الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية بين الكبت (والانجلاق)

علي طه النوباني

2018 / 12 / 29
حقوق الانسان



شاهدت برنامجاً وثائقياً عن الكيفية التي تواجه فيها المجتمعات الغربية الفردانية التي نتجت عن التطور التكنولوجي الباهر الذي وصلوا إليه، والذي نتج عنه ظهور وظائف جديدة تعمل على الحد من آثار الفردانية كالمدربين والأخصائيين النفسيين ومصممي البرامج المدرسية وغير المدرسية للبالغين وغير البالغين؛ لإخراج الإنسان من عزلته القاتلة، وإكسابه مهارة حرية التعبير، وتفجير ما في جوفه من أفكار ومشاعر وأحزان وخيبات وأحلام لكي يستطيع أن يتوازن وينجح في الحياه.
كل مدرب ابتدع طريقة مختلفة عن الآخر لمساعدة الناس على اقتحام مصاعب الحياة وتكرار المحاولة حتى أن واحدا من المدربين نفذ جلسات يوغا لمتدربيه وهم عارون من الملابس تماماً بهدف كسر حواجز الخجل التي تمنع كل واحد منهم من البوح بما في داخله من المشاعر والأفكار المتنوعة من الأبيض إلى الأسود.
يحدث هذا في البلدان التي وصلت إلى الدولة الحديثة؛ دولة القانون والمؤسسات لأن تماسك الإنسان وتفاعله مع المجتمع هو رأسمالها الحقيقي، ويحدث عكسه تماما في البلدان التي ما زالت ترفض فكرة القانون والمؤسسات، وتبني دولة أشبه بالمافيا، قوامها الأساسي هو كبت حرية التعبير، ومنع الإنسان من التجمع مع أخيه الإنسان إلا من خلال الشكل الذي قامت المافيا بتصميمه مسبقاً ليكون خانقاً لحرية التعبير والتفكير والإبداع، فكلُّ فئةٍ أو طائفة ممنوعة من الحديث عن الدين لكي لا تجرح مشاعر الطوائف الأخرى، وكل فئة ممنوعة من الحديث عن الجنس لكي لا تخدش ما يسمى بالحياء العام، وكل فئة ممنوعة طبعاً من الحديث عن السياسة لكي لا تعري الأسياد الذين يستأثرون بالسلطة والثروة، وكلّ فردٍ حكماً ممنوع من الحديث عن معاناته النفسية لأنها تخدش رجولته وفحولته التي لم يبق منها غالباً سوى التمثيل والخداع، وهكذا يصبح اللسان أداة للتزوير والكذب والنفاق وليس آلة خلاقة تمحص الأشياء لفهمها وخلق الجديد والمبدع.
شاهدت في البرنامج الأطفال والشباب والرجال الأستراليين وهم يبوحون بما لديهم من أفكار في جلسات مفتوحة مع زملائهم ومع مدربين مختصين، يتحدثون عن الجنس والمخدرات والإيمان والإلحاد والصحة والمرض وكل شيء دون تحفظ، ولم يمت المشاهدون أو المشاركون لأن حياءهم قد انخدش، أو لأن إيمانهم قد انجرح، وفي المحصلة ها هم يبنون واحداً من أنشط الاقتصادات نموا في العالم يبنون بلادهم ويصدرون اللحم والبرسيم لبلاد الصمت المطبق.
ذكرني هذا بكلمة في اللهجة المحلية الأردنية هي كلمة " انجلق" والتي تعني انطلق بعد صمت وأفرغ كل ما لديه من حديث إلى درجة الإسفاف. والجلق في الفصحى هو صوت الضحك الشديد، وقد انبثقت هذه الكلمة من وعي عام تشكل لدى الناس يجعل الإنسان متحفظاً دائما، خائفا من التعبير عما يجول في نفسه، لأن المجتمع والدولة يوحون له دائماً بأنه الأقل، وأنه لا يمكن أن يقدّم جديداً للناس والحياه.
لذا فإنني أتمنى على الناس أن (ينجلقوا) جميعا للتعبير الحر الذي يمكن أن يمنحنا فرصة للحاق بالبشر، وأنْ يمنحوا للإنسان الثقة التي يمكن أن تصنع شخصيته المنتجة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا تاريخيا بأحق


.. صفعته وعنفته.. معلمة أردنية تثير غضبا واسعا بعد إساءتها لطفل




.. قرار تاريخي.. الجمعية العامة في الأمم المتحدة تصوت لصالح منح


.. الأونروا تغلق مكاتبها في القدس بعدما حاول -متطرفون إسرائيليو




.. مندوب دولة الإمارات لدى الأمم المتحدة: من حق فلسطين العضوية