الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريمة في ستراسبورغ -3-

علي دريوسي

2019 / 1 / 6
الادب والفن


بعد زواجنا الرسمي عدنا للعمل في ستراسبورغ، هي في شركة تصنيع السيارات وأنا في الشركة القانونية، نلتقي في المساء، نشرب كأس نبيذ، نحضّر عشاء خفيفاً، نتحدث قليلاً عن يوم العمل، نسمع سوية نشرة الأخبار الرئيسية ثم نتوجه إلى دورة المياه، ننظف أسناننا ونذهب للنوم، أقبلها على فمها وهي بدورها على فمي، نتمنى لبعضنا البعض ليلة هانئة وأحلام سعيدة ونغرق في النوم، في صباح اليوم التالي نستيقظ مبكرين جداً في الخامسة، الوصول إلى مقر عملي يتطلّب مني حوالي ساعة سفر ومن أزيتا ما يزيد على الساعة، أما في عطلة نهاية الأسبوع وتحديداً من مساء يوم الجمعة حتى مساء يوم الأحد، كنا غالباً ما نعيش علاقة زوجية متوازنة نوعاً ما، أقصد بذلك أننا كنا نعيش حالات الحب مرتين أو أكثر، وما أن يأتي موعد الإباضة حتى نبدأ بشد الأحزمة واستثمار كل فرصة لممارسة الجنس بطريقة آلية غالباً، هكذا كنا نعيش هذه الحالة الروبوتية في كل شهر دون أن تزهر شجرة رحمها، ليس هناك ما يجعلك أكثر كآبة من ذلك الشعور الذي يُخيَّل لك فيه أنّ الله يعاندك بكل ما تسعى إليه!

مع هذا كنا من باب تشجيع أنفسنا وتجاهل السبب الحقيقي لتأخر الحمل لا نتوانى عن الإفصاح عن رغباتنا بإنجاب خمسة أطفال، ورحنا مع الأيام نعطيهم أسماء وصفات، ونرسم مخططات للشقة التي سأشتريها للعائلة ونوزّع الغرف على أطفالنا القادمين لا محالة، لا أعتقد أننا كنا سعداء مع بعض، ومع هذا كنت مقتنعاً بعلاقتي بها بانتظار تكويرة بطنها، كنت متفائلاً أن شيئاً ما سيحدث معنا قريباً، أبربر: لا بد أن يحدث شيء ما، ينبغي ألا نقلق، علينا بالإيمان والدعاء والانتظار، علينا بتركيز طاقاتنا في أوقات سخونة جسدها.

لم تكن حياتنا المشتركة تمشي بهذا الشكل الآلي وكفى، بل كانت حبلى بالقلاقل، كنا نتناقر لأتفه الأسباب، حتى في لحظات الصفاء كنت أسمعها تقول: المال وحده لا يجعل الإنسان سعيداً في حياته. وكانت إذا ما لمحت شاباً يداعب صديقته في مقهى أو حديقة أو أماً تلاعب أطفالها كانت تقول بحقد واضح وكأنها تقصد إهانتي: الله يرسل الحمص لمن لا أضراس له. كانت هذه الأقاويل التي يتلفظ بها فوهها الكريه تحرقني، فأقول سراً: يا بنت الشرموطة سأقتلك يوماً. أو أصرخ بها: للحيوانات مكان واحد هو الحظيرة، إلا الأليفة منها وأنت لست أليفة يا أزيتا، هل تعلمين ذلك؟

كان قد مضت سنة كاملة على زواجنا حين وجدتُ لنا شقة جميلة ورحبة في مركز مدينة كارلسروه كما إرتأت أزيتا، كانت البناية ما زالت في طور البناء، مكوّنة من خمسة طوابق، وفي كل طابق شقتان بمساحة مئة وستين متراً مربعاً للشقة الواحدة، كانت معظم الشقق قد بُيعت على المخطط باستثناء شقتين، الأولى في الطابق الأرضي والثانية في الطابق الثالث والتي وقع عليها خيارنا رغم ارتفاع سعرها بالمقارنة مع الشقة الأرضية، كانت الشقة في الحقيقة رائعة، أربع غرف نوم وصالون كبير مع بالكونين ودورتي مياه ومطبخ بإطلالة مدهشة، بعد عدة أسابيع حصلتُ على قرض عقاري من البنك واشتريت الشقة، كانت غالية الثمن، يومها لم أفكر حتى بسؤال أزيتا إن كانت ترغب بمشاركتي تسديد أقساط الشقة وهي بدورها لم تُحرك ساكناً بهذه الاتجاه، وهكذا تعهدت للبنك بتسديد أقساط القرض لوحدي على مدار خمسة وعشرين عاماً.

مع مضي السنة الثانية على زواجنا لم تحبل مني أزيتا وصارت وتيرة مناقراتنا الشنيعة في تصاعد مستمر، كانت شقتنا قد صارت جاهزة للسكن، لم ترض أزيتا أن تبحث عن عمل مناسب لها في إحدى الشركات الكثيرة الموزعة في مدينة كارلسروه ومحيطها كما وعدتني سابقاً، بل فضّلت البقاء على رأس عملها في ستراسبورغ والعيش في الشقة المُستأجرة من قبلي في أطراف المدينة والتي كنت أتحمل كافة مصاريفها، في الوقت الذي تصرف أزيتا راتبها على لباسها ورحلاتها وبناء مشروع صغير لها في مدينة طهران أو هذا ما أوهمتني به.

في ذاك الوقت كانت قد وصلتني موافقة الوزارة على تأسيس معهد الجرائم الاقتصادية في جامعة فرانكفوت وتم تعييني أستاذاً للإشراف على المعهد وتطويره، وهكذا غادرت ستراسبورغ والتحقت بعملي الجديد، ولأن ضغوط العمل وكثافة التحضيرات لإيقاف المعهد على ساقيه كانت تفوق الحدود الطبيعية لمقدرات الإنسان فقد فضلت إستئجار شقة صغيرة لي في مدينة فرانكفورت بالقرب من الجامعة كي أوفر على نفسي الوقت في السفر بين المدينتين والذي تجاوز الساعتين والنصف يومياً في الذهاب والإياب.

وهكذا تحولت علاقتي الزوجية مع أزيتا إلى علاقة ويك-إيند، كما هو الحال عند الملايين من سكان فرنسا وألمانيا، صرنا نلتقي مساء الجمعة أو صباح السبت في شقتي، التي فرشتها بشكل آخاذ لكنه يوحي بأنه أثاث لشقة رجل فوضوي غير ملتزم أسروياً، ثم نغادرها معاً مساء الأحد أو صباح الإثنين إلى مقرات أعمالنا.

***
يتبع في الجزء الرابع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قضية دفع ترامب أموالا لممثلة أفلام إباحية: تأجيل الحكم حتى 1


.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر




.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية


.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي




.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان