنه ولد في كوكب آخر غير كوكبنا، أو أنه قد خرج للتو من الكهف الذي قضى بداخله ألف عام.
لا يمكن أن تكون أكثر عراقية من العراقي كما لا يمكنني أن أكون سوريا أكثر من السوري، ولا يمكن لك أن تجزم أنك تمتلك مفاتيح الحكمة والمعرفة أمام من قضوا جل حياتهم في ساحات الفكر والنضال، بالله عليك كم أربعين عاما يستطيع الإنسان أن يعيش؟ فأنا قضيت ولا فخر أكثر من أربعين عاما وأنا أقرأ وأفكر وأناقش وأعمل في ظل ظروف من القهر لا توصف، لكن مع ذلك أجدك وفق نظرية المؤامرة وتفسيراتها للأحداث والظواهر السياسية تزايد علي في معرفتك بالواقع العراقي وأنا العراقي، وتزايد علي بالوطنية العراقية وأنا العراقي، وتجزم في أمور لا تعرف منها سوى ما تقرأه أو تسمعه من وسائل الإعلام المنحازة، بذات الوقت تعرف أنها منحازة وهي ملك لأنظمة فاسدة جائرة لا تعرف الانحياز إلا لشرورها.
أنا أقول لك أن المقاومة في العراق لا تمتلك صفة المقاومة بل هي أعمال تمرد هدفها الانتقام من الشعب الأعزل لأنه لم ينتصر للطاغية الذي قتله عبر أربعين عاما، تقول لي أنت أنها ستنتصر، ستنتصر على من؟ على الشعب العراقي؟ لأنها بالفعل لا تقتل سوى العراقي الأعزل البريء. ثم أن مسألة انتصارها أصبحت مستحيلة بعد سقوط نظامهم، ولا أحسبك تقصد انتصارها على المحتل؟ لأني كنت كنت قد أوضحت لك أن المحتل هو الذي صنع النظام البعثي في العراق وهو من جاء به مرتين، وهذا ليس وفق نظرية المؤامرة، لكن وفق اعترافات لساسة ومذكرات لسياسيين ووثائق، أي حقائق، فكيف ينتصروا على من صنعهم؟! وبأي وسيلة سينتصرون؟!
ثم لي سؤال أكثر أهمية من هذا وذاك، هل تريد للشعب العراقي السوء حين تعمل على نصرة هذا الكيان الموهوم الذي تسمونه المقاومة؟ وهل وجدت إنسان يقف ضد مصالح شعب ما لم يكن مأجورا أو مظلل؟
أنا لا أقبل بأي حال من الأحوال من يزايد علينا، ومن يدعو لقتلنا ومن يدعو لهتك أعراضنا واستباحة حرماتنا. العقل زينة الإنسان يا أخ .....، وما تفعلون لا علاقة له بالعقل، جميع السياسيين والأحزاب والناس العزل في العراق يجدون ما أجده صحيحا وهم أصحاب البلد والمصلحة الحقيقية به، بالمقابل تأتي أنت وتدعي أنك تعرف مصلحتهم أكثر منهم وأنت رب الحكمة والمعرفة وتملك علم الكتاب، وتتحدث عن أشباح تسميهم المقاومة وتقول لي أنها ستنتصر! وأنها على حق بقتلها لأخي وأبن عمي وصديقي أو أي عراقي أعزل من السلاح! صدقني يأ أخ ...... حتى السياسيين الذين يدعمون ما تسميه بالمقاومة لا يجرؤن على التصريح علانية أمام الضحايا بدعمهم لهؤلاء الأشباح الأشرار، فكيف تسمح لنفسك أن تفعل ذلك؟
لنتفق على شيء هو أن شأن الشعب السوري لا يهمني لأني لا أستطيع المزايدة على وطنيتك ومعرفتك بالواقع السوري، أليس من العقل أن تفعل نفس الشيء معي؟
محبتي واحترامي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط