الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضيت ليلة راس السنة في مستشفى الشيخ زايد

وليد خليفة هداوي الخولاني
كاتب ومؤلف

(Waleed Khalefa Hadawe)

2019 / 1 / 3
حقوق الانسان


ليلة راس السنة الميلادية ، تعوّد الناس ان يحتفلوا فيها ايما احتفال ، حيث يودعوا عاما من عمرهم ويستقبلوا عاما جديد ، وهنالك كلام يقال بأن قضاء نهاية اخر ساعة من العام 2018 وبداية اول ساعة من عام 2019 مع من تحب ستؤدي الى ان تقضي العام القادم كله معهم دون ان تفارقهم، وهكذا .....، اي ستكون على وضعيتك التي انت فيها عند لحظة التغيير .وقد قررت ان انصرف الى اداء الصلاة وقراءة القران في تلك اللحظات من اجل ان ابقى العام القادم على هذه الحال . وبغض النظر عن مدى مصداقية هذا الكلام فهو على الاقل بادرة امل وتفاؤل.
وهذه اللحظات في الحقيقة تكون بداية عام جديد حسب التقويم الميلادي الذي تحتسب اعمارنا بموجبه ، وتحتفل كل شعوب العالم على سطح الكرة الارضية به، اذ جرت العادة ان يستقبل العام الجديد بالألعاب النارية في كل عواصم الدنيا ومدنها .
لكن شاءت الاقدار ان يصاب احد افراد عائلتي بمرض مفاجئ يصاب على اثره بفقدان الوعي ، حسبما وردني الاخبار في الساعة الثامنة من مساء ليلة 31/12/2018 ، وكان لزاما علي ان اتوجه الى مستشفى الشيخ زايد الكائنة وسط بغداد ،اذ سيتم نقله الى هنالك وكان امامه طريق شاقا كذلك لحين الوصول، ولكن كيف الوصول والطرق مغلقة ، والازدحام نوعا من الخيال ،حيث ان السير على الاقدام ربما يكون اسرع في الوصول بعد خروج الناس الى الشوارع للاحتفال بهذه المناسبة وخلق ازمة مرور قاسية، وبعد 3 ساعات عقيمة مملة سقيمة وصلت وفي دماغي الف خبر وخبر ربما مات مريضي ربما لا زال حيا ، نبضات القلب تضطرب ، والسكر والضغط لا اعرف وضعهما .نعم ان الموت حق والحياة حق ، لكن فراق افراد الاسرة هو شرخ في احد اركانها حتى وان كان كبير السن .فنحن لا نترك شيوخنا في دور العجزة . كما ندعوا الله ان لا يتوفى احد اولادنا ونحن على قيد الحياة .
وصلت في النهاية ، وهناك وجدت ساحة معركة حقيقية ،حيث كان الجرحى يتوافدون واحدا بعد الاخر ، فهذا اصيب بطلق ناري في راسه وتلك الفتاة في كتفها والاخر يحملوه اربعة من اصدقاءه وهو بين الموت والحياة ، واخر يأتي مصابا وهو مخمور ويجد نفسه الامر الناهي فذوي المصابين يريدون البقاء معهم لمتابعة حالتهم الصحية ، والشرطة المسؤولة عن الحماية يطبقون التعليمات ببقاء مرافق واحد. فلا المراجع يتعاون في تطبيق التعليمات ولا رجل الشرطة يتعامل بالكلام الطيب ، فهذا يزجر والاخر يتحدى حتى تصل لحد موجات من التدافع الذي لا يخلو من الالفاظ النابية من هنا او هناك . وبعض المتجاوزين ينقلون بسيارات الشرطة الى المركز لأجراء التحقيق عن التجاوز على الحماية من رجال الشرطة .
وعند الدقيقة الستين من اخر ساعة من عام 2018 كنت اراقب حالة ذلك الفرد من عائلتي وهو ممدد على سرير المعالجة في ردهة الطوارئ في المستشفى ، عند تلك الدقيقة خرج بعض افراد الكادر الطبي من الردهة لخارج المستشفى لكي يروا الالعاب النارية وهي تحول ليل بغداد الى نهار.
قلت مع نفسي اني احمد الله واشكره وانا راض بقضائه وقدره وان اكون في هذه اللحظات داخل المستشفى وادعوه ان يشفي مريضي. واقرا سورة الحمد واية الكرسي وطلبت الشفاء لكل المرضى ، بدلا مما كنت قد قررته .لكني لم اكن اتصور ان المستشفى بهذه الحال ،ولا اعجب عندما اعود بالذاكرة لوفاة البعض مما نقلوا اليها للإسعاف رغم ايماني ان الوفاة تعني نهاية الاجل المحدد . ولا اريد ذكر الاسماء .فأرض الردهة متسخة ،والاطباء الذين يسعفون المرضى والطبيبات ، كلهم من الشباب قليلي الخبرة ، اما الطبيب الاختصاصي، فجالس في غرفة صغيرة عند قاعة الاستراحة للمراجعين ، ويكلم المرضى المتوافدين على شكل طابور من المصابين،من خلف منضدة امامه ، ولا يستغرق الكشف على كل مريض امامه سوى دقائق او اجزاء دقائق، وحصلت اكثر من مشادة بين هؤلاء المصابين في سبيل سرعة عرض حالته على الطبيب ،حتى ان مصابا في راسه هدد احد الاشخاص وانتفض كمارد ليس به اصابة مهددا بالويل والثبور وعظائم الامور .
المرافق الصحية قذرة وارضيتها مغطاة بمياه قذرة .وتعامل بعض الموظفين مع المراجعين بعصبية واستعداد للمصارعة . فجأة ماتت احدى السيدات من المرضى في ردهة الطوارئ ، انتقلت الى رحمة الله وبدا الصراخ والعياط وكأننا لسنا في ردهة طبية وانما في مأتم للنساء.
المعلوم ان الطوارئ هي اول من يستقبل المرضى والمصابين ومن هم في حالة حرجة وخطرة ، فلماذا يترك معالجة الحال للطبيبات والاطباء الشباب قليلو الخبرة ولا يتواجد طبيب اختصاص يمر على هذه الحالات ليلا ويصحح اي خطأ طبي ممكن ان يحصل من الشباب .فالكل يعرف ان ليس كل طبيب يفهم كل شيء وان الخبرة المتراكمة هي التي تتواجد لدى الاطباء الكبار .وان ارتفاع معدلات متوسط العمر في الدول المتقدمة انما يعود نسبة كبيرة منها لجودة الخدمات الطبية .
انا اقيم جهود هؤلاء الشباب من الاطباء واقيم اداء هذه المؤسسات الصحية رغم ما يحصل من سليبات هنا وهناك ،وان للمؤسسات الطبية وكوادرها الفضل في اعادة العافية للكثيرين ، لكن في الحقيقة ان مؤسساتنا الصحية تشكو من بعض الهفوات ،فليس من المعقول ان يبنوا تجارب اطباؤهم الشباب على حياة مرضى في حالات حرجة ربما تحدد سلامتهم والانقاذ الطبي في الدقائق الاولى لوصولهم ردهات الطوارئ في المستشفيات ليلا ، حيث قال رسُول اللّه ﷺ ﴿إذا حكم ((الحاكمُ)) فاجتهد ثم أصاب فله أجرانِ، وإذا حكم فاجتهدَ ثم أخطأَ فله أجرٌ﴾ ،لكن الطبيب الجديد او قليل الخبرة اذا اجتهد فاخطأ فأنه يقتل المريض ،وجاء في القران الكريم الآية 32 من سورة المائدة (....مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا.....).ومن ذكرياتي مع والدي (رحمه الله )عند رقودي معه مرة قبل عدة سنيين في مدينة الطب ......وفاة احد المرضى في السرير المقابل له بسبب نقل عملية دم دون اجراء المطابقة .... وترك مريضا على سرير المرض المجاور له ..حيث كان الرجل ينزف دون معين وكانت الممرضات يأتين بملابسهن البيضاء الناصعة دون ان تمد احداهما يد اليه ... وكن يتركن عدد من الحبوب امامه ...وهذا الرجل ليس معه مرافق ...ثم بعد ايام فارق الحياة .....متوجه لرب غفور رحيم كريم.
لا نريد ان تكون المؤسسات الصحية صورة من المؤسسات التعليمية ، فالمدارس الخاصة يحظى الطالب بكل وسائل التعليم المتاحة ، ووجبات الاكل وممارسة الرياضة . ومعدلات الطلاب في الامتحانات عالية مقابل أداء متدني في الكثير من المؤسسات التعليمية الحكومية . وقد جاءني من يهمس في اذني انه لو تنقل مريضك لاحد المستشفيات الاهلية ففيها رعاية كاملة واطباء آكفاء واجهزة متطورة . ان حصل مثل هذا فستكون كارثة .
نريد ان نطمئن ان المريض الذي نتركه في مستشفى حكومي هنالك من ينظف فمه عند كل عملية تقيء وينظف ملابسه ويتواصل معه يجري له الفحوصات والاشعة والمفراس وكل ما يسهل عملية الشفاء ويرعاه كما يرعى المرافق مريضه .اليس الاطباء هم ملائكة الرحمة . وكيف نخلص الكثير من اطباؤنا من نفسية التعالي والزجر ، اليس الله جل وعلا يقول في الآية 28 من سورة فاطر (.....إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ...)،صاحب الحاجة اعمى والكثير من المرضى قليلو التعليم ،وربما يعصبوا فلمن لديه مريضا بحالة حرجة يمكن ان يجرم ان شك في سوء تعامل او اهمال بحق مريضه . فهل يفهم الطبيب ذلك ويتعامل مع المصاب ومرافقوه بلطف ومحبة .وهل ترعى الدولة مجانية الطب ونعفي المواطن من رسوم فحوصات اجهزة كالمفراص او الاشعة او التحاليل الطبية وغيرها بعد انتعاش الاقتصاد الجزئي .
لقد كانت ليلة راس السنة التي قضيتها في مستشفى الشيخ زايد حتى الصباح ، ليلة لا تمحى من الذاكرة ، وكانت حقا معركة او جزء من ساحة قتال . وفي نهاية الحكاية تم نقل مريضي في اليوم التالي الى مدينة الطب حيث كتب الله له عمرا جديدا واشكر كل من مد يد العون من الاطباء او الممرضين في مستشفى الشيخ زايد او مدينة الطب .وعسى ان نبني المزيد من المستشفيات ، ونرتقي بالعناية والفحص والاجهزة والمعدات والتعامل مع الناس، بما يرضي الله ويرضي الضمير ويسعد الناس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمن العام اللبناني يشدد تطبيق القوانين على اللاجئين السوري


.. اعتقالات تضم الناشطة في المناخ غريتا ثونبرغ بمظاهرة تضامنية




.. بعد اعتقال سنية الدهماني، محامو تونس في إضراب


.. جدل في بلجيكا بعد الاستعانة بعناصر فرونتكس لمطاردة المهاجرين




.. أين سيكون ملاذ الأعداد الكبيرة من اللاجئين في رفح؟