الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منظومة الدعم ,أي إصلاح نريد ؟

ماهر الزعق

2018 / 12 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


اشتدّت وطأة غلاء المعيشة على حياة المواطن وزاد تذمّر الفلّاح من ارتفاع كُلفة الإنتاج وتدّنِي أرباحه و تضخّمت ثروات السماسرة والمُهرِّبين,يوما بعد يوم يتأكّد تصميم الحكومات المُتعاقبة على تصفية منظومة الدعم بشكل تدرّيجي لكي لا تثير الشُبهات وباعتماد التضليل والتهويل وإعطاء أرقام مُطلقة ونسب مئويّة تنطق بما يريد لها أن تنطق به,لتجعل الشعب يقبل بما لا يُمكن قبوله والحُجّة واحدة لا تتغيّر:الدعم موّجه لغير مُستحقيه وصندوق الدعم يُنهك ميزانية الدولة.
هذا الأمر يستحّق التدقيق ويحتاج إلى توضيح:
-منظومة الدعم تشمل ثلاث أقسام,أوّلا,الصندوق العامّ للتعويض والذي يتكفّل أساسا بدعم الموّاد الغذائية ,ثانيا,دعم الطاقة والتي هي أساسا دعم للشركة التونسية للكهرباء والغاز ومعمل تكرير النفط والشركة التونسية للأنشطة البترولية أما القسم الثالث فهو دعم النقل العمومي الذي استقرت ميزانيته منذ 2012 في حدود 450 مليون دينار رغم ارتفاع تكاليف الصِيانة والمُعدّات والمحروقات.
–ارتفعت ميزانية الدعم من ألف مليار سنة 2010 إلى 6آلاف مليار سنة 2014 ولكن المقدرة الشرائية للمواطن لم تتحسّن. لماذا؟,لأن هذه الزيادة في مُخصّصات الدعم ناجمة أساسا عن انهيار الدينار وازدهار التهريب وسوء التصرّف في ميزانية الدعم.
-منذ 2016 بدأ التخفيض في ميزانية الدعم لترسو في حدود 4350 مليار في مشروع ميزانية 2019, وهو ما يؤكد عزم الحكومات المتعاقبة على تصفية منظومة الدعم وهو ما سيفاقم من انهيار المقدرة الشرائية لعامّة الناس وما سيرقع مرّة أخرى أسعار المحروقات و السكن و الكراء والماء والكهرباء والدواء والكرّاس والكتاب والصُحف والحديد والملابس والموّاد الغذائية ..,
-تبلغ نسبة الفقر حولي %25 وتصل في بعض الجهات إلى %43 ,320 ألف تونسي يعيشون في حالة فقر مُدقع,%40 من الطبقة المتوسّطة انحدروا نهائيا إلى صفوف الفقراء, 378د هو الأجر الأدنى الصناعي المضمون,أجور نحو% 32 من العمّال أقلّ من الأجر الأدنى,معدّل الأجور في تونس هو 650 د,أصحاب الرواتب المرتفعة( أكثر من 2500د) لا يتجاوز عددهم %1 من الموظفين,%7.5 من الدعم موّجه إلى العائلات الميسورة,إلغاء الدعم سيرفع نسبة الفقر بثلاث أو أربع نقاط و سيُعمّق الهوّة بين الطبقات.
الأغلبية الساحقة من الناس تستحق الانتفاع من الدعم,هذه حقيقة لا يُمكن أن تخفى عن كل عين بصيرة.
–أموال الدعم هي أموال الشعب الكادح تتصرّف فيها الحكومات اللا شعبية , تلك التي أغرقت البلاد في المديونية و فرّطت في الأموال المنهوبة و تلاعبت بالأملاك المُصادرة وداست على عملة الوطنية تنفيذا لإملاءات الدوائر الأجنبية وهي من يرعى الفساد والتهرّب الجبائي ويتساهل مع أباطرة التهريب ونوابها سنّوا قوانين وصادقوا على اتفاقيات كبّدت البلاد خسائر بآلاف المليارات و وافقوا على صرف التعويضات و منح الامتيازات دون شفقة ولا اعتدال...
لا أحد من الغباء بحيث يُصدِّق أن مثل هذه الحكومات حريصة على المال العامّ.
-لا شكّ أنّ منظومة الدعم في حاجة إلى الإصلاح,باعتبار أن سياسة دعم عمياء هي سياسة غبيّة ومُسيئة للاقتصاد وتُشجّع على التهريب والتلف والتبذير..
بصورة هيكلية يجب إصلاح قطاع الطاقة واعتماد سياسة فلاحية بديلة تتّجه أساسا نحو تلبية الحاجات الغذائية للسُكّان وتُحقق الاكتفاء والسيادة الغذائية أمّا بشكل مُباشر فيجب :
*مُقاومة التهريب,تشديد المُراقبة الاقتصادية,تدعيم إدارة صندوق التعويض والتدقيق في مُوازناته,ترشيد الاستهلاك,التصدّي للاحتكار,تقصّي الحقائق وفحص حسابات الشركات المُدعّمة..
*إذا كان توجيه الدعم لمُستحقيه يبدو أمر عسير فإن استعادته مِمّن لا يستحقه أسهل بكثير,فالنُزل والمقاهي والمطاعم ومحلّات الحلويّات والمؤسسات الصناعيّة تستفيد من دعم الطاقة والمواد الغذائية والنقل العمومي وعليها تسديد ما استهلكته من أموال الدعم بالاعتماد على الأرقام والفواتير.
*ما هو مقدار الراتب الشهري الذي بِتجاوزه لا يُمكن لصاحبه أن يستفيد من الدعم ؟( مثلا 2500 د أو 2000 د)ما هو معدّل نصيب كل فرد من ميزانية الدعم؟( مثلا 50 د أو 60 د في الشهر ),هذان مُعطيان لا نجد لهما أثر في فوضى الأرقام .إذا ألغينا منظومة الدعم ينبغي زيادة الأجور والمنح العائلية,فبِمعنى من المعاني تُعتبر منظومة الدعم مصدر ربح لرؤوس الأموال الأجانب والمحليين بما أن الدعم يُعفيهم من الزيادة في الرواتب وبُناء عليه فإن عليهم تسديد مقدار الزيادة المُفترضة في الأجور إلى منظومة الدعم وهذه ليست صدقة بل استرجاع حُقوق.
خلاصة القول,إنّ مبرّرات إلغاء الدعم واهية وكابية وليس بهذا الطُعم يُمكن اصطيادنا و إن كان إصلاح المنظومة ضروري فإن هناك إصلاح وإصلاح,"إصلاح" صندوق النقد الدولي والحكومات المُتعاقبة و الذي يهدف إلى إلغاء الدعم وهرْس المواطن والتفويت في مؤسسات عمومية مثل الشركة التونسية للكهرباء والغاز ومعمل تكرير النفط وديوان الحبوب والديوان التونسي للتجارة وهناك إصلاح لفائدة الشعب,يُعزّز الدور الاجتماعي لمنظومة الدعم,يعمل على تطوير وتنويع موارده,على عدالة و نجاعة تدّخلاته وعلى حسن إدارته وشفافية التصرّف في أمواله حتى لا يقع من جديد فريسة لتماسيح تستبيح قوت الفقراء وغذاء أطفالهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: هل تستطيع أوروبا تجهيز نفسها بدرع مضاد للصواريخ؟ • فر


.. قتيلان برصاص الجيش الإسرائيلي قرب جنين في الضفة الغربية




.. روسيا.. السلطات تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة| #ا


.. محمد هلسة: نتنياهو يطيل الحرب لمحاولة التملص من الأطواق التي




.. وصول 3 مصابين لمستشفى غزة الأوروبي إثر انفجار ذخائر من مخلفا