الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريمة في ستراسبورغ -1-

علي دريوسي

2019 / 1 / 2
الادب والفن


مساء الخير للقُرَّاء في كل مكان من العالم.
أخيراً قرَّرتُ أن أروي قصتي علانية ولو جاءت متأخرة بعض الشيء، في هذه اللحظات أكتب لكم باللغة الفرنسية ما حدث معي قبل أربعة عقود من الزمن، وكلي ثقة بأنَّ قصتي هذه ستُترجَم مساء ما بعد الغد على أبعد تقدير إلى لغات أجنبية عدة، وبسرعة البرق سيتلقَّفها عبر وسائط التواصل الاجتماعي عشرات الآلاف من القُرَّاء المنبوذين المعزولين في أنحاء العالم، سيتداولونها فيما بينهم لا لأنها كُتبت بطريقة أدبية احترافية أو لأن الفكرة فريدة من نوعها بل لأنها ربما كُتبت بأسلوب تشويقي إلهائي وصادق، سيقرأونها لإرواء فضولهم وتسكير ثغرات ضجرهم والتنفيس عن مشاعرهم السلبية وتزجية الأيام الثلاثة المتبقية على نهاية هذه السنة التي لا تختلف عن غيرها من السنين بشيء يستحق الاحتفال على الأقل بالنسبة لي ولهم.

أيها المواطن العالمي إذا كنت الآن تقرأ هذه القصة بالعربية أو الكردية أو السريانية أو التركية على سبيل المثال فاعلم أنَّه لم تمض على ترجمتها من الفرنسية إلى لغتك الأم أكثر من بضع ساعات. لن أطيل عليكم بهذه المقدمة المملة، سأدخل إلى قاعة الكتابة عن قصتي من بابها الذي لم يعد موصداً بوجهي كما كان بحكم العدالة والقانون الجنائي بل صار مفتوحاً على مصراعيه بحكم تقادم القضية وموتها السريري، سأدخل حالاً وسأدخلكم معي على الفور في تفاصيل حكايتي المروعة والتي غيَّرت مجرى حياتي بأكمله.

اسمي الحقيقي يعقوب وكنت فيما مضى شاباً قوياً، وسيماً وطموحاً إلى أبعد الحدود وكنت أنانياً، غادرت بلدي في العشرين من عمري، واستقر بي المقام في مدينة ستراسبورغ على الحدود الألمانية الفرنسية، كان أول ما فعلته هناك هو أني بدَّلت اسمي من يعقوب إلى ياكوب، حلقت شاربي، صبغت شعري العربي الأسود إلى اللون الفرنسي الأشقر، ابتعدت عن الأوساط العربية، تعلمت لغتين بشكل جيد، الألمانية والفرنسية، بالإضافة إلى إلمامي بالإنكليزية.

درست في جامعة ستراسبورغ علوم الاقتصاد، حصلت على شهادة البكالوريوس بدرجة جيد جداً، وكان الأستاذ المشرف على مشروع تخرجي، الذي عالجت فيه موضوعة الاختلاس في الأحزاب السياسية العربية، متحمساً جداً لأفكاري ويقظتي الأكاديمية، حتى أنه شجّعني لدراسة الماجستير تحت إشرافه وساعدني في الحصول على منحة دراسية لمدة سنتين.

في مرحلة الماجستير عمّقت دراستي باختصاص إدارة الاحتيال، وهنا لا أقصد فقط أنني درست وفهمت المنهاج الأكاديمي الإلزامي لشهادة الماجستير، بل رحت أدرس كل ما كُتب في هذا المجال حول جملة التدابير للوقاية من الجرائم الاقتصادية وكشفها ومعالجتها، كنت لا أتحرك من مكتبة الجامعة حتى في أيام العطل الأسبوعية، لدرجة أن أحد موظفي المكتبة كتب لرئيس الجامعة رسالة طويلة مدح فيها مواظبتي، بعد ذلك تلقيت من إدارة الجامعة وسام الطالب المثابر، كنت أقرأ كل ما يقع في يدي حول الغش والاحتيال وغسل الأموال والفساد والاختلاس والرشوة والتهرب من دفع الضرائب وصولاً إلى جرائم الإضرار البيئي.

حصلت على درجة الماجستير بتقدير ممتاز ، كتبت رسالة التخرج في قسم مكافحة الجرائم الاقتصادية في إحدى الشركات العملاقة لتصنيع السيارات، تمكنت خلال المشروع من ابتكار أسلوب مائز للكشف المبكر عن عمليات الاحتيال الداخلية في الشركات الكبرى، الشيء الذي دفع الشركة إلى تمويلي أثناء دراسة الدكتوراه في معهد إدارة الاحتيال والغش في كلية علوم الاقتصاد لمدة خمس سنوات.

كنت أعمل في المكتب الذي خُصص لي في الشركة ثلاثة أيام من الساعة السابعة صباحاً إلى السادسة مساءً وبقية أيام الأسبوع في مكتب الجامعة. تعرّفت في الشركة إلى مهندسة ألمانية من أصول إيرانية من جهة الأب، اسمها أزيتا وتصغرني بأربع سنوات، امرأة بيضاء حلوة، متوسطة القد، مكتنزة، بشرتها صافية، شعرها أسود فاحم، عيناها سوداوان، شفتاها كبيرتان مبتسمتان. كنت يومها في السابعة والعشرين من عمري، لم يكن قد مضى أكثر من عدة اسابيع على تعارفنا حين شعرنا بتطابق الكيميائية بيننا، كنا نتفاهم أحياناً بالإشارة، وقعنا في الحب، أمضينا أمسيات جميلة مع بعض، تعرّف خلالها جسدانا ووجهانا على بعض.

حين دافعت عن أطروحة الدكتوراه كنت في الثلاثين من عمري، اجتزت الدفاع بامتياز، وحصلت فوراً على عقد عمل من شركة قانونية خاصة لمكافحة الجرائم الاقتصادية بكل أصنافها وتم تعييني بصفة نائب مدير قسم إدارة الاحتيال، لم أخطئ بالكتابة كما قد يظن القارئ، فالقسم اسمه فعلاً إدارة الاحتيال وليس إدارة مكافحة الاحتيال وكذلك كان اسم الاختصاص في الكلية.

بعد عدة أشهر على تعييني تزوجت من أزيتا، استأجرتُ لنا شقة هادئة في أطراف المدينة ريثما أكون قد أخذت قرضاً من البنك لشراء شقة محترمة في قلب مدينة ستراسبورغ، شقة تليق بالدكتور الاقتصادي ياكوب والحالم منذ نعومة أظافره بجائزة نوبل.

وهنا بدأت التعرُّجات والمُنْعَطَفات في حياتي!
***
يتبع في الجزء الثاني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قضية دفع ترامب أموالا لممثلة أفلام إباحية: تأجيل الحكم حتى 1


.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر




.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية


.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي




.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان