الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كركوك نقطة إلتقاء الثقافات في العراق

خالد يونس خالد

2003 / 3 / 22
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



                                                 
                                             باحث وكاتب صحفي- السويد

ظهرت في الأونة الأخيرة كتاب وأشباه كتاب بين الكرد والعرب والأقليات القومية من تركمان وآشوريين وغيرهم، يغنون ليلاهم بكركوك كمدينة خالصة لهم. فبعضهم يرونها مدينة كردية أصيلة لايحق لغير الكرد العيش فيها، والبعض الأخر يجدها مدينة تركمانية خالصة للتركمان والآخرون كلهم غرباء محرومون من حقوقهم. وفئة ثالثة تريدها مدينة عربية أصيلة، وشريان إقتصادي للنظام. ولا شك أن مثل هذه الدعوات كلها لا تخدم التآخي والسلام والإستقرار، ومصدرها العقليات الشوفينية والإستبدادية التي لا تقل خطرا عن عقلية حزب البعث العراقي وسياسة محو الشخصية القومية للكرد والأقليات القومية الأخرى، وعمليات التعريب والتهجير والقتل الجماعي.
   مدينة كركوك هي في الحقيقة والواقع مدينة التأخي والسلام للكرد والعرب والتركمان والآشوريين والسريان والكلدان وغيرهم من الأعراق والطوائف على قدم المساواة. إنها ملتقى الثقافات والحضارات ورمز الوحدة الديمقراطية والوئام. هنا في مدينة كركوك تلتقى الأفكار بكل تناقضاتها، وتتوحد هذه التناقضات طبقا للعملية الديالكتيكية لتشكل وحدة الأضداد على أساس المصالح المشتركة في بناء مجتمع ديمقراطي فدرالي تعددي يعطي الحق للجميع على قدم المساواة في الحرية وممارسة الحرية، والإعتراف المتبادل لحقوق الأفراد في كردستان والعراق. فالأراء المتباينة على أساس التآخي، والتفكير بالسلام، وأعني التفكير العقلاني بالسلام مرده وجود صراع  وتناقض. وبدلا من التحكم بالبندقية التي أثبتت فشلها في عراق صدام مثلما أثبتت فشلها في دول المنطقة كلها، فإن العمل الجاد بمسؤولية مشتركة، على أساس الأخوة الصادقة هو السبيل للحوار العقلاني بعقلية ديمقراطية في مجتمع مفتوح نسبيا، وإحترام كافة العقائد والأعراق طبقا للعلمانية الديمقراطية، وليس العلمانية الإستبدادية على غرار تركيا مثلا أو عراق اليوم. ورفض مجتمع ذات توجه وحيد الجانب كما كان عليه أفغانستان، أو مجتمع الدوكما وإحتكار الحقيقة وتكفير الناس لمجرد معارضتهم للنظام.
   التفكير بالسلام لا يكفي بدون نية حسنة، وعمل ديمقراطي مشترك، ومسؤولية جماعية، في مدينة الأخوة والمساواة. أما التحكم بالقوة أو الغرور بأن البارود هو الحكم فلن يعطي حلا لأية مشكلة. لنفكر بإسرائيل وسياستها في هضم حقوق الفلسطينيين، وعجز العقلية الإسرائيلية في تحقيق السلام والإستقرار رغم إمتلاكها عشرات القنابل النووية، ودعم الولايات المتحدة لها في كل توجهاتها تقريبا. إن الحل هو الإعتراف بالآخر مثلما تعترف بما لك من حقوق. ولا نذهب بعيدا عن المنطقة فنفكر بلبنان كيف وقعت في أتون حرب اهلية طاحنة بما يقارب خمسة عشر عاما، وتحويل المجتمع إلى مراكز قوى، كل قوة تدعي بقدرتها على أن تحسم المعركة لصالحها. والأنكى من كل ذلك سياسات صدام حسين وما جرت على العراق والشرق الأوسط من مآسي وتشرزم وبؤس وحرب وتهجير. هل إستطاعت الأسلحة الكيمياوية التي إستخدمها النظام العراقي ضد الكرد في حلبجة وضد الشيعة في منطقة الأهوار من حسم الحرب لصالحه؟ قد تكسب المعركة ولكنك تخسر الحرب في النهاية إذا لم تكن ديمقراطيا متنورا.
   هزيمة التآخي في مدينة بنيالوكا البوسنية كانت بسبب العقليات اللاديمقراطية والتفكير العسكري، والدخول في معارك لا أول لها ولا آخر، لاحقتها كراهية وغضب وقتل ومجاذر جماعية وسياسة إبادة دامت بضعة سنين، حتى إحتكموا للعقل في شهر يناير من هذا العام حيث وافق البرلمان على تشكيل حكومة مشتركة من الصرب والكروات والمسلمين.    
كركوك بالنسبة للكرد قلب كردستان. مقولة رددها قائد الشعب الكردي الراحل مصطفى البارزاني. فعندما طلب النظام العراقي من البارزاني بالتخلي عن كركوك مقابل منح الشعب الكردي حقوقه، قال البارزاني الخالد: "لا أستطيع أن أتحمل المسؤولية التاريخية بالتنازل عن كركوك لأنها قلب كردستان". فكركوك بالنسبة للكرد قدس الأقداس، ناضَلوا من أجل تحريرها من العبودية. لكن حرية كركوك يجب أن تكون حرية الكرد والتركمان والعرب والأشوريين والأيزيديين الكرد والكلدان والسريان. إنها مدينة الحرية للجميع، ولا يمكن للكرد أن يكونوا أحرارا إذا حرموا الأخرين من حريتهم. كما لا يمكن للآخرين أن يكونوا أحرارا إذا حرموا الكرد من حريتهم. إنها أعظم من بنيالوكا البوسنة، وأقدس ما يقدسها الجميع، ولا يمكن أن ينعم أحد بالحرية إلا في مدينة تكون رمزا للحرية والتنأخي والسلام للجميع. فإستراتيجية الكرد تتطلب الوحدة بين الشعب الكردي وكافة الأقليات القومية والدينية في المنطقة، ولا يمكن لأحد تحقيق هذه الوحدة على أساس إحتكار الحقيقة مهما ملك من قوة، إنما تتطلب هذه الوحدة، التآخي الصحيح بحسن نية على أرض الواقع، وممارسته في المحك العملي بحرية ومسؤولية، في تقبل الآخر. الكل يريد الحرية ، والكل يريد ممارسة الحرية، والكل يحب كركوك، وهذا الحب نصونه بالسلام والمحبة الأخوية. فالشجاعة تتحقق بإنتشار الديمقراطية، والحرية هي في النهاية شجاعة عقلية، فلنبحث عن المعرفة لأن المعرفة لا تبحث عنا، ولنعمل من أجل السلام لأن السلام لا يأتي إلينا بالقوة، فسيادة الخير لن يكون إلا بإختيار الإنسان. وصدق التربوي فرايري حين قال: "إن الحوار لايمكن أن يكون بين الذين يحق لهم أن يقولوا كلمتهم والذين لا يرون للآخرين قول كلمتهم في هذا العالم، كما لا يمكن للحوار أن يتم في جو من الغرور والتهديد". إننا جميعا نرزح تحت ظروف القهر إذا لم نستوعب المرحلة الراهنة التي نعيشها. وعلينا أن لا نكون ساذجين بأن مجرد إحتمال رحيل صدام حسين يعني أننا إستطعا حل مشاكلنا. فلا بد من وجود تصورات لمواكبة المرحلة الجديدة بعقلية ديمقراطية وتسامح في معالجة التناضات. إنها بداية العمل في طريق النضال للتغلب على ظروف القهر، وإلا فإن كثيرا من المظلومين "خلال مرحلة النضال يرون من نماذج القاهرين تجسيدا لرجولتهم الضائعة ... فبدلا من أن يناضلوا من أجل حريتهم فإنهم يجنحون إلى ممارسة دور الظالمين". فلا بد من الحوار لأن العلاقة الحوارية تخدم الوعي، وتؤدي إلى الحرية والتفاهم. لكن هذا التفاهم يجب أن يكون مقرونا بالعمل الواعي بعيدا عن العنف لأن الحرية كما يقول السويديون هي "غياب العنف".    








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي