الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفَيلسوفة الرّاقِصة

يحيى نوح مجذاب

2019 / 1 / 4
الادب والفن


الفَيلسوفة الرّاقِصة

الطّاقةُ الكامنةُ في الأعماق تتوهّج... تَتَفجّر، وعندما تنفلت من عِقالها لن يوقفها شيء، أو تَكبت جماحها قوّة.
ممتلئةٌ جسداً، متوقدة فكراً، مشتعلة طموحاً.
إنها امرأة طريّة، غضَّة، ربيعية العُمر. في سُمرتها شحوب اختزلَ وجع العالم المُتَوغِّل في التاريخ قِدماً.
شعرٌ دُكنتهُ أحلكُ من هزيعِ اللّيل، لم يألفْ أسنان المشط فتهادى حراً ومالَ حيث تميل الريح.
وجهٌ لم تمسّهُ مساحيق التجميل التي تلطخها نساء العصر على صفحات الوجوه كلبخات الحمّى.
ثاقبةُ العينين تفيض ذكاءً، وألماً تَحملهُ مناكبها الغجرية. كشميرية الهندام، غجرية الوشم.
حادَثَها أكثر من مرة عبر ما تيسر له من تطبيقات عجّت بها الحواسيب الضالّة من واتساپ، وماسنجر، وسناپ-چات، وإيمو، تلك التي أغرقت أجيالاً كاملة من عهد اليفاعة حتى ما قبل الكهولة بعوالم افتراضية أفقدتها دفء المشاعر المنبعثة من الأنفاس القريبة.
غنّت له (هذا الحلو كاتلني ياعمة) بصوتها الذي اخترق جبال الأطلس وسهوب السافانا وامتد الى طوروس وكوران. لم تره حقيقةً -فيزيائي الجسد يعكس دواخله بأنفاسه الدافئة، لكنها عاشت معه من وراء حُجُبٍ دقائقَ وسويعات كلّما اخترقت بموجات السماء جدران حاسوبه ودخلت إليه في خلواته المتباعدة. كانت تسبر صواوين الآذان بتونات صوتها المتَعرِّج المبحوح، ثم تهبط إليه بصورها الملوّنة كشِهاب نجمٍ ساطع.
رآها صوراً منبعثة من الشاشات، وهو يتابعها عبر صفحاته الهوجاء فقد كانت مغرمة بفيكات التصوير ولقطات المواسم والفصول المتعاقبة.
كتبت شعراً.. كتبت نثراً .. كتبت في كل الاجناس مناصرة للمرأة مرة، ومناهضة لتمادي الذكورة الطاغية، قلمها أجرأ من بنات العم سام فقد كشفت المُخبّأ والمستور. تحدثت عن معاناة الشعوب التي أذاب هوياتها سلطان العسكر، وجبروت القوة الضاربة. بشرٌ يبحثون عن عنتريات ضالة حتى في أعلى درجات رُقيّ الأمم في الحضارة الزائفة. كانت تريد أن تبحث عن نفسها الضائعة وتصنع شيئاً جديداً، بصمةً تكتب لها الخلود الآني بمعاييرها الدنيوية، فساحت في سواد القارة، ونزلت في أرض القوقاز، أكلت مع المغول والتتار ودبكت مع البطاريق فوق صقيع أوقيانوسيا، ونامت في خانات العثمانيين، وجلست بمجالس الرومي والتبريزي، لكنها لم تتقن قواعد العشق الأربعين فضلَّت سواد الطريق.
وأخيراً عندما لم يبقَ في جُعبتها شيء تفعله شدَّت على وسْطها منديلٌ أزرق ورقصت بحرقة السنين الضائعة، وتمايلت على نغمات البزق والسنطور وهزّت الوسط والأرداف الطرية.. قالت من اجل عينيك يا أرضي الواسعة الكبيرة سأترك الجسد يلهو ويلعب ويحرق قلوب العاشقين، وتمايلت وصفق لها المتربعين على سجاجيد تبريزوالمتكئين على الأرائك الوثيرة، جسداً يعج بالأنوثة وروحاً تستعر بالرغبة وعقلاً ينشد الحقائق الغائبة، فالذين تسللت أكفهم إلى بؤر أجسادهم أدركوا كم هي مُتعِبةٌ تلك الأحاجي التي تطلقها هذه المرأة التي امتزجت فيها إبداعات الفن وحُمى الجسد وسَورة العقل في هذه البقعة اللامتناهية في الصغر من أرض البشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا




.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف