الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-التَّزامُن- Simultaneity كونياً!

جواد البشيتي

2018 / 12 / 21
الطب , والعلوم


جواد البشيتي

"التزامُن" Simultaneity هو أنْ ترى حادثين يحدثان في الوقت نفسه؛ وهذا ما يُمْكِن أنْ تراه عندما تَقِف في منتصف المسافة بين مكانيِّ (أو مَوْضِعَيِّ) الحادثين.

افْتَرِضْ أنَّ المسافة بين مكانيِّ الحادثين تبلغ 1.2 مليون كم؛ وأنتَ تَقِف في منتصفها.

عندئذٍ، تستطيع أنْ تقول إنَّ الحادثين متزامنين؛ فأنتَ رأيتهما يحدثان في الوقت نفسه.

لكنَّكَ في قولك هذا تَضْرِب صفحاً عن أمْرٍ في منتهى الأهمية هو "الفَرْق بين زمن حدوث الحادث وبين زمن وصول تأثيره الفيزيائي (أو الضوئي) إليكَ"؛ فكلا الحادثين وَقَعَ قبل ثانيتين اثنتين من رؤيتكَ لحدوثه.

ولو أنَّ مراقباً آخر كان يقف على بُعْد أمتار من أحد الحادثين (من الحادث A مثلاً) لَمَا رأى تزامناً في حدوثهما، ولقال إنَّ الحادث A قد وَقَع "قبل" الحادث الآخر (الحادث B مثلاً) بنحو 4 ثوانٍ (وإنَّ الحادث B قد وَقَع "بَعْد" الحادث A بنحو 4 ثوانٍ).

إنَّ "التأثير (الفيزيائي)" ينتقل بسرعة الضوء، أيْ بسرعة 300 ألف كم/ث؛ والناقِل (أو الحامِل) له (من مصْدَرِه، أو نقطة انطلاقه) إنَّما هو نوع من الجسيمات عديمة الكتلة، والتي تسمَّى "الجسيمات الحاملة للقوَّة (أيْ للتأثير)"؛ فلا وجود لـ "تأثيرٍ"، ينطلق من نقطة تبعد عنكَ (مثلاً) بضعة أمتار، فيَصِل إليكَ، وإلى مراقب آخر يبعد عنكَ بلايين السنين الضوئية، في اللحظة عينها. إنَّ كل "تأثير" ينبغي له (قبل أنْ يصِل إليك) أنْ يجتاز مسافة معيَّنة، وبسرعة معيَّنة، هي سرعة الضوء.

الحادث A والحادث B وَقَعا في وقت واحد؛ ولقد وَقَعَا (فعلاً) قبل أنْ يراهما المراقِبَيْن: المراقِب الذي يقف في منتصف المسافة بينهما، والمراقِب الذي يقف على بُعْد أمتارٍ من أحدهما.

المراقِب الأوَّل قال إنَّهما "متزامنان"؛ والمراقِب الثاني قال إنَّهما "غير متزامنين".

لكن، هل كل حادثين أراهما "متزامنين" يجب أنْ يكونا قد وَقَعا (فِعلاً) في وقت واحد؟

أنا الآن أقف في مكان ما على سطح الأرض؛ ولقد رأيتُ حادثين متزامنين، أحدهما انفجار قنبلة على بُعْد 1000 متر من حيث أقِف، والآخر هو انفجار نجم يبعد عن الأرض 10 ملايين سنة ضوئية.

الحادثان متزامنان على ما أرى؛ لكنَّ انفجار النجم وَقَع (فعلاً) قبل 10 ملايين سنة.

وهذا إنَّما يعني أنْ ليس كل حادثين أراهما "متزامنين" يجب أنْ يكونا قد وَقَعا (فِعلاً) في اللحظة نفسها.

تخيَّل أنَّ النجم X الذي يبعد عن الأرض 10 ملايين سنة قد انفجر الآن، وأنَّ انفجاره يصيب الكوكب الأرضي بكارثة.

نحن الآن سكَّان كوكب الأرض لم نرَ هذا الانفجار؛ لكنْ لنتخيَّل أنَّ نبأ انفجاره قد أُخْبِرْنا به في طريقة سحرية.

إنَّ الكارثة لن تصيب كوكب الأرض الآن؛ وإنَّما بعد 10 ملايين سنة؛ فتأثير هذا الانفجار يسير بسرعة الضوء، ولن يجتاز هذه المسافة (المكانية) الهائلة إلاَّ بعد 10 ملايين سنة (أرضية).

ماذا يعني هذا؟

إنَّه يعني أنَّ "الماضي الكوني" هو الذي يؤثِّر (أو يمكن أنْ يؤثِّر) في "حاضر (ومستقبل) الأرض".

وماذا يعني أنْ ترى الآن (وفي هذه الليلة) نجماً ينفجر بغتةً؟

إنَّه يعني أنَّ كل تأثير فيزيائي (يسير بسرعة الضوء) لهذا الانفجار النجمي قد وصَلَ الآن إلى الأرض؛ فلحظة رؤيتكَ الانفجار هي نفسها لحظة وصول تأثيراته الفيزيائية (إليكَ). ومع ذلك، قد تـتأثَّر (فيزيائياً) بأحداث كونية لا تستطيع رؤيتها.

أنتَ مراقِب موجود الآن على سطح كوكب الأرض؛ ولقد رأيْتَ، عَبْر التليسكوب، كوكباً بعيداً جدَّاً، ينتمي إلى مجرَّة، تنتمي إلى مجموعة (أو عنقود) مجرَّات.

ورأيْتَ شخصاً يقف على سطح هذا الكوكب شديد الجاذبية، وفي يده كرة، أفْلَتَها، فشرعت تسقط نحو سطح الكوكب.

ومن النتائج التي توصَّلْت إليها من مراقبتكَ لهذا الحادث أنَّ وصول الكرة إلى سطح ذلك الكوكب قد استغرق (مثلاً) 100 ساعة، بحسب ساعتكَ أنتَ؛ لكنَّه استغرق، بحسب ساعته هو، ثانية واحدة.

متى حدث فعلاً هذا الحادث؟

لقد حدث (مثلاً) قبل مليون سنة أرضية.

إنَّكَ لم ترَ الحادث نفسه؛ فلقد رأيْتَ، فحسب، "فيلماً" له.

هذا "الفيلم" وصل إلى الأرض الآن، واستغرق عرضه 100 ساعة أرضية؛ وأخْبَرَكَ هذا "الفيلم" معلومة مهمَّة هي أنَّه قد قطع فعلاً مسافة قدرها مليون سنة ضوئية.

إنَّه "فيلم" رأيْتَ فيه حادثاً قديماً جدَّاً، وبطيئاً جدَّاً.

"الفيلم" قطع فعلاً مسافة قدرها مليون سنة ضوئية؛ فهل هذا يعني أنَّ ذلك الكوكب يبعد الآن (حيث رأيْتَ "الفيلم") عن الأرض مليون سنة ضوئية؟

كلاَّ، لا يعني هذا.

هذا الكوكب ما أنْ انطلق منه "الفيلم" في رحلته الطويلة هذه حتى ارتدَّ إلى الوراء (أي في الاتِّجاه المعاكس للاتِّجاه الذي سار فيه "الفيلم"). وظلَّ هذا الكوكب (أي ظل عنقود المجرَّات الذي إليه ينتمي) في حركته الارتدادية هذه.

عند وصول "الفيلم" إلى عينيكَ أصبح هذا الكوكب يبعد عن الأرض مليون ونصف المليون سنة ضوئية (مثلاً).

لكنَّ هذا افتراض؛ ذلك لأنَّ هذا الكوكب قد يكون اختفى من الوجود (لقد ابتعد، ثمَّ اختفى من الوجود).

عند انطلاق "الفيلم"، قبل مليون سنة أرضية، كانت المسافة بين هذا الكوكب وكوكب الأرض أقصر؛ وفي خلال رحلة "الفيلم" استطالت المسافة بين نقطة انطلاقه (انطلاق "الفيلم") وبين كوكب الأرض، مثلما استطالت بين النقطة نفسها وبين ذلك الكوكب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحركة عكس اتجاه الشريط
حسن عبد اللطيف ( 2019 / 5 / 2 - 19:17 )

الشريط الذى يحمل صور الأحداث على الكوكب البعيد هو شريط طويل ممتد بين الأرض وذلك الكوكب .. سرعة هذا الشريط (القادم الينا) تساوى سرعة الضوء

طول هذا الشريط بساوى بالضبط مليون سنة ضوئية

لو طال بنا الأجل على الأرض (فرضا) لمليون سنة فسنرى أحداثا وقعت خلال تلك المليون سنة على الكوكب قد يكون فى نهايتها (مثلا ) انفجار شمس هذا الكوكب وانقضاء أجلهما

لذلك - إذا تحركنا بسرعة هائلة بصاروخ نحو هذا الكوكب عكس اتجاه هذا الشريط الطويل .. فسوف تتسارع الأحداث على هذا الشريط (تماما كشريط الفيديو السريع) وطبعا حسب ساعاتنا التى معنا قد نصل لمنتهاه فى وقت قصير يتوقف على سرعتنا

المهم هنا هو فكرة تسارع الأحداث .. فنحن سنرى الكوكب يدور حول شمسه بسرعة أكبر كثيرا من سرعته التى نراها فى التليسكوب من على الأرض .. والمثير أن هذه السرعة قد تصل الى سرعة الضوء
!!
ولاشك أن القوة الجاذبة اللازمة لحفظ كوكب كهذا فى مداره بتلك السرعة الخارقة هى فوق
طاقة الخيال كما لو ان النجم تحول لثقب اسود

كل هذا نراه من خلال نظام قصورى عادى (صاروخ) يتحرك بسرعة منتظمة .. لكن ما نراه كارثى ويحتاج لتفسير

مع خالص التحية

...


2 - الآنية الكونية شىء آخر
حسن عبد اللطيف ( 2019 / 5 / 2 - 19:48 )

لاشك وأنا جالس أمام الكمبيوتر الآن .. هناك حادثُ ما يقع فى مجرة اندروميدا ..
صحيح أننى لا أعلم ما هو هذا الحادث - لكن أن أعلم أو لا أعلم هذا غير مهم بالنسبة للكون

كلام اينشتين عن الآنية والتزامن هو كلام يتناول موضوعات متعلقة بالقياس .. وهذه منطقة تميز الفيزياء كعلم للقياس .. فالعالم يبحث فى الوسيلة المتقنة لتحقيق اليقين التجريبى

لكن سواء جاء الفوتون بالمعلومة أم لم يأت .. الحادثان هنا وفى أندروميدا وقعا بشكل آنى .. بصرف النظر عن وسيلة الإدراك

بل ان أندروميدا نفسها موجودة الآن وجودا آنيا وأنا أكتب على الكيبورد .. هذا فى حد ذاته حدثا آنيا متزامن مع وجودى الآن فى حجرتى

لا يمكن أن تكون الاتصال بين أجزاء الكون محدودة بسرعة الضوء .. فالفوتون بطىء ويكاد يكون متوقف وغير متحرك بالقياس لأبعاد المجرات .. والكون على هذا النحو يصبح مفككا لا تشعر أجزاؤه ببعضها ... لابد من وسيلة أخرى تحقق الاتصال الآنى بين أجزاء الكون
أعتقد أن الطريق لابد أن يبدأ بسلسلة من الأسئلة المحرجة .. تماما كما حدث للفيزياء الكلاسيكية فى نهاية القرن التاسع عشر

مع خالص التحية

اخر الافلام

.. الفضاءات الريفية والطبيعية في تونس تعد المجالات الأنسب للبنا


.. السويد.. الشرطة تفض اعتصام المعهد الملكي للتكنولوجيا في ستوك




.. ناشطة تكشف تلاعب غوغل بمصطلح مجزرة النصيرات


.. أميرة ويلز تظهر رسميا للمرة الأولى بعد -التقدم الجيد- لعلاجه




.. نازحون في جباليا يتزاحمون للحصول على مياه الشرب