الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحمد لله ليس ما في العراق حرب اهلية!

صائب خليل

2006 / 4 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في مقابلة تلفزيونية بين البرلمانية الهولندية من اصل صومالي, والمعروفة بمهاجمتها المستمرة للإسلام والمسلمين والتي احتضنتها الأحزاب والمؤسسات الثقافية المعروفة باتجاهاتها الأمريكية بشكل مضحك احياناً, ايان حرسي علي من حزب ( VVD ) الليبرالي, مقابل برلمانية من حزب العمل (يساري وسط), ومن اصل مغربي. فشلت حرسي بإقناع رسيلتها بأن المسلمين هم السبب في التوتر في المجتمع الهولندي, وأن الحال خطير الخ..فانفجرت فجأة لتقول: "انت لا تعلمين شئاً...اننا نمر تقريباً بحالة حرب في المجتمع الهولندي!!" فاجابتها السياسية من حزب العمل (لم اعد اذكر اسمها) بهدوء قائلة: "وستقوم الحرب فعلاً ان بقيت تصرخين بها بصوت مرتفع هكذا!"

في الأسئلة الإعتيادية يبحث المرء عن اجابة موضوعية, اما في الأسئلة المحملة المشحونة بالعواطف فيفكر الإنسان اولاً بنتيجة اجابته, وقد يجافي الحقيقة الموضوعية احياناً من اجل تجنب نتيجة كارثية. لحسن الحظ لانحتاج ان نجافي "الحقيقة" في موضوع وجود حرب اهلية عراقية. فالسؤال اولاً سؤال اعتباري ليس له جواب موضوعي محدد, او لنقل ان المنطقة الرمادية كبيرة جداً بين الأبيض والأسود, بين السلم والحرب الأهلية, بحيث يمكن لكل شخص ان يعطي حكماً شخصياً ان كان هذا "الرمادي" يعتبر "اسوداً" ام "ابيض".

لكن نفيي للحرب الأهلية في العراق لايستند فقط الى الرغبة العاطفية والواقعية في تجنبها ( المقالة) ولا في قياس كمية العنف في الشارع العراقي لتحديد فيما اذا كنا في حالة حرب ام لا. اهم من هذا وذاك هو "اتجاه العنف": ما هو مصدره وما هو هدفه. فمتى ما كان العنف كبيراً بشكل كاف, وكان مصدره غالباً سنة تهدف الى قتل شيعة او شيعة الى قتل سنة, يمكن ان تكون هناك حرب اهلية. وإن كان الأمر غير ذلك فلا يحق لنا الحديث عنها.

من ناحية اخرى تتزايد المؤشرات تثير الشكوك في هوية منفذي العمليات الإرهابية وصحة او دقة المعلومات عنها. ففي البصرة امسك بعسكريين بريطانيين متنكرين بزي رجال دين شيعة قرب احد المساجد, وكانوا يحملون "اسحلة ارهابيين" حسب تعبير ضابط في الشرطة التي القت القبض عليهم. ولا ادل على اهمية المعلومات التي يحملانها وخشية الجيش البريطاني من افتضاحها انه لجأ الى عملية تعتبر مخاطرة بحياة العسكريين حين اقتحم سجنهما بالدبابات.

ثم تكررت الأحداث المحيرة التفسير وكان اشدها غرابة اقتحام وحدة من الجيش الأمريكي بمصاحبة مجموعة من العسكريين العراقيين لمسجد وقتلها لعدد من المصلين والنساء والأطفال وجميعهم من العزل, ونفي وزير الدفاع اي علم له بمثل تلك العملية وان العراقيين المتنكرين بالزي العسكري ليسوا من الجيش العراقي لأن كل العمليات يجب ان تمر عليه اولاً. وهذه النقطة الأخيرة تفسر العديد من الحوادث التي أتهمت بها الشرطة والجيش العراقي بالعمليات الإرهابية. لقد كانت الفضيحة من القوة بحيث ان رئيس الوزراء ارجأ محادثات تشكيل الحكومة لحين انتهاء التحقيق منها.

وحتى تفجيرات مسجد براثا الإجرامية الأخيرة لم تخل من علامات الإستفهام. فقد نقل اولاً انه قصف بقنابل المورتر*, ثم تحول الخبر الى تفجيرات انتحارية فأيهما هو الصحيح؟ ومن الذي غير الخبر؟ ولمَ لم يعد احد يشير الى الخبر بصيغته الأولى؟

من السياسيين العراقيين ربما كان علاوي اول من اشار الى ان الحرب قد وقعت ليعود الى تأكيد ذلك اثنان من كبار السياسيين العرب فصرح وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل ان العراق يعيش حالة حرب أهلية حقيقية, بعد 24 ساعة من التصريح الطائفي سيء الصيت الذي أطلقه الرئيس المصري حسني مبارك واشار فيه الى ان غالبية الشيعة في المنطقة يدينون بالولاء لإيران.

هذه التداعيات من شخصيات معروفة بارتباطاتها يؤكد لي في الواقع : ان الحرب الأهلية العراقية لم تقع وان تلك التصريحات ليست الأ لنفاذ صبر من يرغب بها ويستعجلها! ولولا ذلك ما قال هؤلاء الساسة ما قالوا وهم يعلمون ان الصراخ بالحرب يساوي الدعوة اليها.

إنه الإرهاب يفقد صبره وقد طال انتظار تحوله الى "حرب اهلية". فرغم ان الإرهاب قاس وشديد الوطأة والوساخة, إلا ان ضعفه الأساسي المترسخ فيه هو عدم قدرته على البقاء والتوالد والتكاثر. فالأرهاب يحرق نفسه بنفسه حين يقتل الإرهابيون انفسهم مع ضحاياهم الأكثر عدداً بكثير.
لكن الحرب الأهلية تصنع وقودها بنفسها, وكلما قتل فيها انسان اندفع اليها ثلاثة او اربعة. انها الشر القادر على الحياة والتكاثر, ولذا يستعجل الإرهاب ان يتحول الى "حرب اهلية" قبل ان يفقد زخمه وطاقته وحطبه.

"الأهل" لا "يتحاربون" يا سيادة الوزير السعودي, انما تأتيهم الحرب من والإرهاب من الخارج. كل التظاهرات وجميع القادة العراقيين يؤكدون ان تلك الأعمال ليست إلا فتنة, وهي بالتالي ليست "حرباً اهلية" وإن كانت قد تؤدي اليها ان لم يتخذ احد اجراء مناسباً.

لا صحة كذلك لما قاله نائب وزير الداخلية العراقي حسين على كمال من ان العراق يعيش حالة حرب اهلية "غير معلنة" مشيراً الى ان "العراقيين السنة والشيعة والاكراد والمسيحيين يقتلون يوميا وان الشيء الوحيد غير المعلن هو ان الحرب الاهلية بين الاطراف المتنازعة لم تعلن رسميا."
فالحرب يفترض ان تعلن لتكون حرباً. يفترض ان يوجد حد ادنى من القيادات من الجانبين المتحاربين تدعوا اتباعها الى الحرب على الطرف الآخر. إننا لا نجد في العراق اليوم قائداً واحداً يدعو الى مثل ذلك. كذلك لانرى ولانسمع الدعايات المسيئة للآخر والتي ترافق اية حرب, خاصة الحروب الأهلية. صحيح ان " السنة والشيعة والاكراد والمسيحيين يقتلون يوميا" لكن هذا القتل عشوائي يقوم به مجهولوا الهوية لذا لايمكن الحديث بتوكيد على اتجاهه الطائفي, رغم كل المحاولات التي تجري لإعطائه تلك الصفة.

فعن اية حرب يتحدث أياد علاوي وحسين علي كمال وحسني مبارك و سعود الفيصل؟ أية حرب هذه التي لم تستطع ان تحصل على داعية واحد لها من اي من طرفيها؟

ولكن من ناحية اخرى اين هي اجراءات الحكومة والأحزاب لوقف هذا الإحتمال المستقبلي الخطير؟ اين هم الفنانون والشعراء؟ يقال ان قصيدة "البراءة" للشاعر العراقي الكبير مظفر النواب اوقفت الإنهيار في حزبه الشيوعي حين كان سجناؤه يمرون بأزمة ثقة بالنفس شديدة, وتكاثر توقيع "البراءات" من الحزب, حتى جاءت القصيدة الرائعة وانتشرت بين السجناء فخجل المترددون وتوقف هذا الإنهيار. أين منا مظفر اخر يوقف هذا الإنهيار في نسيج المجتمع العراقي بقصيدة عصماء يخجل من كلماتها كل من سولت له نفسه كلاماً طائفياً؟

في اكثر من مرة دعوت الى المبادرة الى نشاطات وقوانين توقف تقدم الحرب** بلا جدوى, فلم لم يتوقف اعلان الهوية الطائفية للضحايا والمجرمين على السواء, ولم لم نر تمثالين برونزيين جميلين لشابين يقفزان في الماء عند جسر الأئمة, يذكران الناس بالتضحية والحب بين الشيعة والسنة, ويسكتان اي صوت طائفي خجلاً؟ ما دور الفن وما دور الأدب والحكومة إن لم يجدهم الناس حين يحتاج اليهم في اخطر لحظات حياته؟

الحرب الأهلية لم تصل بعد, والفضل يعود لوعي الناس وتضحياتهم وصبرهم ولحكمة قادة الطائفتين الشيعية والسنية, وكذلك لإنكشاف العديد من الحقائق المثيرة للتساؤل. لكن ان بقي الحال على هذه السلبية, وبقي البعض يصرخ "انها الحرب" بصوت عال, فالحرب واقعة لامحالة.



*
http://today.reuters.com/news/newsArticle.aspx?type=topNews&storyID=2006-04-07T115026Z_01_GEO741590_RTRUKOC_0_US-IRAQ-MOSQUE-BLASTS.xml&archived=False

**
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=59934








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي تداعيات إبطال محكمة العدل الأوروبية اتفاقيين تجاريين م


.. إسرائيل تستعد لشن هجوم -قوي وكبير- على إيران.. هل تستهدف الم




.. واشنطن بوست: تساؤلات بشأن مدى تضرر القواعد العسكرية الإسرائي


.. مسيرات تجوب مدنا يابانية تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غزة




.. رقعة | كيف أبدل إعصار هيلين ملامح بلدات نورث كارولينا في أمر