الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوابيس محبة مؤمن سمير .. في ديوان - بلا خبز ولا نبيذ - بقلم/ محمد محمد مستجاب

مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري

(Moemen Samir)

2019 / 1 / 4
الادب والفن


كوابيس محبة مؤمن سمير .. في ديوان " بلا خبز ولا نبيذ " بقلم/ محمد محمد مستجاب
أجمل ما في الشعر أن يكتب بعفوية، العفوية التي تأتي من تجربة عظيمة، تلك التجربة التي تسحقنا وتعيد بنائنا مرة أخري، أو تعيد ميلادنا الجديد، فنبدو طاهرين، وغير ملوثين، رغم علمنا بأننا لن نصير طاهرين مهما فعلنا، لكن هذا الطهر لا يأتي إلا بكتابة الشعر، متحررًا من كل الأشكال والقوالب، خاصة إذا كانت القصيدة المصلوب بداخلها الشاعر، قصيدة خاصة به وبمحاولته إمتصاص كل عذابات هذا العالم المزعج، وتحويلها إلى قربان لذاته وللحرية وللحياة.
وهنا يطرح علينا الشاعر مؤمن سمير في ديوانه " بلا خبز وبلا نبيذ"(*) هذه البكارة الشعرية التي نادرًا أن نجدها في دواوين شعرائنا، حيث نشم رائحة وجع الكلمات التي تحمل معاناة الشاعر، هذا الذي يتفجر كل لحظة ثم يعيد تركيب ليس نفسه فقط، بل وتركيب العالم ورؤيته له، يقول: " يا الله، أنت أكبر من حقيبتي وكراسة الرسم العريضة وأطول من الدراجة والصالون ومن بلدتنا.. فلماذا لا تأتي إلا من السكة المهجورة ولا تترك إلا ظلاً صغيرًا؟ أنت أخذت أبي، يقيم عندك ويغني معك فاترك أمي، أو أقول لك خذ أمي واترك اختي حتي تكمل حدوتة الأمس أو خذ أبي وأمي وأخي واتركني ".
كل هذه البراءة والعفوية التي يتحرك بها في جميع أجزاء الديوان هي الشفرة التي يحملها هذا الشيطان الذي يسمي مؤمن سمير، شيطان بلسان مشقوق ولا يمتلك عيون، بل عدسات نظارته هي التي تسجل له كل ما يحدث، وقبل أن تصل تلك المشاهد إلى عيونه الحقيقية أو إلى قلبه لاستعابها، يلفظها لنا، حادة بلسان خبير أو ساذجة بلسان طفل بريء، يبوح ويلقي لنا بالشطرات الشعرية التي تدغدغ حواسنا. حاملا كل تلك المتاهات التي يغوص فيها، عبر لغة خاصة وتركيبات لغوي طازجة، تخبرك بمذاق شعر مؤمن سمير، وتخبرك بذاته التي تحترق كل يوم في فهم العالم، حتي عندما يصل بأنه فهم هذا العالم، فإن السخرية ستطل من بين فواصل الكلمات، وعناوين القصائد، يقول في قصيدة " عندي حفار قبور يحبني وأحبه": " أمتلك مقابر كثيرة ترعى حولي، وتحب أن أسقيها لتزدهر وتغني في المواسم.. ومع الأيام صارت عشيرتي، التي أحس فيها أنني لا أتنفس إذا غابت ولا تبتسم إذا اختفيت".
هذه السخرية في فهم العالم ومحاوله طرح رؤيته له، ليست بجديدة على مؤمن سيمر، لكنها جديدة على شعرنا المصري العربي، فلا شيء مكرر رغم التشابة الشديد في كل شيء، الحزن والحلم والنشأة واحدة، لكن القول ليس واحدًا، يقول: " كأنني ثبَّتُ عقارب الساعة على الخوف.. الخوف حبيبي".
ويكمل في قصيدة أخري: " أصابعي التي أخذت عزاء الأب وهي تعد مسامير النعش، تساوم بها الضحك المخفي".
لقد اكتظت جدران عقل وذاكرة مؤمن سمير بالحكايات، ظلت تمتص ما يحدث فيها من أحداث وما يمر عليها من أشخاص، وجاء الوقت لتبوح أو تنفجر بالحكايات.
يقول في قصيدة تحمل اسم " الماركيز دي ساد" : " أنا المسجون العظيم، أكثر من ربع قرن والجدران تتهكم وتجري وتضيق وتطير وتتسع.. لكنها الآن تلهث وتعترف.. كل الآلام تحملتها ووضعتها في القِدر حتى طلع قلبها الرائع الأسود.. الجوهرة التي كانت تنام في الداخل لكنها الآن تملأ العيون.. كل الرعشات والدموع الملتاثة أحوّلها إلى أدب مبجل، كافر يصل بالمحبة لبذورها الحقيقية للقسوة.. ويصل باللمسة للركلة وبالقبلة للقتل.. كل الدواليب أحطم واجهاتها وأكشفها لتسمو.. ولن أحب الله إلا لأنه يعذب أولاده".
بهذه الرؤية ينفجر الديوان وهذا النص بالتحديد لمعرفة ما يختلج به صدر مؤمن سمير، فشخصية "الماركيز دي ساد" هو الكاتب الفرنسي الشهير صاحب الكتابة المتحررة، والتي تمكن من خلالها أن يتوغل داخل أحراش ونوازع النفس البشرية، بطريقة أزعجت وحيرت العلماء والفلاسفة حتي الآن.
كيف تكتب الشعر في عالم لا يحتمل، وأنت لا تمتلك إلا أجنحه الخوف فيقول في قصيدة تحمل نفس العنوان: " إلى وقتٍ قريب، كنت أتمنى منزلاً بقبو.. قبو غامض، أخبئ فيه الذكريات، والموديلات العارية، التي ترقص في ظلي العجوز، وكذا أدوات القتل.. بل لا.. لن أشيل فيه شيئًا".
إن هذه المتاهات التي يدور فيها مؤمن سمير، متاهات على الدوام بلا خبز وبلا نبيذ، متاهات بين الفقد والراحلين ومتاهات بين الأحبة والذكريات، يقدمها لنا بطريقته، وبرغبته الحقيقية في تدوين وكشف بواطن جديدة للنفس البشرية، وبقدره بسيطة على إلقاء مشاعره في فرن السخرية، بعد أن علم أن هذا العالم هو مجرد " خوف كبير " يحمل كل يوم، وكأنه كفن نتحرك به، ولن نستطيع أن نتحرر من أغلاله إلا بالمحبة، المحبة التي قد يعثر عليها مع شبه والده، أو ظل حبيبته أو رقصة قديس على صليب الحياة.
هذه المتاهات المبهجة هي التي يحررها من جُب الذاكرة ويطلقها من صندوق الذاكرة الذي ضاع مفتاحه في متاهة الأيام، ويقدمها لنا في تركيبات لغوية غاية في الجدية والصراحة والشفافية، وبعيدًا عن غرائبيتها التي قد تبتعد عن المعني المراد، فيقينا قد قام مؤمن سمير بإنضاج تلك الذكريات داخل صدره الذي صار ربوة عالية، وأصبح منتفخًا كجبل، فيقول في هدوء: "سأخرج للنافذة وأطوح للمارة فرحتي.. أنا الآن أخف وأجمل من ملاك.. كانت الحروف تشوه ملامحي والجمل تحاصرني في الطرقات والجيوب، لهذا سوف أتمشى قرب صندوق العائلة وأخرج أوراد البهجة، التي أخفيناها طويلاً".
إن هذا الديوان الممتع صغير الحجم، كبير الرؤية، يجب أن يقرأ عدة مرات، فليس من السهل أن تخترق سطوره دون أن تتوقف عند كل فقرة أو تتأمل كل جملة، لتحلل الكلمات وتركيبات الجمل ثم تصل إلى ما يريده، فالظاهر غير ما يريد أن يطرحه، والواضح لم يعد واضحًأ كما كنا نعتقد.
إن هذا الديوان وسطوره، كترانيم شعرية لفهم الحياة والتحرر من ثقلها الكابوسي، لذا فهو يحيلنا إلى بشر آخرين فور الانتهاء من قراءته، وتذوقه، بل ويجعلنا في حالة التسامي الإنساني التي نبحث عنها، والتي تجعلنا في حالة شفافة من المتاهات والمحبة.
--------------------------------------------------------
(*) " بلا خبز ولا نبيذ" شعر : مؤمن سمير ،الهيئة المصرية العامة للكتاب 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر


.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع


.. عوام في بحر الكلام - د. أحمد رامي حفيد الشاعر أحمد راي يتحدث




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح