الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاث سنوات على سقوط الصنم العراق الى اين؟

سامي بهنام المالح

2006 / 4 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لحظة سقوط الصنم، في بغداد، قبل ثلاث سنوات، اغرورقت عيون الملايين من ابناء العراق بالدموع و اختلطت فيهم المشاعر و الاحاسيس حالمين بنهاية حقيقية لسنوات العذاب و الالام و الحرمان.
و في تلك اللحظات المتوترة، في زخم و كثافة و سرعة تطور الاحداث، و رغم ضبابية الموقف على الارض، جازف الملايين في شحذ مخيلتهم ليرسموا صورة العراق المتحرر الجديد. وطن للجميع، حر، امن، مزدهر و خالي من القمع و العنف و الدكتاتورية و الاوباش وعصابات البعث و اجهزته القمعية الاجرامية.

لكن بغداد، العاصمة المنهكة و المهشمة لم تستعد انفاسها. اذ تشبعت سمائها، فضلا عن غيوم الدخان و رائحة البارود و الدم، بالتردد و الشك و الريبة، و باستثناء حالات فريدة، عبر فيها بعض من ابنائها المخلصين عن فرحتهم المختلطة بكم هائل من العذاب و العويل و الصراخ الذي سمعه العالم كله، كحالة ابو تحسين الخالدة، اغتيلت فيها و في العراق المعذب كله فرحة الناس، و حبست رغبتهم الجامحة و المكبوتة بالخروج الى الشارع لتنظيم كرنفال السقوط و الاحتفال الشعبي بنهاية الطغيان، لتبقى و يا للاسف، حسرة ثقيلة و مريرة في القلوب و النفوس. حسرة ستدوم، كما يبدو، الى الابد.

وما ان اختفى المجرم الكبير و العصابة الجبانة التي كانت تحيط به، انهارت الدولة الشمولية البوليسية و الاجهزة و المؤسسات القمعية التي كانت تحميها. فبات العراق فجأة، بكل مافيه من القوى و المتناقضات و الصراعات و المصالح و التوجهات و المشاريع المعدة مسبقا، اضافة الى واقع وجود قوات الاحتلال، بات البلد و كانه ذلك المرجل الذي كان يغلي بشدة، منذ زمن بعيد، و رفع عنه الغطاء فجأة.

و بسقوط الدولية الشمولية، بدأ الصراع بين قوى المجتمع العراقي و القوى الاقليمية و الدولية، من اجل تحديد مصير العراق. و طوال ثلاث سنوات يشاهد الشعب العراقي ويعيش تجليات و نتائج استمرار هذا الصراع المرير.
اين يقف العراق اليوم و ماهو شكل نظامه السياسي و ما هو مستقبله و ماذا جرى خلال هذه الاعوام المريرة؟

اليوم اذ يستقبل الشعب العراقي العام الرابع بعد السقوط، يتوغل العراق اكثر من اي وقت مضى، في دوامة الفوضى و الارهاب و القتل العشوائي و الدمار و الحياة المعطلة و انتشار الجريمة و الفساد و اغتيال المعرفة و العلم و العلماء و المتعلمين و استمرار الصراع الطائفي و القومي و السياسي.
و في ظل كل ذلك، و رغم تحذيرات و نداءات الاصدقاء و الاعداء من مغبة الحرب الاهلية، يستمر الصراع بين الكتل و الاحزاب السياسية و كأنها تتصارع من اجل تقاسم الغنيمة في و ضع مثالي، وضع هاديْ و مستقر لديهم فيه كل الوقت للمناورة و لي الاذرع و الانتشاء في اجواء الاجتماعات و الولائم اليومية و الاستعراضات امام الكاميرات في المنطقة الخضراء و بقايا قصور الدكتاتورية.
ان اكثر ما يثير السخرية و يجسد المأساة في الوضع العراقي، هوحديث النخب و القادة المنتخبون لتحمل المسؤوليات و قيادة البلد، يوميا و دون انقطاع، الحديث عن الوطن و الشعب والقيم و الاسلام و الديمقراطية، في الوقت الذي يشاهدون فيه الوطن يأن و الناس يذبحون و يشاهدون برك الدماء في الشوارع و يشاهدون ان الحياة الانسانية الطبيعية في البلد معطلة بما في الكلمة من معنى.
نعم انها لمأساة حقيقية ان لا يعي قادة البلد، بعد ثلاث سنوات قاسية، قل مثيلها في التاريخ، بان الوطن اليوم لم يعد بحاجة الى الحديث و البلاغة و البيانات و الخطب لتبرير الصراعات و المواقف، و انما يحتاج الى العقل و الواقعية و الارادة الوطنية الصادقة الطيبة و التضحية و العمل. فالعراق يحتاج الى ايقاف النزيف و العناية المركزة و ضمان الاستقرار قبل فوات الاوان.

ان الدرس البليغ الذي لا يريد قادتنا تعلمه و الاستفادة منه، يكمن في انهم في الواقع يقفون امام مسؤلية اخلاقية استثنائية، و انهم في مواجهة مهمة و طنية ضخمة و مصيرية، الا وهي اعادة تأسيس العراق كدولة عصرية على اسس و مباديْ جديدة و بأساليب حظارية. هذه المهمة التي هي في الواقع اكبر بكثير من مهمة الدفاع عن الطائفة او القومية او التكتل او الحزب او العشيرة فحسب.
ان ما جرى على الارض، و لا يزال، يثبت تماما ان قادة البلد يريدون تأسيس عراق جديد، ولكن، كل بشروطه و من منطلقاته الحزبية و انتماءاته الطائفية و القومية. انها الطريقة و الاسلوب الذي ادى و يؤدي الى المزيد من الاحتقان و التوتر و يهيْ الارضية اذا لم يتوقف للحرب الاهلية.
لا بد لقادة البلد ان يدركوا بان الطريق الى ضمان هذه المصالح الطائفية و القومية و الحزبية، والتي قد تكون مشروعة، هو التوافق في اطار مشروع وطني متكامل، يهدف الى بناء وطن حر امن مزدهر يتسع للجميع و يضمن الحقوق الاساسية للمواطن العراقي اينما كان و مهما كان انتمائه القومي و الديني و الطائفي و السياسي. هذا هو بالتأكيد الطريق الى اعادة بناء الوطن الواحد المشترك، وليس العكس.
فالانطلاق من مصالح الطائفة و من عدد الاصوات الطائفية، او الانطلاق من المصالح القومية و من عدد الاصوات القومية، و الدخول في مفاوضات هدفها ضمان هذه المصالح، من دون البحث عن ما هو اكبر و اهم و اشمل و جامع و ضامن للمعايشة الحرة الاخوية السلمية الدستورية بتكافؤ و مساواة، و من دون تحديد المصالح الوطنية المشتركة العليا واقرار الالية العملية الملائمة لمشاركة الجميع و تحمل المسؤوليات المشتركة لتحقيق المصالح المشتركة، لن يؤدي الا الى المزيد من التشتت و الانقسام و التخندق، والاهم من ذلك ان ذلك ادى و يؤدي، كما اثبتت الوقائع، الى خلق البيئة المناسبة لاستمرار العنف و الارهاب و الفساد و اليأس و التخلف.
للعراق ثروات هائلة، و للشعب طاقات كبيرة. لقد هدرت هذه الثروات و هذه الطاقات، و لا تزال، امام مرأى و مسمع المئات بل الالاف من القادة و المسؤلين، وهم يمارسون لعبتهم، التي يوصفوها بالعمية الديمقراطية.
ان مستقبل العراق، و مستقبل المشروع الوطني الديمقراطي الذي يمكن له ان يضمن مصالح الجميع، يتوقف اليوم بتقديري على مدى ارتقاء القادة و المسؤولين الى مسؤولية استثمار و استخدام ثروات الوطن و طاقات الشعب موحدة باتجاه واحد، في برنامج عمل للحكومة، من اجل بناء البيت الواحد و المستقبل المشترك، و من ثم لمواجهة اعداء الوطن و الشعب و هم كثيرون، يقف في المقدمة منهم الارهاب المنفلت، و يليه افة و مرض الطائفية و التعصب الديني و القومي و الميلشيات التي تجسدها، ويأتي بعد ذلك انتشار القيم المريضة المتمثلة في سرقة و نهب ثروات البلد و انتشار الفساد الاداري و الجريمة المنظمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا