الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اخرجوا رؤوسكم من الرمال ياسادة .. قد يرى الناس صورة صدام في القمر ، بعد حين !

عارف معروف

2018 / 12 / 26
مواضيع وابحاث سياسية



اخرجوا رؤوسكم من الرمال ياسادة .. قد يرى الناس صورة صدام في القمر ، بعد حين !




سألني الرجل الثلاثيني ( وهو موظف وخريج معهد ) معترضا على ما ابديته من وجهة نظر بشأن طبيعة وقائع الستينات السياسية والاجتماعية تعقيبا على رأي شخص ثالث في الوقائع نفسها ، خلال جلسة معارف كان اغلبهم من الشباب : ولكن ، ألم يكن عبد الكريم قاسم ، في الأصل ، بعثيا وقد خان الحزب ، فانتقم الحزب منه جراء خيانته ؟
اذهلتني المفاجأة ، وكان عليّ التريث لكي اتلمس إجابة ممكنة ، مفيدة ، غير مستفَزَة ولا مُستفِزة ولا يُشم منها أية استهانة بعقل الرجل و" معلوماته " بصدد ثورة تمور1958 وانقلاب شباط 1963، ولكن الامر تطلب سردا تاريخيا ، متعبا في الواقع ، ومُدعما بالشواهد الممكنة لكي اصحح سيل " المعلومات " الأخرى المصاحبة والتي تفتقت عنها " ذاكرة " الرجل السياسية او بالأصح " برمجته " السياسية التي انطوت على مزالق و" قناعات " اخطر بكثير من هذه النكتة وكذلك ما انطوت عليه استجابات وملاحظات الآخرين من الحضور ، ممن يصغرونه سنا ، من ثغرات وتشوهات بصدد تلك الوقائع ، والخلط الواسع الذي يعتريها بصدد الأسماء والمفاهيم ودور القوى السياسية الفاعلة يومذاك وحقيقية الغايات والمصائر !
كان لا بد لتلك " اللحظة " ان تقودني الى تأمل وامعان نظر في طبيعة الوعي السياسي والتاريخي العام، اقصد وعي الناس ، وعي ما نسميه الجمهور او رجل الشارع ، ومصادره ومكوناته ودور ومسؤولية الهيئة الاجتماعية في تحديد اسسه وتوجهاته ، وكذلك حقيقة الذاكرة المجتمعية او ذاكرة الأجيال وما الذي يسهم في تكوينها ورصف احجارها وادامتها واستمرارها وكيف يتسنى لجهد اجتماعي هادف غربلتها وتنظيفها من المغالطات والتشويهات وكذلك الأكاذيب والخرافات والاساطير، دون ارتكاب خطيئة فرض وجهة النظر الواحدية او الفئوية عبر ما يسمى " بإعادة كتابة التاريخ " التي كانت تجاربها السابقة مثلما ستكون اللاحقة : ظالمة ، وزائفة . مبلبلة وغير نافعة ، اجتماعيا ، على الاطلاق .
كذلك ، من جهة أخرى ، دور التجربة المعاشة وانعكاساتها في صياغة وعي الافراد والمجتمع ، والاثر المؤكد للحياة اليومية ومفرداتها وطبيعة معاناتها ومن خلال قوّة المثال السلبي او الإيجابي الذي تطرحه ، هذا اذا عزلنا دور الاعلام واهميته ، باعتبار الإمكانات المتواضعة للإعلام العراقي ، سابقا وحاليا ، وافتقاره الى الخبرة والدراية والامكانية المعرفية والتقنية التي يمكن لها ان تجعل تأثيره في صياغة الوعي والقناعات ، راسخا ومؤثرا ، او محسوسا ، على الأقل .
أقول ذلك وانا اتأمل في ردود الأفعال المتباينة إزاء رفع مجموعة من الطلبة لصورة صدام حسين خلال احتفالية احدى الكليات العراقية في محافظة الانبار والتي لم تخرج ، ويا للأسف ، الى افق ما هو مفيد وجاد في الفهم والمعالجة ، فذهب بعضها الى بئر الكراهية والشتائم ، ليختصر على نفسه السبيل ويعفيها من كل جهد حقيقي ، فكال الشتائم ل"حواضن داعش والإرهاب التي لن يشفى غليلها " ، في حين تجاوزه آخر الى ان هؤلاء لن يكونوا سوى أبناء الجلادين الذين اوغلوا في دماء العراقيين من الحالمين باستعادة مجد وتسلط آبائهم ، في الوقت الذي ذهب آخرون بالامر الى نهايته المفضلة لديهم : السُنة الحالمين باستعادة السلطة !!
لم يكلف ، أي من هؤلاء نفسه عناء البحث في أي احتمال ممكن لتفسير ما حصل خارج صندوق المؤامرة وظل يدور في ساقيته القديمة : داعش ، السعودية ، أمريكا ، قطر، السنة ، البعث المجرم ...الخ ..الخ .
لم يتمعن أي منهم ، كما اظن ، في دلالة اعمار ثلة الشبان الذين خططوا ونفذوا وتحمسوا لرفع صورة طاغية كان جلهم مجرد أطفال في الابتدائية خلال اعوامه الأخيرة ، ولكنه تحول في مداركهم الى رمز إيجابي بحيث يغامرون بمستقبلهم الدراسي او تعرضهم للمسائلة الأمنية من اجل رفع صورته فقط ! ولم يربط احدٌ من هؤلاء ، كما اعتقد ، بين ماجرى في جامعة الانبار وبين ما يسمعه ونسمعه جميعا ، ويوميا ، في الشارع ، وعلنا ، من ترحم الكثير من الناس ، على أيام صدام باعتبارها أيام قّوة الدولة العراقية وسيادة القانون ومحدودية الفساد و...الخ الخ!

يتصور هؤلاء ، اقصد ذوي ردود الأفعال المتشنجة ، ان الناس تتعلم من الوعظ فقط ، ولو كان الامر كذلك اذاً لتحول المجتمع الى مجتمع صالح بأقل الجهود ومنذ زمن قديم جدا ، وما احتاجت الانسانية الى ان تبح حناجر الواعظين دون ان يجدي ذلك فتيلا ، لكن الواقع يقول ان الناس تتعلم من التجربة العملية والمثال الواقعي الحيّ والسلوك الملموس ، وان ما يملي دوافعها ، في الغالب ، هو حاجاتها المباشرة ومتطلبات حياتها اليومية وان وعيها يرتبط بذلك ويتأثر به بشكل حاسم ومباشر ، فأن اطمأن الناس الى ذلك تطلعوا الى سقف مطالب ثقافية وروحية ارقى . وتجربة العراقيين ، وخصوصا الشباب ، ومنذ خمسة عشر عاما ، مريرة ، بل بالغة المرارة على هذا الصعيد . فهم يشهدون فسادا يفغر ابائهم واجدادهم الافواه من مستواه ويترحمون على الماضي الذي لم يشهد عشر معشاره . ويرقبون، بألم ، ضعف دور القانون والرقابة وعدم تمكنها من احقاق حق او ازهاق باطل ، خصوصا في مواجهة ديناصورات القوة والفساد . ويتألمون لواقع ضعف الدولة العراقية وتبعيتها اوهشاشة ارادتها امام قوى الاحتلال والهيمنة . ويتحسرون على الأيام التي كانت الدولة تكفل فيه الرعاية الصحية ومجانية التعليم وتوفر لأمثالهم الوظائف . ويسمعون القصص ، الصحيحة او المختلقة ، مبالغة واعجابا ، عن قوّة الجيش العراقي ، وانضباطه وعن دقة الأجهزة الإدارية وتفانيها وحرص الوزراء وتسابقهم في الأداء الأفضل ، ناهيك عن تفكك لا يمكن المماراة فيه لاوصال الوحدة الوطنية العراقية وتعاظم تاثير الروح الفئوية والعنصرية والطائفية والعشائرية وغلبة الهويات الفرعية على الهوية الوطنية الجامعة ... الخ ، قصصا قد يستند بعضها الى وقائع ولكن معظمها يصدر عن مبالغة واختلاق بفعل ثقل معاناة الحاضر.
وثمة امثلة أخرى ، كثيرة ، يزخر بها الواقع اليوم عن " وقائع " و" حقائق " اكثر غرابة وسوريالية ، تجد طريقها الى اذهان ومعارف الشباب وتسهم في تكوينهم السياسي والمعرفي ( لا اقصد هنا ، طبعا ، القلة القليلة منهم، وانما اقصد الكثرة الكاثرة )، ويمكن ان تجد امثلتها بمجرد استعراض صفحات التواصل الاجتماعي ، ناهيك عن انك يمكن ان تتلمسها بيسر في أي تماس وحوار ، هنا او هناك ، لكن معظمها ، عند التحليل ، يصدر عن ويستثمر في معاناة الحاضر ومقارنتها بما كان عليه الماضي القريب او ما يروج عن دراية وقصد من قبل البعض ، عن ذلك الماضي القريب . واليك مثالا واحدا يختصر ويبين مضمون وغايات امثلة كثيرة رائجة ، بالنسبة لمطلقيها ولكنه يطمن حاجات نفسية واجتماعية مهمة لدى جمهور المتلقين الشباب رغم انها مفبركة وكاذبة :

• (ارادت تركيا ان تبني سدا يقطع مياه الفرات ، فحرك صدام بضعة بطاريات صواريخ ، فامتنعت تركيا فورا عن بناء السد واية سدود أخرى وارسلت وفدا يسترضي صدام ويعتذر منه ، هكذا كان العراق ) (!!)
وقس على ذلك في مواجهة أي ترد او احباط او ضعف او تفكك ، سواء تعلق بمشكلة المياه التي تكاد تعصف بوجود الرافدين او ضعف وهوان الدولة العراقية بحيث تتكالب عليها دول مجهرية وقوى تافهة ، او غياب الضمانات الصحية والتعليمية والمعيشية ، او الفساد في الحصة التموينية ... الخ ، في كل هذه الإشكالات والمعاناة تجد ان هناك حكايات وحكايات تنسب الى النظام السابق وصدام المبادرة والحسم والقوة ، قد تروج لها عناصر بعثية لكن معظم من يتلقفها ويرددها ويشيعها هم أناس عاديون وشباب محبطون ...

لقد تحول صدام في اذهان نسبة لا يستهان بها من الشباب الى اسطورة للقوة والهيبة ، بغض النظر عن مدى صحتها ، ومن لا يعرف مدى اعجاب وتعلق العراقيين ، بل وشعوب المنطقة ، بالقوة والرجولة والحزم ، لا يفهم شيئا ، ولا يمكن ان يجد تفسيرا مقنعا لتعلق الملايين بشخصيات سياسية في تاريخ المنطقة اتصفت بها او تظاهرت بذلك ، على اقل تقدير ، وتناغمت بذلك مع حاجات سايكولوجية عميقة لدى شعوب المنطقة وتكوينها النفسي والثقافي !
تفيدنا التجربة البشرية ان الشعوب تتعلق برموز القوّة متى ما عانت من مشاعر الأحباط والضعف ، وقد شهدت الانسانية صعود قوى وشخصيات عرفت كيف تتعامل مع تلك الظروف واستغلت ووظفت ما افرزته من حاجات ومطالب . وما صعود النازية وهتلر الكاسح ، من خلال اليات نظام سياسي ديمقراطي تاريخي كالنظام الألماني ، وبإسناد شعبي متزايد من قبل شعب عريق عُرف بثقافته العميقة ، كالشعب الالماني ، استنادا الى مشاعر اليأس والإحباط ونشدان الخلاص والقوة التي كانت تجيش في صدور الالمان آنذاك الاّ مثال ساطع على صحة ذلك . هذا الحال مع نظام ديمقراطي تاريخي راسخ فما بالك بإزاء نظام " ديمقراطي " هش وزائف يعاني من الفشل والتعثر في كل مفاصله وينعكس ذلك معاناة والم وخسران لدى الشعب ، بصورة يومية ومتفاقمة !
لقد عالج الالمان تركة النازية وهتلر بالحكمة المطلوبة والمنهجية الصحيحة ، فبعد ان حوكم النازيون وادينت النازية وحُرّمت قانونا ، أنشأت مؤسسات الذاكرة التي دأبت على ارشفة جرائم النازية وتعقبها وتعقب آثارها والتثقيف بالضد منها ، وكل ذلك ينهض على أساس بناء اقتصادي واجتماعي ملموس عاشته وتعيشه المانيا منذ نهاية الحقبة النازية ويلمس الالمان قطوفه وافضلياته المطلقة إزاء التجربة النازية . فأين ذوت مؤسسة " الذاكرة العراقية " ولماذا طمرت اراشيف عذاب العراقيين وتم التستر على المجرمين ؟ لماذا لم يعمل احد على ارشفة تلك الممارسات الاجرامية الدامية والتثقيف بالضد منها ، واكتفي ببضعة نصوص وشعارات هزيلة عن حقوق الانسان والنزاهة والشفافية ثُبتت كمعزوفات ميته في بعض كتب المناهج الدراسية ، يقرأها الطالب قلا يشعر ان لها مع الواقع المعاش ادنى صلة ؟! ليس هذا فحسب ، بل ان الجلادين الحقيقيين ،والمجرمين العتاة ، وكتبة التقارير ، والوشاة الغادرين ، والمطبلين الانتهازيين ، والوصوليين الاوغاد ، ممن شاركوا مشاركة فاعلة في تاريخ العذاب والدم والدموع ذاك ، تم التستر على الكثيرين منهم والترحيب بهم وضمهم تحت اجنحة القوى السياسية النافذة حاليا تحت ذرائع طائفية هنا وعنصرية هناك واكتفي بتسمية ومطاردة عدد لا يذكر منهم وعلى أسس أخرى لا تمت للعدالة والنزاهة والإخلاص بصلة ؟! وحتى هؤلاء تم التعامل معهم على أساس من نفسية العبيد الاذلاء التي يبدو انها لا تبارح تكوين البعض فتسامحوا وقبلوا واصطلحوا مع من تمتع بإسناد القوى الإرهابية او دعم التدخلات الإقليمية منهم ورفضوا التعامل مع غيرهم ؟!!
لقد شهدت ُ ، شخصيا ، بعض فصول عذاب سنوات الجمر، وكنت اظن وآمل يومها ان حقبة الطغيان الأسود تلك لو انتهت فسوف لا تكفي المجلدات لسرد وقائعها المريرة وعذاباتها الهائلة . وقبل بضعة أسابيع ، روى لي صديق كريم ، وناج آخر ممن التقيته وعرفته في اقبية ذلك الجحيم شيئا مما شهده في معتقل الامن العامة ، لقد روعتني الوقائع التي رواها بالفعل واصابتني بصدمة هائلة ، فانا ، نفسي لم أتوقع ان يصل اجرام البعض ووحشيتهم اتجاه البشر الى ذلك الدرك الفظيع ، ولم يعد معظم ما شهدته وعرفته شيئا يذكر اتجاه تلك الوقائع !
فاين الجهد الاجتماعي المنظم في التذكير بذلك التاريخ الأسود والتثقيف بالضد منه ؟
في الواقع ان معظم القوى السياسية والشخصيات المسيطرة ليس لديها ادنى اهتمام بذلك ولا معرفة بضرورته ومنشغلة كليا بحفلة المغانم والمكاسب وهي ان تنبهت الى شيء فستتنبه فقط الى الاستفادة من مثل هذه التحركات في تحقيق مكاسب أخرى لها من خلال التخويف بالبعثيين وإمكانية عودتهم ، او مستثمرة إياها فيما اعتاد عليه عقلها الغوغائي من شتائم واتهامات ، غير واعية ولا مهتمة ، الى ان جيل الشباب ، ومعظم العراقيين من الشباب ، قد لا يرى في صدام او البعث كارثة اعظم مما يلم به وبمجتمعه حاليا ، خصوصا وانه لم يعش سنوات الجمر وليس هناك من جهد او منهجية تذكير وتثقيف وتربية بما انطوت عليه من فضائع والام . ان نسبة ليست هينة من الشباب اخذت تقرن ليس القوة فحسب بل ووجود الدولة العراقية ونفاذ القانون ووحدة الوطن وضمانات الشعب المادية بالعهد السابق وصدام ، غير واعية ولا من يبذل جهدا حقيقيا في توعيتها بحقيقة ان صدام كان اكثر من قوّض كيان الدولة ونفاذ القانون ووحدة البلاد ، وهذه الأفكار ليست حكرا على مناطق دون أخرى فقد تجدها في كردستان حينما تتحدث الى المواطن الكردي العادي ، الذي نسي الكيمياوي والانفال ، وما عاد يتذكر سوى الراتب الذي يقبضه كل شهر في موعده والحصة والمحروقات التي كانت توفرها له الدولة اسوة بغيره كما تجدها في البصرة والناصرية والموصل وبغداد !
فالتخرجوا رؤوسكم من رمال الجهل والتجاهل أيها السادة ، فالشعوب تخلق الملائكة والشياطين استنادا الى حاجاتها والضرورات التي ، واذا استمرت معاناتها فقد يتحول صدام الى ايقونه وقد يحين الحين الذي يظهر وجهه على القمر !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي