الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلة -حاكونا مطاطا- (مفيش مشكلة) !

مجدى يوسف
(Magdi Youssef)

2018 / 12 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


"حاكونا مطاطا"، أى "مفيش مشكلة" باللغة السواحيلية، السائدة فى منتصف وشرق أفريقيا، ليست مجرد عبارة عادية، وإنما أسلوب حياة تلقائية، وفلسفة شعبية أفريقية.
وقد استعارتها مؤخرا شركة "ديزنى" الأمريكية لأفلام الأطفال فى صنع أحد أفلامها الذى يحمل هذا العنوان. إلى هنا يبدو الأمر بلا مشكلة، بل أنه نوع من استعارة لثقافة مختلفة جذريا عن ثقافات الغرب ليشعل خيال الأطفال الغربيين، كما سبق أن أشعلت قصص ألف ليلة. لكن المشكلة ظهرت حين سعت شركة "ديزنى" لاحتكار تلك التسمية لنفسها، وذلك بأن لجأت لمحكمة أمريكية حكمت لها بذلك الاحتكار، بحيث لا يسمح لأحد غيرها استخدام تلك العبارة فى تسويق منتجاته، بما فى ذلك الأفارقة أنفسهم، أصحاب تلك الثقافة المستعارة من جانب "ديزنى". لهذا ثارت ثائرة الأفارقة على هذا السطو، ودعوه "استعمارا" لثقافتهم المحلية، التى هى من صنع شعوب أفريقيا، بهدف تعظيم أرباح شركة أمريكية شمالية. فالأفارقة الذين راكمت أمريكا ثرواتها على ظهورهم بسياط الاستعباد، ها هم يتعرضون مرة أخرى من الأمريكيين الغربيين للسطو على ثقافتهم الأفريقية وهم فى بلادهم مستخدمين سياط "الملكية الفكرية" لمنظمة السوق العالمية مستغلين عدم "تسجيل" التراث الشعبى الأفريقى على نحو "تشريعى قضائى".
هكذا صارت "حاكونا مطاطا" مثار ثورة أفريقية على هذا السطو "على عينك يا تاجر" فى عز النهار على خصوصية الحياة الأفريقية التى تمثلها تلك العبارة، خاصة وأنها تمثل على العكس من الثقافة السائدة فى الغرب عموما، وفى الولايات المتحدة على وجه الخصوص، المتمثلة فى التعامل الشكلى المتكلف والمتباعد حتى مع أقرب الأقارب تجنبا لإثارة أية "مشكلة"، بينما تختلف جوهريا مع حميمية العلاقات بين الأفارقة، والعرب بالمثل، فى هذا الخصوص. فقد كان كاتبا غربيا شهيرا من أصول نرويجية يدعى "روآلد دال"، تخصص فى الكتابة للأطفال باللغة الانجليزية، يصور الرجال المصريين فى أعماله الروائية ذائعة الصيت بأنهم "مثليين" لمجرد أنهم لا يستنكفون عن ملامسة بعضهم ببراءة عفوية، ناظرا إليهم بمعيارية غربية اختزالية تعكس ريفيتها ومحدودية عنصريتها !!
لهذا التناقض بين نمط الحياة الغربية، وتلقائيتها فى أفريقيا، صار لتلك العبارة السواحيلية جاذبية خاصة تشعل خيال الأطفال الغربيين. إلا أن السعى لاحتكارها "تجاريا وقانونيا" لصالح شركة "ديزنى" دون سواها، هو ما أثار سخطا أفريقيا بلا ضفاف. وهو ما جعل قانونيين أفارقة لا يتوانون عن الطعن على حكم المحكمة الأمريكية التى حرمت على أية شركة أخرى استعمال هذه العبارة فى منتجاتها المطروحة للبيع فى الأسواق، ولسان حال هؤلاء: ألم يكتف الأمريكيون الغربيون بشرائنا عبيدا لتعظيم أرباحهم من دمائنا، إنما يأتون اليوم ليستعبدوا ثقافتنا الأم كذلك للغرض نفسه: تعظيم أرباحهم على حساب شعوبنا التى أنتجت تلك الثقافة الأفريقية التى يريدون احتكارها عنوة بالرجوع لقوانين السوق التى اخترعوها لتحقيق مصالحهم على حساب شعوبنا المحبة للحياة فى تلقائية ووئام ؟










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام