الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إدمان … و 6 تحت الصفر

بديع الآلوسي

2018 / 12 / 20
الادب والفن



المغترب الغارق في تأملاته ، مُدمن هو الآخر ، يحكي عن ما حفزه للتجول في هذا الطقس الضبابي وتحت درجات حرارة 6 تحت الصفر ، معلق بالإدمان او انه جائع لرؤية الاشجار المبتسمة وهي له أغلى هدية ، لو سألته عن الدروب الضيقة او الحقول البيضاء ، لقال لك ان الجمال بارقة سماوية تنهض كل صباح ، أنه يحس بالبرد يلامس عظامة ، بالنسبة له ربما في هذا الخروج والألم نعمة مستترة ، قال : هذا يذكرنا بحال الاطفال المشردين وهم يجوبون الطرقات بحثا ً ما يسد رمقهم . مع ذلك يحاول ان لا يكترث بالألم في هذه العاصفة ، لكنه ظل حائرا ًلأنه لم ينس النازحين القابعين تحت سماء مكفهرة ، بانتظار تبدل هذه الحالة المعطوبة ، ربما لذلك لا يبتسم المغترب ويحكي حين وصل الغابة ان اللاجئين تتبدل قسمات وجوهم ويطالهم الغم بسبب الليل القارص و الأوحال المضنية ، قال : الحروب حماقات كبرى ، وقال : لا تسألني ارجوك لماذا ومَن فعل كل ذلك ؟
ادمان التجول ينتهي صوب البحيرة التي تجمدت ، هنالك حاول المغترب ان ينسى الوجع ، او حاول طرد الذكريات التي لها ملمس لزج ، الريح تدفعه ، تلامس وجهه وتسخر منه ، لكنه قاوم واطلق ضحكة ممزوجة بالكلمات : كل انواع الأدمان تصيبنا بوعكة . لكن على الطريق المحفوف باشجار الصنوبر قالت له الغابة : لكن هذا ليس سرا ً من أسرار الله ، حتى الصلاة لا تصل لحالة التجلي إذا مارسناها بإسراف .
الغريب المستغرق في سرد حكايته ، صار يرى نظام الاشياء من حوله أشبه بفراشة تتباهى بوجودها الفيزيائي ، اما هو ففد ظل يحملق بقطرات الماء المتجمدة والامعة كعقد من الؤلؤ ..
خيم المساء ، طارده السؤال : اين اختفت كل الحيوانات التي اعتدت مصادفتها ؟ المغترب الغارق في تأملاته قال : فال سيء ، هل هلكت جميعا ً ؟
أسيقظ في ذهنه ضرورة العودة الى بيته مسرعا ً ، مخافة ان تتحول هذه النرهة الى لحظة شقاء ، تشجع اخيرا ً حال ان سمع نباح الكلاب في الوادي ، اطلق حنجرته للغناء ، حفيد كلكامش اطلق ساقيه للريح ، لا بل صار يركض في ضباب مفتوح على مفاجأت الألهام . كما لو ان الإدمان على المشي لم يكن سوى تمرين ذاتي ، يعيد لضغط الدم ايقاعه الذي يجنبنا الخيبة . كل ذلك يساعد روحه على التوازن والاصغاء إلى نداءات حسية .. من فرط ما هو غارق في هذا التيّه ، و ما ان وصل عتبة داره سالما ً ، حتى شعر ان قلبه خفيف الوزن كمن وجد مصادفة معنى الجمال وكأنه اكتشف جمال المعنى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا