الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوسطية النقدية بين المنهج والإجراء ( رؤية انفتاحية )

محمد رحيم مسلم

2018 / 12 / 28
الادب والفن


الوسطية النقدية بين المنهج والإجراء
رؤية انفتاحية
محمد رحيم مسلم

يُقدم النقد العراقي في مجمل مقولاته النقدية ، إمكانيةً تُعطي صورة واضحة من الإجراءات والآليات التي يعتمدها في البحث النقدي ، وهذا يمكن أن نُسميه التطور النقدي ، أو التحولات النقدية ، وهي تعطي المسوغات للاشتغال بالمناهج النقدية الحديثة . وقد أعطى النقد العراقي في مرحلة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي أفقاً واسعاً نحو الانتقال من الرؤية الانطباعية التي حفلت بها كتابات كثير من النقاد ، إلى النصي أو المناهج النصية .
وبصورة عامة فان المناهج السياقية قد أخذت حصتها من الزمن وبدأ تداولها النقدي يقل شيئاً فشيئاً ، وبالأخص في أواسط الثمانينات ، وأصبحت جزءاً من الذاكرة النقدية(1)
لم تكن المناهج النصية إلا إيذاناً ببداية جديدة في الوعي النقدي والفهم الجديد للآليات والمصطلحات النقدية ، كما أن تعامل النقاد في تلك المرحلة مع المنهج ومصطلحاته وآلياته لم يكن واضحاً ، كما حدث مع المناهج النصية ، التي نظر أصحابها للمناهج أكثر مما نظّروا له ، ويؤكد الناقد فاضل ثامر قائلاً : (( لم أكن أمتلك إلا فهماً أولياً لمعنى المنهج في النقد ، على الرغم من أني كنت أزعم لنفسي وللآخرين بأني كنت أمتلك فهماً واضحاً وعريضاً لمعنى المنهج وكنت آخذ على النقاد أو بعضهم مسألة غياب المنهج النقدي الواضح ))(2)
ولقد أصبح فهم النص الإبداعي وإجراءات المنهج النقدي مختلفة لدى نقاد المناهج النصية ، وينسحب الحديث عن التعامل النقدي إلى المرحلة النقدية التي اتسمت بشئ من الوسطية في حوار الناقد مع النص ، إذ أن أي تطور معرفي وثقافي يمر بمرحلة وسطية تمثل نقطةً أولى نحو التشكلات الإبداعية ، وهذه المرحلة مثلت جزءاً مهماً من التحولات المنهجية في الجهد النقدي العراقي .
لا تمتلك هذه المرحلة الوسطية في مقولات النقاد العراقيين بمجملها رؤى أنطباعية خالصة ، في وقت برزت فيه المناهج النصية ، بل خالطتها بعض الدراسات ، التي حفلت بالموضوعات والإجراءات النصية في حقبة التسعينات ؛ لان الابتعاد عن النقد الذاتي أصبح من متطلبات البحث النقدي ، بحيث أصبح البحث متلمساً للمنهج التكاملي الذي يضم بين جنباته أكثر من منهج نقدي .
ودراسة الناقد الدكتور فهد محسن فرحان الموسومة ( الشعر الحديث في البصرة 1947-1995) بالرغم من كونها دراسة فنية إلا أن في ثناياها ما يدعو للتأمل في البحث النقدي ، حيث يشير الناقد إلى منهجه النصي في المقام الأول ، الذي ينظر إلى كل مظاهر القصيدة وليس إلى مظهر واحد . يقول : (( فإن المنهج قد لبى الاشتراطات الآتية :
البقاء في أطار النص وليس مجرداً عنه . تغليب طابع معالجة الأسلوب والبنية على طابع معالجة الموضوع ، الاعتماد على جملة من المناهج مثل البنيوية والنصانية والجمالية ، وهي بمجملها مناهج تؤكد على استقلال الوظيفة الجمالية بوصفها تترك أثراً شعرياً لا معنى ، وهو ما يتمخض – عادة – عن فاعلية مظاهر القصيدة المتعددة ))( 3) وأمام هذا الالتزام المنهجي نلاحظ أن الدكتور الناقد يفرد ثلاثة فصول على مستويات الصوت والإفراد والتركيب ، وهو يعالجها في إطار نصي/ فني ، بغية الابتعاد عن التطبيق الحرفي للمنهج المتبع في البحث .
يناقش الناقد بناء القصيدة وتركيبها ( الإفرادي ) أو بحسب ما يسميه بـــ ( المظهر الإفرادي ) ، أمام اعتماد الشعر على نبض المفردة / الكلمة ولما فيها من أستكناه للعملية الإبداعية الشعرية . ففي دراسته للمفردة اللونية يقدم الناقد رؤية نصية ، في مقاطع شعرية لحامد البصري وعبد الرزاق حسين ومجبل المالكي ، يقول فيها : (( أن المفردات المستنبطة من الفضاء المكاني ، وهي ( الشط ، الماء ، غاب السياب..) كانت بأمس الحاجة إلى الشاعر الرسام ليجعل منها رؤية لونية متفاعلة بدلاً من بقائها مجرد عناصر لونية مستقلة ، إذ أن المهم هو التحويلة اللونية التي يجريها الشاعر على صورة الماء تبعاً للإحساس ، ليتخذ – بعد ذلك- اللون مكانة ضمن حالة التجلي الشعري ))(4).
إن تناول الناقد للمظهر الإفرادي ، في سياقه الثقافي والمعرفي والاجتماعي ، يمكّن له من الابتعاد عن أسر المنهج النصي بكل معانيه ، ومحاولة فهم المنهج النقدي فهماً واعياً بعيداً عن كونه تطبيقات نقدية ، وكل ذلك يجعل وضع المفردة مع السياق ، وارتباطها بالرؤية ، والوحدة التكوينية للنص اللوني ، وتحويل المفردة داخل التجربة والتقابلية الثنائية للفضاء المكاني ، تشكلاتٌ نصية مكنّته من اعتماد الرؤية النصية / الفنية في معالجة النصوص ضمن اللغة الوسطية .
ويقدم في لغة الشاعر مصطفى عبد الله رؤية في سكونية البحر التي تعني انعدام الحركة ( لم يتحرك فوق البحر هواء ) وهو يقول في ذلك : (( إنها محاولة من محاولات أنسنة الطبيعة ، فهي تمثل إخضاع الخارج البحر) للداخل ( أعماق البحر) ولهذا جاء المقطع فاقداً لونيته ))(5).
يبدو أن توجه النقد في هذه المرحلة نحو النصانية مع بقاء بعض الدراسات كما أسلفت على الانطباعية كرؤية نقدية ، وإمكانية تحول الإجراءات والآليات النقدية إلى الوسطية دون الخوض في متاهات البنيوية وما بعد الحداثة ، ما هو إلا محاولة لوضع حد لاستبدادية مفاهيم تقليدية مثل الموضوعية أو حدة الشكل والمضمون والعضوية (( ولنسفها من الداخل بغية إبراز محدوديتها الإجرائية والتوليدية )) (6)
فما عمله معظم الذين كتبوا في هذه المرحلة هو قراءة جديدة للوعي النقدي – ومنهم الناقد فهد محسن – الذي يقرأ قصيدة الشاعر محمد طالب ( مقتطفات من ميناء منسي ) في ضوء منهج نصي يعتمد فيه البنية التكرارية التي تُشكّل عنصرَ تأكيدٍ على مدلول الكلمة ، وأمام رمزية الماء/ الخصب ، وانتماء المفردة ، يقول الناقد : (( من خلال استقراء ثيمات القصيدة ، نتوصل الى ان الرؤية الثنائية المتضادة ( جدب / خصب) او (ماء/ صحراء) التي تحفل بها القصيدة عبر مكونيها البنيويين المتمثلين بحركتي الإقصاء والاستبطان ، هي التي تتحكم بها ، الا أن هاتين الحركتين غير متعادلتين ، لان خيال المتلقي بإمكانه إدراك تغليب الحركة الاستبطانية على الحركة الاقصائية عبر تفحص فاعليتهما الشعرية داخل القصيدة ))(7).
ولو تفحصنا المعجم الاصطلاحي النقدي لهذه الفترة من النقد العراقي لوجدنا أن النقاد حرصوا على إستخدام ما يوسّع الرؤية النقدية من مصطلحات وإجراءات ، وابتعدوا عن محدودية الانطباعية والذاتية ، وهذا في حد ذاته تابع للتحولات المعرفية والثقافية التي لاحت النقد العراقي فترة التسعينيات ، ولا شك أن أغلب الجهود النقدية في هذه الفترة ، ما كان منها أكاديمياً وغيره ، قد عملت – وأخص بالذكر دراسة الدكتور فهد محسن – على التنظير وإضفاء الوضوح على إجراءاتها في تحليل النصوص الشعرية (8) ، وذلك الوعي لم يكن إلا بتفحصهم الدؤوب للمناهج النقدية ، ولعل هذه الفترة التسعينية النقدية تعد في طليعة التأسيس لنقد فني إبداعي .
أيضاً يناقش الناقد مفصلاً مهماً في بحثه الأكاديمي ، وهو ( عنوان القصيدة ) ، ومن المعروف أن ذلك لم يكن مسلطاً عليه الضوء في مجمل الدراسات النقدية ، فيعمد إلى الوعي بنواة القصيدة ( العنوان ) والتراكيب الإفرادية التي يتشكل منها العنوان ، واقتران ذلك بالمدلول الواقعي ، إذ يرى – تكملة في قصيدة محمد طالب – (( أن نواة القصيدة ( النيات) قد شملتها الحركة الإقصائية أي الإحالة خارج المكان الأليف ؛ ولذا فهما يعيشان في الأزقّة الضيقة ، مما يجعل الرؤية المتضادة تتمظهر في ثنائية جديدة منبثقة عن الأصل ( مغلق / مفتوح ))(9).
فالمفردة اللونية في رؤية الناقد ، بكل مدلولاتها المقترنة بالطبيعة ، شكلت مآل القصيدة عبر الحركة الثانية ( الاستبطانية )(10).
والملاحظ أن منهجية النص في هذه الدراسة ، لها إمكانية لقراءة المفردة الشعرية للعنوان وللقصيدة من مستويين : حركة أولى خارجية / ظاهرية ، وحركة ثانية باطنية ، وكل ذلك هو ما يمثل عمق ارتباط الشاعر بالطبيعة .
إن المنهج الإجرائي في الرؤية النقدية الوسطية ، لم يكن ليجتزئ تركيباً لغوياً ما ، من القصيدة بكاملها ، بقدر ما ينظر إلى السياق العام نظرة منهجية / إجرائية . فحين يقدم الدكتور فهد محسن رؤيته في ( الصورة المفردة ) يبحث ذلك من خلال الإطار وما أُستخدم فيه الشاعر من كلمات من معجمها اللغوي ، والبؤرة في كلمات المجاز عبر دلالة المفارقة . ففي بعض نصوص ( سعدي يوسف) من الصور المفردة التي تُصرّح باللون ، ما يمّكن الناقد من طرح منهجيته برتابة معهودة ، حينما يقول عن الصورة القائمة على الاستعارة أنها (( تشي بقدرة المخيلة الشاعرة وتمكنها ، إذ تمتزج فيها أركان الصورة وتتحد جزئياتها ، ولعل الإبهام الذي تراه في بعض هذه الصور مرده إلى استخدام بعض الوسائل البنائية كالتشخيص – مثلا- وذلك في صورة الشاعر ( سعدي يوسف) ( يشرب الليل جداولاً سوداء) .. ومما يمكن عدّه قريباً من التشخيص – أيضاً – ما جاء في صورة الشاعر ( مصطفى عبد الله ) ( صارت أوراقي سوداء ) بفعل إضفاء قدرة التحول والصيرورة على الاوراق من خلال الفعل الناقص ( صارت) وأن هذه الصور على الرغم من كونها تدور حول فكرة واحدة أو تريد قول الشئ نفسه عبر مدلول لوني واحد يرمز للخيبة ..)(11).
في ظل تلك الرؤية النصية ، نلاحظ أن جملة الدراسات النقدية ومنها دراسة الدكتور فهد محسن ، قد ابتعدت عن حرفية التطبيق للمناهج الحديثة وهذا ما يشكل نوعاً من الحماية في التعامل مع النصوص لأنها وبحسب تعبير الناقد (( تبعد البحث عن المعالجة المسبقة التي تحول دون لذة الكشف الفني )) (12) ، إذن هذا ما يحيلنا إلى عدّ هذه الدراسة محاولة في الوعي المنهجي الحذر ، من الوقوع في تقليدية الدراسات والإجراءات الانطباعية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نابر سعودية وخليجية وعربية كرمت الأمير الشاعر بدر بن عبد الم


.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24




.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو