الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النباتات والأعشاب الطبية بجبال الأطلس الكبير الشرقي المغربية

لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)

2019 / 1 / 3
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


تنتمي جبال الأطلس الكبير الشرقي من حيث الجغرافية البيومناخية إلى منطقة السهوب (الاستبس)، ومعنى ذلك أن ميزانية التساقطات ضعيفة للغاية، لا تكفي سوى لنمو النباتات الشوكية. لكن الإنسان ود أن يقاوم، وكذلك يفعل، الظروف الطبيعية الصعبة، فأنشأ الزراعة المسقية بجانب الأنهار، وحافظ الشريط الرعوي غير المسقي على تنوعه. وفي ذلك انتصار خافت للحياة الطبيعية والبشرية. ونود أن نقف بالوصف الثقافي عند بعض النباتات الطبيعية، لما لها من دور طبي في معتقد سكان المنطقة.
نبدأ بإكليل الجبل، واسمها الأمازيغي أزير، واسمها اللاتيني Ros marinus officenalis، واسمها الفرنسيLe romarin. توجد في أربعة مواقع بالأطلس الكبير الشرقي، وهي مادة طبية مطلوبة بكثرة في أسواق المنطقة وخارجها. شكلت النبتة أساس العلاقة التجارية بين جبال الأطلس الكبير الشرقي وأحواز سجلماسة في العقود الماضية، حيث تجري مقايضة النباتات الطبية الجبلية بالتمر. زتستعمل النبتة في معالجة مجموعة من الأمراض ذات ارتباط بالروماتيزم والهضم. وهي عشبة دائمة الخضرة، لا يزيد ارتفاعها عن المتر ونصف المتر، وتنمو بريا فوق السفوح الجبلية والدروع الكلسية بجبال الأطلس الكبير. تشرب النبتة بما هي بديل لعشبة الشاي لتهدئ الأعصاب، وتعالج الحلق. لذلك يداوم على شربها الشعراء والمغنيين. وتستعمل في البخور.
وحيث إن للنبتة قيمتها الطبية فقد أصبحت موضوع نزاع بين الجماعات العرقية الشلالية) والجماعة القروية وبين المستثمرين والسكان المحليين. ويعود الصراع حول نبتة أزير إلى سنة 1976 حيث تبين من جواب عن شكاية وجهتها النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالرشيدية لأحد الأشخاص سجلت تحت عدد 1061 س/76 بتاريخ 31/12/1976. وتلك بداية عملية للصراع حول الأراضين التي تحوي مادة أزير قرب قرية الند بجبل العياشي، بإقليم ميدلت حاليا. ولا نتوافر على أي وثيقة مفيدة في عقد الثمانينيات من القرن الماضي. و في بداية التسعينيات بدأ أحد المستثمرين يطرق باب السلطة ملتمسا رخصة استثمار مادتي الحلفاء Alfa وأزير Romarin. ففي رسالة جوابية موقعة من طرف مهندس المياه والغابات بمقاطعة الرشيدية، على إحدى الشكايات، سجلت تحت رقم 655EF/ERR تبينت إمكانيات الاستثمار. وفي رسالة أخرى جوابية موجهة لنفس الشخص سجلت بقيادة آيت يزدك تحت عدد 673 ق ش ق بتاريخ 19/04/2000 ما يفيد أن جماعتي النزالة وزاوية سيدي حمزة أظهرتا موافقتهما المبدئية على استغلال مادة أزير من طرف إحدى الشركات. والغريب أن الجماعة القروية سيدي حمزة،كما شهد عليها محضر جلسة 16 نونبر 1994، تؤكد بلسان مستشاري مجلسها الموافقة على ترخيص الشخص المذكور باستغلال مادة أزير بمكان يدعى «أمان نايت عوين» شريطة:
- عدم اجتثات مادة أزير والاكتفاء بالحصاد.
- عدم حرس [منع] الرحل عن الرعي في المنطقة.
- احترام القصور المجاورة ب 2 كلم على الأقل.
- المساحة المخصصة للاستثمار 4000 هكتار.
ولئن كان المستثمر المذكور ملحا على مواصلة احتجاجه عن عدم استفادته من رخصة استغلال أزير رغم موافقة المجلس الجماعي المذكور، فإن إحدى الشركات، نزلت غرب قرية آيت خرو بجماعة النزالة لتنشئ معملا لتقطير النباتات الطبية، ولتفتح باب الاستثمار بعد حصولها على رخصة استغلال مادة أزير لمدة 10 سنوات. ويعنينا من هذا كله أن عملية قطف أوراق النبتة شكلت أساس الاحتجاج المنظم الذي انطلق من قرية الند بجبل العياشي حيث اتجه السكان في مسيرة احتجاجية إلى مقر السلطة المحلية بالريش يوم 17/15/2004. وبعد مضي أقل من شهر على الحدث نظمت الجمعيات النشيطة بجماعة أملاكو، بكاف معطشة، وقفة احتجاجية يوم الخميس فاتح يوليوز 2004 صادف انعقاد الدورة الاستثنائية للمجلس الجماعي يناقش فيها استغلال مادة أزير بشرق جماعة أملاكو. ولا تزال جماعة أموكر وجارتها الشرقية امزيزل في غياب تام عن النزاع حول نبة أزير.
ومحصل القول، أن نبتة أزير التي تعد أهم مراعي النحل ابتداء من شهر فبراير مهددة بالاستغلال الجائر. وإن انقراض النبتة سيؤثر بشكل غير مباشر على حياة الوروار بأعالي زيز.
يعد الحرمل اسمه اللاتيني Peganum Harmalal نبات المواقع الأثارية في كل مكان وطئته أقدام الإنسان على مر الزمان. و بما أنه يتقفى آثار الإنسان في النطاق البيومناخي شبه الجاف، فقد تحول إلى رمز ذي دلالة في التبرك و الشعوذة ولايعني ذلك أن كل النباتات التي تنبت في الخرائب لها نفس الصفة كسنبلة الفأر murinum Hordeum مثلا. وبعيدا عن المعتقدات فالحرمل بيئة خضراء في بيئة متدهورة، و مادة غذائية للنحل ومكان استيطان النمل ومحمية الديدان والفئران، إنه وسط حي بما تحمل الحياة من معنى (تربة خصبة، ووحيش نشيط)، يشكل أساسا لسلاسل غذائية تحوي الوروار في علاقته بالنحل، وتتضمن الأفعى التي تتغذى بالفئران ، ناهيك عن الطيور المختلفة التي تقصد ديدان تربة النبتة. و للحرمل فترة إنبات Période de végitation تتأثر بالطقس، فلا يمكن للنبتة أن تنضج، وتتمم دورتها بشكل عاد في الأماكن الرطبة أو المنخفضة حرارتها في شهر يونيو. ذلك أن رطوبة يونيو تجعل النبتة تستمر في النمو ويمضي وقت التحبيب التي تعقب الإزهار. و إن انخفاض الحرارة في هذا الشهر لن يمكن الحرمل من إنتاج بذوره. و قد لوحظ في السنوات الجافة التي شهدها المغرب ابتداء من عقد الثمانينيات من القرن الماضي أن دورة النبتة البيولوجية بالأطلس الكبير الشرقي لم تتأثر كثيرا، لذلك لم يتخلف الوروار الطائر المهاجر في أية رحلة من رحلات الإياب وللتذكير، ففترة إنبات الحرمل تغطي ستة أشهر كاملة ففي 31 يناير بالتقويم الجولياني تظهر فروع النبتة وتخرج إلى السطح وفي أواسط شهر أبريل ينتهي نمو الحرمل وتتضح معالم هيكل النبتة، وحينذاك تشرع في الإزهار وتصبح مرعى غنيا للنحل وفوقها في السماء يسمع صفير الوروار.
ويحسب الأطلس الكبير الشرقي بيئة لائقة للفصة بفعل توفر التربة الرملية بجنبات الأنهار, و توفر الماء بسواقي المزارع التي يستغلها سكان المنطقة، ويغلب على الظن أن الفصة، أهم زراعة علفية دخلت المنطقة في وقت مبكر من تاريخ المغرب لتضمن غذاء الخيول الموظفة في حراسة الممر الإستراتيجي «تيزي ن تلغمت» الذي يعبره تجار القوافل في العصر الوسيط. وتعد مدينة كرس لوين، بكاف معطشة، التي بناها السلطان لكحل حسب الرواية الشفوية عاصمة الفصة بامتياز. ولقد انتشرت الفصة في ضيعات الزوايا لأنها غذاء خيول الزوار والأبقار التي توفر السمن واللبن للضيوف. و تتأثر زراعة الفصة بالمنعطفات التاريخية، فكلما نزل الخيل أو المحلة بالمنطقة كلما اتسعت زراعة النبتة. ولقد ساهمت الفصة بحقول زيز في تقوية نفوذ الشيخ إبراهيم يسمور اليزدكي والقائد عدي وبيهي نايت رهو، و لما دار الزمان على الشيوخ والقواد، ظهرت الفصة في عصر التحولات القروية مادة علفية لإنتاج اللحوم الحمراء و ألألبان. وبعيدا عن الفصة في علاقتها بالتاريخ وبحروب السيطرة على المواقع الإستراتيجية في الطريق التجارية سجلماسة /فاس، وبعيدا عن التنمية القروية وما تحملها من تحولات، ظلت الفصة مرعى النحل ابتداء من شهر يونيو إلى متم شهر غشت.
يقول الشاعر الأمازيغي في النحل والفصة:
A-dir-ham Rebbi tizizut
As tenna gga wal
Is as tenna gga wal
A dutx aldjig i tugga
Waq rane imagartent
I waq rane imagartent

تفسيره:
يرحم رب النحلة
لما أوردت في كلامها:
سأضرب زهور الفصة
وليحصدهامن يشاء.
ولما ظلت الفصة زراعة مسقية بواسطة الساقية أو الدالية أو المضخة في عصر التحولات القروية فإن غذاء الوروار مضمون طيلة فصل الصيف.
ويستعمل ثمار العرعار، تيقي، تاقا، بالأمازيغية، اسمه اللاتيني Juniprus والفرنسي Genévrier العرعار – العرعار الحر وهي شجرة هرمية الشكل يصل ارتفاعها إلى 10 أمتار ومحلوله المسمى بالأمازيغية (أبطار) في معالجة الروماتيزم والأمراض الجلدية. يشرب كوب من مغلي خشب العرعار بعد غلي 20 غ منه في ربع لتر من الماء لمدة 10دقائق وتصفيته (أبطار).
وأما الدفلى، أليلي بالأمازيغية، اسمه اللاتيني Nerium oleander واسمه الفرنسيLaurier-rose، وهي شجرة صغيرة معمرة يصل ارتفاعها إلى 6 أمتار، فتوصف أنها نبات زينة وتصلح سياجا للحقول، كما تدخل في بعض التحضيرات للتطبيب التقليدي. ويستعمل خشبها لصناعة بعض الأثاث الخفيف مثل الكراسي ومغازل الحرير.
وتعالج النبة أمراض الحنجرة وأمراض الجلد وتستعمل مكونا للبخور مع وبر الماعز لإطفاء مواقع الجن. وتوظف تايدا اسمها اللاتيني Pinus pinaster واسمها الفرنسي Pin في معالجة أمراض الفم والأسنان. ويوظف النعناع، اسمه اللاتيني Mentha، واسمه الفرنسي Menthe
مع الشاي الأخضر ليضفي عليه نكهة طيبة، ويعالج الزكام، وآلام الأسنان وآلام الحيض. وهناك قبائل ترفض النعناع لأنه يسبب البرود الجنسي.
بدأت اللويزة تزرع بكثرة بجبال الأطلس الكبير الشرقي، واسمها اللاتيني Aloysia واسمها الفرنسي Verbenaceae واسمها العربي رعي الحمام الليموني وشرب كلشاي لتعالج أوجاع الرأس وعسر الهضم.
تعالج الإجاص أو تيفيراس، بالأمازيعية، اسمها اللاتنيpyrus communis واسمها الفرنسي Poires الوهن الجنسي، ولقد كادت شجرة الإجاص أن تنقرض بالشريط الزراعي لجبال الأطلس الكبير الشرقي. وأما تيمرصاد، واسمها اللاتيني Mentha Pulegium فتضاف إلى الشاي الأخضر ليضفي عليه نكهة، وتشرب في حساء، لتعالج الغازات، والزكام وآلام الأسنان، وآلام الحيض، والعجز الجنسي. وأما خيزو البلدي، اسمه Daucus Carota واسمه الفرنسي carotte فيعالج الإسهال (أسكناف) بالأمازيغية، والديدان المعوية وندرة الحليب عند المرضعة والسعال. وتضاف الشيبة، اسمها اللاتيني Artemisia absinthium واسمها الفرنسي Absinthe إلى الشاي الأخضر ليضفي عليه نكهة طيبة ورائحة عطرة. وتعالج الإسهال والغازات .
تلك هي جملة النباتات التي تتحمل بيئة السهب وتبطن منفعة طبية للإنسان بجبال الأطلس الكبير الشرقية، لكن الإهمال غشيها إلى مستوى لم تعد فيه ذات فائدة للإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في شمال كوسوفو.. السلطات تحاول بأي ثمن إدماج السكان الصرب


.. تضرر مبنى -قلعة هاري بوتر- بهجوم روسي في أوكرانيا




.. المال مقابل الرحيل.. بريطانيا ترحل أول طالب لجوء إلى رواندا


.. ألمانيا تزود أوكرانيا بـ -درع السماء- الذي يطلق 1000 طلقة با




.. ما القنابل الإسرائيلية غير المتفجّرة؟ وما مدى خطورتها على سك