الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من بنية المفارقة إلى اللامعقول .. (عودة الكومينداتور ..بائع القلق)

مرتضى هاتف بريهي

2018 / 12 / 27
الادب والفن


يبدو أنّ تخييب توقع القارئ، قد صار لازمةً من لوازم القصة القصيرة عند بعض الكتّاب، منذ وضع مفهوم "لحظة التنوير" التي تضيء المنسي في السرد السابق في خاتمة القصة؛ بغية إرباك القارئ وإثارة دهشته وإبهاره بنهاية غير متوقعة.

الدهشة والابهار اللذان لم يغفل أثرهما أرسطو في نشوء الفلسفة والتفلسف الدائم، فكيف بعالم القص الذي يتوخى فتنة القارئ وإمتاعه بأي لعبة كتابية حتى وإنْ كانت لعبة خداع وتضليل.

ولعلّ أنمار رحمة الله قد تقصد تخييب توقع القارئ في خواتيم مجموعته القصصية(عودة الكومينداتور)، عبر المفارقة التي انبنت عليها نصوصه فـ(العائد، وليلة ضاع فيها الرغيف، والعُراة، واللعنة، وهذا ما حدث في المقبرة، وأوراق متناثرة، وقتلتُ عصفوراً مرتين)، التي تمثل أغلب نصوص مجموعته في قسمها الأول، اعتمدت صدم القارئ ومفاجأته في نهايتها، إذ يتوقع القارئ نهاية اعتيادية وإذا به أمام حقيقة جديدة تبعث فيه متعة الخداع القصصي ، لكنها لم تكن كلها متقنة ومحكمة البناء، فقصة (ليلة ضاع فيها الرغيف) فيها ضعف يكسر نمط المفارقة؛ لأن الافتعال يبدو واضحاً في أحداثها، وكذلك يظهر الضعف في قصة (أوراق متناثرة)؛ لأن المتن الحكائي مألوف في الحكايات الشعبية، في حين تتجلى جمالية المفارقة في قصة (العُراة)، إذ يستدرج الكاتبُ القارئَ فيها لفخ مفارقة محكمة البناء.
أما في القسم الثانية من عودة الكومينداتور المعنون (قصص خطيرة جداً) فالتكثيف والاختزال يجعل من لعبة المفارقة أقل قدرة على خداع القارئ، وكذلك تجعل الكاتب يلجأ إلى الحكايات ذات الأحداث المألوفة ويعيد كتابتها بطريقة أخرى كما في قصص (حكاية الجندي المعلق، والطفلة والبحر، وطفل وجدار، أبي وأمي، والأغبياء، والمتصلص،وانظروا للتلفاز، والبراءة والقلادة) ، أو يتكئ الكاتب على تحويل مسار الأحداث وافتعالها كما في (اللوحة والرسام، وسارق الأطفال، والصياد والسمكة، ودعوني أغرد)، أو يعتمد على اللامعقول والخرافي كما (الصياد والسمكة، وفي تلك الليلة، والبائع المتجول، وجمهورية بلا معنى، وستبقى وحيداً)، مع اعتماد الأبعاد الرمزية في القسم الثاني.

وإذا علمنا أن عودة الكومينداتور هي المجموعة القصصية الأولى للكاتب، فلابدّ من الإشارة إلى إمكانيات الكاتب في الكتابة السردية بلغة بلاغية جمالية و فخمة ، من دون المبالغة في الشعرية، وتسيير أغلب أحداث قصصه من دون مبالغة أو افتعال كبير، واختيار متون حكائية مميزة ومقاربتها بشكل جيد.

أما مجموعة (بائع القلق)، فيبدو أن الكاتب يتورط فيها في اعتماد بنية المفارقة مرة أخرى مع محاولة لمقاربة اللامعقول، وبهذا فهو يقع ضحية النسق، النسق الذي قال عنه إميل سيوارن بأنّه اسوأ أشكال الاستبداد.1

وعلى الرغم من أن الكاتب يسعى إلى إضفاء البعد السحري على الواقعي في أحداث قصصه، بإبراز اللامعقول كجزء من الواقع،مع عدم إغفال قول هايدغر : إنّ ((النظر بطرف العين إلى اللاعقلي، بوصفه مخلوقاً مشوهاً، يقدم للعقلي الذي يتم التفكير فيه، خدمات غريبة))2، إلّا إن أنمار رحمة الله لم يوفق في ذلك؛ لأن حضور اللامعقول كان اعتباطياً من دون غاية واضحة كما في قصة (ثأر، وبرداً وفزعاً، وصوت الحملان).

ويبدو أن اعتماد الكاتب على تخييب توقع القارئ والمفارقة في مجموعة(بائع القلق) قد أفضى به إلى إشكاليتين : الأولى : نسقه المكشوف للقارئ الذي قرأ عودة الكومينداتور، وعدم دهشته وانبهاره من نهايات قصص مجموعته الثانية، أما الإشكالية الثانية: فتتمثل في تكرار الكاتب لنفسه، وفي افتعال الصدف والنهايات غير المتوافقة مع الأحداث، وعدم تنامي الأحداث بشكل مقنع للقارئ.

أما عن المتون الحكائية في (بائع القلق) فتبدو جيدة، وبعضها باردة يحاول الكاتب أن يبث فيها الروح و الدفء من دون جدوى، في حين أن السرد يبدو أقل إحكاماً من سرد (عودة الكومينداتور) من ناحية اعتماد اللغة الحكائية المباشرة وتغييب اللغة الشعرية، وكذلك يلحظ خلو المجموعة من البعد الفلسفي.

……………………

1- مثالب الولادة:146

2- أصل العمل الفني : 71
.
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي