الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسرائيل وكرة الصوف السوريّة

مرح البقاعي

2018 / 12 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


يلتقي الرئيسان ترامب وبوتين في "قمة باريس" بتاريخ الحادي عشر من نوفمبر الجاري، وعلى أجندة لقائهما مواضيع عديدة في مقدمتها تنافر نفوذي موسكو وواشنطن في سوريا، وكيفية التعامل مع المد الإيراني الذي تريد الولايات المتحدة إنهاءه هناك، في حين تتمترس موسكو في الضفة الإيرانية إذ تشكل طهران أحد أضلع مثلث الضامنين لمؤتمرات آستانا المحورية بالنسبة لترتيبات الميدان العسكرية كما تراها روسيا.
أما الانتخابات ‏الأميركية النصفية الأميركية والتي موعدها قبيل أيام من القمة، فستكون بلاريب مفصلاً أساساً في تحديد مسار التوافقات الأميركية مع موسكو فيما يتعلق بشؤون دولية عديدة وفي مقدمتها‏ الملف السوري الشديد التعقيد. وبغض النظر عن التحولات السياسية الممكنة في الداخل الأميركي إثر الإنتخابات المرتقبة، إلا أن ثوابت معينة في الملف السوري لا يمكن للطرفين، الروسي والأميركي، ‏التراجع عنها، لأنها مرتبطة بالقرارات الدولية، وغطاؤها الأمم المتحدة. ‏فلا رجعة عن تحقيق الانتقال السياسي وتهيئة الأجواء لكتابة دستور جديد لسوريا يضمن تحقيق ثوابت الثورة السورية ‏التي دفع الشعب السوري ثمنها غالياً جداً. لكن الخلاف يبقى قائماً في رؤية وقراءة واجتهادات كل طرف من الدولتين العظميين حول كيفية تنفيذ هذه القرارات ‏وفي مقدمتها القرار2254 وكذلك مبادئ وثيقة الرياض 2.
غير أن تنازلات معينة لابد أن تقوم بها موسكو من أجل الدفع بعملية عودة اللاجئين وإعادة الأعمار التي هي من أولوياتها، ‏ولا يمكنها تحقيقها إلا من خلال تقديم أفكار تتلاءم مع التوجّه الأميركي في حتمية تحقيق انتقال سياسي عادل، ودستور يتم ‏استفتاء الشعب السوري عليه في الداخل وفي دول الشتات. الولايات المتحدة متمسكة بموقفها مدعوماً بحلفائها العرب وفِي مقدمتهم المملكة العربية السعوديّة، وكذلك بحلفائها الأوروبيين، وبقرارات الأمم المتحدة. وقد استبق المبعوث الأميركي إلى سوريا، السفير جيمس جيفري، القمة المرتقبة، وأعلن في لقائه مع الصحافة في السفارة الأميركية بالعاصمة الفرنسية عن الأهداف الثلاثة لبلاده في سوريا والتي تتمثّل في القضاء على تنظيم داعش، وإخراج القوات الإيرانية والميليشيات التي تدعمها من الأراضي السورية، وتمكين عملية سياسية تقوم على أساس القرار الدولي 2254، مشيراً إلى أن التصدي لإيران سيكون سياسياً وليس عسكرياً، داعياً إلى خروج القوات الأجنبية كافة من سوريا ابتداء بالقوات الروسية.
فهل يمكن أن تتراجع إيران عن مواقعها التي حبكت خيوطها بالدم والنار على امتداد عقود خلت تعود إلى عهد حافظ الأسد، ولو أن تغلغلها في المجتمع السوري في تلك الحقبة كان يتخذ صبغة اجتماعية ودينية سياسية قبل أن يتحول في عهد الابن بشار الأسد إلى توغّل وتغوّل عسكريين طائفيين في البلاد؟ أم أن التراجع التكتيكي سيأتي من طرف الولايات المتحدة ولاسيما إثر إعلان واشنطن اليوم عن إعفاء ثماني دول من حزمة العقوبات الجديدة على إيران، والتي بدأ تطبيقها فعلياٌ في الخامس من نوفمبر الجاري؟ وما طبيعة العلاقات البينية -غير المنظورة- بين أطراف هذا الثالوث النافذ على الأراضي السورية: الولايات المتحدة وروسيا وإيران؟
من نافلة القول أن هذا الثالوث المتموضع في سوريا، عسكرياً وسياسياً، كل بحسب طريقته ومصالحه، إنما يترابط بخيوط واهية كخيوط العنكبوت، خيوط قائمة لكنها قابلة للزوال عند أية هزة سياسية أو مفترق ميداني. فموسكو ترى في وجود قواتها في سوريا شرعية مكتسبة من طلب رسمي مباشر قدمته الحكومة القائمة في دمشق للكرملين داعية الجيش الروسي للتدخل. بل ويستغرب القياديين في موسكو من طلب الولايات المتحدة الصريح بخروج القوات الروسية من كافة الأراضي السورية في الوقت الذي تعوّل واشنطن على القوات الروسية عينها العمل على إخراج الميليشيات الإيرانية من البلد!
أما إيران المحاصرة بالعقوبات الأميركية الصارمة فتجد منافذها في الموقف الاوروبي من الاتفاق النووي الداعم لاستمراره، وكذا في النفوذ السياسي لأنصارها في العراق ولبنان الذي يشكّل كمّاشة موضعية للقوات الأميركية المتواجدة في شرق الفرات ومنطقة التنف في الجنوب، بل وحصاراً جيوسياسياُ محبطاً للخطط الأميركية البعيدة المدى في سوريا خاصة والمنطقة بعامة.
فصل المقال يكمن في فوضى تشابك خيوط "كرة الصوف" تلك. وقد وصف لي أحد الجنرالات في الجيش الأميركي الحالة السورية بأنها أقرب إلى ما يطلقون عليه هنا في أميركا Gordian Knot! وهنا يبقى الطريق الوحيد المفتوح في الأجواء السورية، ودونما استعصاءات أو موانع تذكر، للطيران الاسرائيلي الذي يبدو أنه يحمل الوكالة الحصرية الآن لضرب المتشآت ومراكز الميليشيات الإيرانية في سوريا إثر القرار الأميركي الواضح بعدم التعامل معها عسكرياً بل سياسياً، وفِي مرحلة تحمل فيها موسكو العصى من المنتصف في علاقاتها مع الدول النافذة كافة بما فيها تركيا، تحقيقاً لمآرب متعاظمة قد تعادل زمن استئجارها للأرض الساحلية السورية التي تقع عليها قواعدها لمدة 49 عاماً قابلة للتمديد.
من هنا تأتي أهمية قمة باريس في حلحلة خيوط كرة الصوف قليلاً بما يعزز الموقف "الغربي" الداعم لانتقال سياسي في سوريا كشرط وفرض عين لمساهمتها في إعادة الإعمار، مقابل موقف "شرقي" (إن جاز التعبير في هذا السياق) متعنت، أرعن، ومعطّل (بكسر الطاء) باصطفافه لجانب نظام سوري بائد هو إلى زوال.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح