الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة الاحتجاجية (9) بصدد المنطلقات

رشيد برقان

2018 / 12 / 19
الادب والفن


انطلاقا من الحقيقة التي تقر بأن كل شكل تعبيري لا يمكن أن يحيى داخل مجتمع معين دون أو يكون له سند في الواقع، ودون أن تكون هناك، على الأقل، فئة اجتماعية تحتضنه وتدافع عنه وتروّج له، على أساس أنه يعبّر عن تصورها وطموحاتها وتطلعاتها. أقول انطلاقا من هذه الحقيقة، لا ينبت هذا النمط من التعبير داخل المجتمع كالفطر، ولكن ثقافة الاحتجاج تستمد مشروعيتها من مجموعة من الثوابت؛ لعل أولها حق كل فئات المجتمع في التعبير عن ذاتها، والإفصاح عن تصوراتها، وحقها في أن ترى أفكارها وتصوراتها وتطلعاتها على أرض الواقع.
وانطلاقا من قاعدة التدافع الاجتماعي الذي يرى أن الأصل في كل مجتمع هو الصراع بين الفئات والطبقات المتواجدة فيه على أساس أن هناك فئات وطبقات سائدة تسعى دائما إلى إنكار الصراع، وتجر المجتمع نحو الثبات والمحافظة على الوضع القائم لأنه يستديم مصلحتها. وضدها توجد فئات وطبقات صاعدة لا تستفيد من الوضع ولا ترى أي مصلحة في بقاءه على حاله لهذا تسعى، بحسب قوتها، إلى تغييره. لهذا يبدو غريبا أن نجد نتصور المجتمع أرضا خلاء، ذلك أنه فضاء مملوء أصلا بتصورات هي تصورات الفئات السائدة، على كل تصور جديد أن يجد لنفسه موطئ قدم. ومن هنا تترسخ الطبيعة الاحتجاجية والرفضية للقائم والموجود داخل ثقافة الطبقات الصاعدة.
إن الأصل في كل مجتمع بشري هو الحرية والإيمان بوجود إرادة حرة هي التي تعطي للإنسان مبدأ الوجود. وعلى أساسها يتصرف داخل المجتمع ويسعى إلى تأكيد وجوده. وعندما لا يسمح له بتأكيد وجوده وإثبات ذاته، لأن هناك تصورا موجودا بشكل ضاغط، فإنه يجد نفسه في وضعية المواجهة من أجل إثبات الذات، ولإنجاح هذه العملية يجب عليه إزاحة التصور القديم المتداول. وهنا تحضر ضرورة الاحتجاج لهز أركان التصوّر القديم وتقويضه تمهيدا لإحلال تصور جديد. إن الأصل والحالة هذه هو التعبير وليس الرفض، ولكن الرفض يتحوّل تعبيرا ويحل محلّه بوجود هذا الضغط.
هكذا يتوضح لنا أن مشروعية الاحتجاج والرفض تأتي من وجود فئات أو طبقات اجتماعية تسعى إلى الصعود أو احتلال موقع متقدم في المشهد الاجتماعي، ولكن لا يسمح لها بالتعبير عن تطلعاتها، وتطبيق تصوراتها للحياة والوجود. كما تعكس ثقافة الاحتجاج نمطا من أنماط التدافع الاجتماعي خصوصا خلال لحظات احتكار السلطة، وعدم السماح للحساسيات المجتمعية بالظهور والتعبير عن حاجياتها وطموحاتها. وبهذا تشكل الواجهة الثقافية في الآن نفسه مقدمة للصراع، تتبارى فيها كل الفئات في الدفاع عن نفسها وتلميع صورتها وإبراز جانب التناقض والتهافت في التصور الآخر. كما تشكل الواجهة الثقافية تمرينا أوليا لكل الفئات لكي تختبر صلابة تصوراتها، وترى مدى صمود طروحاتها خلال لحظات المواجهة، وفضلا عن ما ذكر تبقي الواجهة الثقافية دائما مغذّيا للصراع خلال لحظات تأججه وبلوغه درجات قصوى من الاحتداد. وغالبا عندما تنهزم طبقة أو فئة اجتماعية ثقافية تهلّ بشائر سقوطها واندثارها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب