الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هدف الديموقراطية في سوريا أمريكياً وأوروبياً وسورياً 3

علي الشهابي

2006 / 4 / 15
العولمة وتطورات العالم المعاصر


الهدف الأوروبي:
للأوروبيين مصالح في منطقتنا بدأت تتبلور بشكل رئيسي مع بداية تبلور الاتحاد الأوروبي، فقد ساروا على طريق رعاية النظام السوري حتى قبل مجئ الرئيس بشار، لتأخذ مدىً أوسع بعده. فقبل توقيع اتفاقية الشراكة، ومنذ العام 1996، بادر الاتحاد الأوروبي إلى إقامة مركز الأعمال السوري ـ الأوروبي لمساعدة الصناعة السورية على تحسين مواصفاتها لتتمكن من دخول أسواقه. وسعى إلى تنشيط الاقتصاد السوري بإعفاء بعض منتوجاته الداخلة إليه من الرسوم الجمركية. كما عمد إلى تقديم المساعدات المالية والخبرات الضرورية لمساعدة السلطة السورية في الإصلاح المزمع، فنراه يقدم بين العامين 2002 و2004 ثلاثة وتسعين مليون يورو دعماً للتحديث الصناعي والتعليم، هذين القطاعين اللذين بتفعيل الإصلاح فيهما تتم أولى خطوات الإصلاح الاقتصادي وإرساء الشروط الاجتماعية التي سيقوم عليها. كما تم الاتفاق أيضاً على تقديم 80 مليون يورو خلال العامين 2005 و 2006، منها فقط 18 مليون مشروطة بتوقيع اتفاقية الشراكة، علماً بأن هذه المبالغ هي التي طالب بها الجانب السوري أثناء الحوار بين الجانبين.

لكن السلطة السورية العاجزة عن الإصلاح بحكم كونها سلطة، لم توفر للمجتمع المناخ الملائم للإصلاح ليشرع به أصحاب المصلحة به، فهو يتطلب خطوات سياسية باتجاه الديموقراطية السياسية. لكنها بدل هذه الخطوات، حاولت الإصلاح بمجرد إجراءات إدارية كانت نتيجتها تعثر الإصلاح وهو يحبو، وهذا ما أزعج الأوروبيين. أزعجهم أن يروه يحبو بدل أن يمشي، في الوقت المطلوب فيه أن يعدو. فالمثل يقول مجنون يتكلم وعاقل يسمع: إذا كانت اتفاقية الشراكة تنص على جعل سوريا والاتحاد الأوروبي منطقة تجارة حرة بحلول العام 2010، فكيف ستتفعّل عملياً دون إصلاح شامل عندنا؟ أي سلعة أوروبية سيشتريها المواطن عندنا طالما ظل متوسط دخله بحدود خمسين يورو شهرياً؟ وأي سلع سنطرحها في الأسواق الأوروبية تدفعهم لشرائها في ظل الوضع المزري للصناعة السورية؟ ليس هذا ما أزعجهم فحسب، بل هناك ما هو أمر وأدهى. فالسلطة عندنا، وهي تحاول امتصاص ضغط الولايات المتحدة عليها، حاولت مغازلتها بعرضها ترتيبات أمنية عليها. وكمحاولة لإغرائها بانتهاج هذا النهج، قامت بتقديم عقود النفط والغاز لشركاتها.

هذه الأمور أوصلت الأوروبيين إلى التيقن من أن النظام السوري، بسلوكه العملي، لا يأبه بهم البتة. فبإدراكه لتناقض مصالحهم ومصالح الأمريكيين في المنطقة، يحاول الاستفادة من هذا التناقض لمصلحته. يريد منهم الدعم السياسي في وجه الأمريكيين، وعينه على إرضائهم على حسابهم. فكل مواقف الأوروبيين السياسية وغير السياسية، التي تخدم المنطقة ككل وسوريا من ضمنها، بدت لهم وكأنها لا تعني شيئاً للنظام السوري، طالما أنه يراهم يقفونها لمصالحهم. ولهذا أرادوا تلقينه درساً، طالما أنهم رأوه لا يحترم إلا مصالح الأقوى. فهندسوا له القرار 1559. وكان هذا القرار درساً بالمعنى الفعلي، لا المجازي، لأن التعلم ليس حفظ معلومة بل أثراً ينعكس في السلوك. وسينعكس أثر هذا الدرس في سلوك النظام عما قريب، طالما أنه بات أمام خيار من اثنين:

· إما أن يظل أعجز من توفير حدود دنيا من الحرية السياسية تدفع بعض قطاعات المجتمع نحو مباشرة الإصلاح، لتتطور بالتالي مجريات الأمور داخل الاتحاد الأوروبي باتجاه التوافق مع الأمريكيين.
وهذا الاحتمال غير مستبعد لأن بعض التيارات داخل ألمانيا وفرنسا بدأت بتخطئة الموقف الرسمي لحكومتيهما من غزو العراق، لأنه بالنتيجة حرم شركاتهما من أي نصيب في عقود إعادة إعماره. ونفس الموقف يمكن سحبه على منطقتنا ككل إن تأخر الإصلاح فيها. فعدم الإصلاح سيعزز هذا الاتجاه الداعي إلى التوافق مع الأمريكيين، لأنه سيعني أن المراهنة على تحقيق مصالحهم عندنا بمناقضة الأمريكيين مجرد وهم. هذا التباين بين الموقفين الأوروبيين يؤشر إلى أمر مهم على صعيد العلاقة بين الأوروبيين والأمريكيين: كلما نجحت الولايات المتحدة في تحقيق الاستقرار في العراق، كلما اضطر الأوروبيون للرضوخ لسياسة الأمر الواقع الأمريكية والعكس. وكلما تأخر مسار المنطقة نحو الديموقراطية، كلما تعززت التيارات الأوروبية المطالبة بالتوحد مع الموقف الأمريكي والعكس.

· أو أن ينتهج النهج المعاكس الذي يفتح الباب أمام الشروع بالإصلاح، وعلينا مساعدته في ذلك بالضغط عليه مستويين. أولاً عبر مباشرة القطاعات المهنية، مهندسين وأطباء ومحامين وقضاة ومدرسي الجامعة وطلابها والعاملين في شتى الوزارات والمؤسسات، بتشكيل منظمات غير سياسية تبدأ العمل بالإصلاح ضمن القوانين النافذة. وثانياً عبر مباشرة السياسيين العمل على تشكيل حزب يبدأ عبر الدعاوة بالتمييز بين نهجي الولايات المتحدة والأوروبيين وحقيقة الديموقراطية الأمريكية وتناقضها مع الديموقراطية التي نطمح إليها، ريثما يستكمل دراسته العيانية لحقيقة الإجراءات الواجب تنفيذها في سوريا لتتطور بالاتجاه المرغوب. وأعتقد أن إطلاق حملة "الدين لله وسوريا للجميع" يمكن أن يكون أساساً صالحاً لهذا المشروع. وهذان الموضوعان يحتاجان تفصيلاً لاحقاً بكل تأكيد.

فهدف الأوروبيين من القرار المذكور (عدا عن إخراجه من لبنان الذي كان ينبغي أن يتم منذ زمن) الضغط عليه لوضع حد لتسويفه بالإصلاح الذي لا تدور عجلته إلا بتوفير المناخ السياسي له. فهذا القرار كان درساً ليس إلا، لأنهم مازالوا يدعمون الإصلاح كسابق عهدهم. ففي بداية كانون الأول من العام 2004، أي بعد صدور القرار المذكور، قاموا بتقديم 47 مليون يورو إلى وزارة المالية لتحديث هياكلها وسياساتها وإمكاناتها وقدرات كوادرها، كما قاموا في منتصف أيار 2005 بتقديم 30 مليون يورو لتحديث القطاع الطبي. هذا ما يفعله الأوروبيون لأنهم حريصون على الديموقراطية، ولهذا يتعاملون معها بطريقة تفضي إليها عبر تعاملهم مع النظام السوري بالجزرة والعصا.

إذ برغم الحاجة السياسية الماسة للنظام لتوقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، لم يشترط عليه الأخير أي خطوات ملموسة باتجاه الديموقراطية السياسية، أو حتى تحسين سجل حقوق الإنسان قبل التوقيع بالأحرف الأولى. لماذا؟ ألأنه يعتبر هذه الأمور من النوافل؟ طبعاً لا. لكنه لا يريد أن يبدو كمن يدافع عن حقوق الشعب السوري في وجه سلطته، التي من المفترض أنها أحرص منه عليها. فهذا الشرط، لو تم، لا يخدم عملية الديموقراطية والسلم الأهلي في سوريا، لأنه سيعني للقاصي والداني أن الاتحاد الأوروبي غير مستعد لدعم النظام السوري إلا إذا تعامل مع شعبه بإنسانية، مما يضمر أن شعبه رهينة عنده.

لكن الاتحاد الأوروبي كان يأمل أن يبادر النظام باتخاذ هذه الخطوة من تلقاء ذاته، ليكون محط احترام شعبه أولاً والمجتمع الدولي ثانياً. ومازال يحدوه هذا الأمل على أعتاب التوقيع النهائي على الاتفاقية. وعلى أساس هذا الأمل، وفي سياقه، أكدت فيرونيكا دو كايسر، المقررة البرلمانية لاتفاقية الشراكة السورية ـ الأوروبية في البرلمان الأوروبي، بأن الشرط الوحيد للتوقيع النهائي على الاتفاقية مرتبط فقط بالانسحاب السوري من لبنان. ورفضت بدبلوماسية شديدة اعتبار التقدم في ملف حقوق الإنسان شرطاً للتوقيع، بل اكتفت بالإشارة إلى أن هذا الملف جزء من الاتفاقية. (أخبار الشرق ـ 11 نيسان 2005).

كل هذا يعني أن الأوروبيين مازالوا بعيدين عن تسليم سوريا للأمريكيين، والقرار 1559 ليس إقراراً بهذا التسليم قط. فهو، بشقه السوري، يطالب بخروج الجيش من لبنان، لكنه لا يفوض الإدارة الأمريكية بقيادة حملة دولية لإسقاط النظام السوري. فمثل هذا التفويض تفويض لها برسم المنطقة بما يحقق مصالحها بذريعة إسقاطه، وهذا ضد مصلحة الأوروبيين. ولأن هذا التفويض لم يتم، وبرغم كل تهديداتها للنظام السوري، فالولايات المتحدة أبعد ما تكون عن غزو سوريا، لأن موازنتها بين إيجابيات الغزو وسلبياته ستجعلها حكماً تحجم عن فكرته للأسباب التالية:

1ـ إن أثر موقف النظام السوري في فاعلية المقاومة العراقية ليس بالقدر الذي تصوره الإدارة الأمريكية، فهي تبالغ كثيراً بتحميله المسؤولية عن مقتل 700 جندي أمريكي. ومن جهة أخرى فإن زيادة تجاوبه مع الترتيبات الأمنية التي تطالبه بها يحد من فاعلية موقفه أكثر فأكثر.

2ـ سيقف الأوروبيون ضد هذا الغزو بقوة طالما أنهم لم يصلوا إلى مرحلة التخلي عن سوريا ولبنان، وبالتالي المنطقة ككل، إلى الولايات المتحدة.

3ـ والأهم من هذا وذاك، أن الولايات المتحدة ليس من مصلحتها زيادة مأزقها في العراق بفتح الساحة السورية عليه. وتوكيل إسرائيل بهذا الموضوع لا يغير شيئاً، إن لم يزده تأزماً. فالهجوم الإسرائيلي سيفتح الساحة اللبنانية حكماً، أما الأمريكي فسيدفع حزب الله إلى الهروب إلى الأمام، إلى المبادرة بمهاجمة إسرائيل قبل يطبق عليه فكا الكماشة.

( يتبع هدفنا)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -