الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[7]. أفكار النّحات الدُّكتور عبدالأحد برصوم الّتي راودته حول نحْت تماثيل لا تخطر على بال

صبري يوسف

2019 / 1 / 6
الادب والفن


أفكار النّحات الدُّكتور عبدالأحد برصوم الّتي راودته حول نحْت تماثيل لا تخطر على بال

7

إنَّ من أهم المواضيع الّتي ناقشناها منذ الشُّهور الأولى الَّتي عشناها معاً، كانت فكرة مشروع نحْت تماثيل عملاقة ممكن مشاهدتها عن بُعد مئات الأمتار، وقد طرح النّحات هذا المشروع على جهات مختصّة بالنّحت، عندما كان في يوتوبوري، حيث طرح فكرة تنفيذ مشروع يتعلّق بنحت الصُّخور البازلتيّة الجبليّة الّتي كانت تُشاهد من خلال القطار في الهواء الطَّلق عندما كان يسافرُ من يوتوبوري إلى المدن الأخرى وقد سافر مراراً بالقطار وراوده بشغفٍ كبير أن ينحتَ منحوتات على الصّخور كما هي في الطَّبيعة ويبرز منها تماثيل كبيرة، وقد درس هذا المشروع مع جهات سويديّة ونالت الفكرة استحسان وموافقة الجهات المختّصة وتفرّغَ قبل أن ينفّذ هذه الأفكار في صالات الفنون وأعدَّ دورات تعليميّة في النَّحت وأقام معرضاً لطلّابة وطالباته في يوتوبوري إلَّا أنَّ تنفيذ المشروع ظلَّ فكرة معلّقة في الذّهن، حيث قفزت فكرة أخرى وهي توجيه الأنظار إلى موسكو لدراسة الطُّب، فجمَّدَ هذا المشروع الّذي كان على وشك البدء به إلّا أنَّ تداخل الطّموحات عنده، أحالت دون تنفيذ المشروع، والمفارقة في الأمر أنّه ما كان ذات ميول طبّيّة، لكنّه وجد أنّ مستقبل الطّب أفضل من مستقبل الفنون، خاصَّة عندما وجد أن النَّحت والفنون هي مهنة من الصّعب أن يعتاش عليها في السُّويد، إلّا أنَّ نظرته من هذه النّاحية ما كانت دقيقة، وفيما كنّا نتناقش حول هذا الأمر، قلت له برأيي اِختيارك بتوجيه الأنظار نحو موسكو لدراسة الطُّب البشري في عمرك، كان قراراً غير صائب كفنَّان مبدع في مجال النّحت، وقلت له كان من الأفضل أن تتابع دراساتك في مجال النَّحت وصنع تماثيل عملاقة، وأيّدني، وقال لو اِلتقيتُ بكَ قبل أن أقرِّر دراسة الطّب من المؤكّد أنَّك كنتَ ستقنعني مثلما أقتنع من كلامك الآن، حتّى صرّح لي أنّ الطُّب هو مجرّد مهنة لا أكثر ومهما كانت مهنة الطُّب نزيهة وإنسانيّة فهي مهنة غير إبداعيّة! لأنَّ النّحت كفن كإبداع هو إبداع خالد لأنَّ آثار المبدع باقية أمّا الطُّب، فلو أجريت مئات العمليّات فلا نرى بالعين المجرّدة لما نقوم به، صحيح أنّنا نترك إسماً في عالم الطّب ولكنّها بالنّتيجة النّهائيّة تبقى مهنة راقية مثل أيّة مهنة راقية أخرى، وأمّا الأدب والفنون الإبداعيّة فإنّها تبقى خالدة أكثر، لهذا وجدتُه من جديد يمسك إزميله بكلِّ جدّيّة ويطرح فكرة جديدة لمشروع لم يخطر على بال أي فنّان في السُّويد، ويريد تطبيق هذا المشروع في ستوكهولم، وحالما طرح الفكرة علي، قلت له فكرة عبقريّة فعلاً يا عبد، وهل تستطيع تنفيذها، فضحك وقال أنا الَّذي يستطيع تنفيذ هكذا أفكار، وتتلخّص فكرته بأن يأخذ موافقة من الجهات المختصّة والمسؤولة عن أنفاق القطارات في ستوكهولم، لنحت تماثيل روليه في الجدران الصَّخرية للأنفاق، لأنَّ عبد شاهد في الجدران الصّخريّة البازلتيّة مادّة بديعة لنحتها حيث وضع عشرات الأفكار لنحتها منحوتات روليه فرديّة وجماعيّة تعبِّر عن الاِندماج الثّقافي، ينحت وجوه وأشخاص من عدّة دول في مداخل قطارات الأنقاق، ثمّ خرجنا نلقي نظرة في محطَّات القطارات، فكانت محطَّتنا الأولى سوندبيبيري ثمَّ تجوَّلنا بعدّة محطّات، كم كان يفرح عندما كان يتلمَّس جدران الصُّخور البازلتيّة، كأنّه يلمس الذّهب، وخلال أيام وجدته يحصل على عناوين الجهات المتعلّقة بقطارات الأنفاق ومتفرِّعات الجهات الّتي تتعلّق بالفن، وكنتُ أسمعه يتحدّث مع هذه الجهات مطوَّلاً ويحوِّلونه إلى جهات أكثر تخصُّصاً ومسؤوليَّةً، وكان قد فتح ملفَّاً خاصَّاً بهذا الأمر، فقلت له، لماذا أراك متحمِّساً القيام بهكذا مشروع نحتي في قطار الأنفاق؟! لأنَّ هذا المشروع سيخلِّدني وسأترك أثراً لا يُنسى في ستوكهولم إلى الأبد! فقلت له إذاً توافقني الرَّأي لو ركّزتَ وتابعتَ دراساتكَ في الفن، كان أفضل من الطُّب؟ بلا شك، وفعلاً تحليلك صحيح ودقيق يا صبري، لو تابعتُ دراساتي في مجال النَّحت وحصلت على الدّكتوراه في النَّحت من جامعة موسكو أو جامعات الغرب، فكنتُ سأركّز كل إمكانيَّاتي وإبداعاتي في مجال التَّخصُّص الّذي أعشقه، وأمَّا الطُّب فهي مهنة راقية ولكنّها لا تترك أثراً خالداً مباشراً على مرأى من الجميع مثل المنحوتات العملاقة، حتّى أنّه قال أنَّ السُّويد تفتقر للتماثيل الكبيرة في المدن والحدائق مقارنةً بغيرها من العواصم، لهذا أرى ضرورة صناعة تماثيل كبيرة كي تبقى خالدة في قلب المدائن، وما كان طموحه يتوقّف عند المنحوتات الصَّغيرة بل كان يريد صناعة تمثال عملاق، يُرى عن بُعد مئات الأمتار، وأطرف ما في هذه المشاريع المتعلّقة بمنحوتات أنفاق القطارات، أنّه عيّنني مديرَ أعماله، فضحكتُ قائلاً له ولكنَّني لا أفهم في هذه التّخصُّصات النَّحتيّة الَّتي تريد أن تنفِّذها، فقال لي لا يحتاج مدير الأعمال أن يكون متخصِّصاً كي يصبح مدير أعمال، طيّب ماذا سيكون عملي؟! عندما أبدأ بالمشروع وننفذِّه ويصبح قيد التَّنفيذ سنحدِّد ماذا سيكون عملكَ، فقلت له بالحقيقة يا عبد وجدتُ عملاً لي ضمن سياق ما تطمح إليه، فقال ما هو؟ أجبته يستهويني عندما تقوم بتنفيذ هكذا مشروع أن أمسك قلمي وأبدأ بالكتابة، اِبتداءً من إِشراقة الفكرة في ذهنك مروراً بتنفيذك لكلِّ خطوة ومنحوتة وروليه وتمثال تصنعه، وأكتب هذه الفضاءات الفنّيّة وأصوِّر الأعمال وأرفقها في سياق كتاباتي، فقال بهذه الحالة ستكون أروع مدير أعمال للعبد الفقير عبد برصوم! أنا مزعوج جدّاً يا صبري لأنّك كاتب وشاعر ومحرِّر مجلّة السَّلام الدَّوليّة وأنت فقير الحال، من المفروض أن يكون عندك فيلّا راقية كي تستقبل المبدعين والمبدعات ويكون لديك رصيداً كبيراً في البنوك كي تنشر كتبك وتترجمها إلى عدّة لغات وتنشرها بشكلٍ فاخر! رائع يا عبد، ولا تنسَ أيضاً أن تنتشل نفسك أيضاً من الوضع الّذي أنتَ فيه، وتشتري لنفسك أيضاً فيلّا بحيث تدعو صديقك جميل آحو وريمون لحدو وشكري زيرّو وفريد بيطار وفريد مراد وكابي سارة وتوما بيطار وجاك إيليّا، وأنا أقدّمكم في معارض فنِّيّة وشعريّة وإبداعيّة مع بقيّة الأحبّة الأهل والأصدقاء. هذا ممكن أن نحقّقه عندما أنفِّذ المشروع النّحتي الخاص بقطارات الأنفاق ونُصُب التّماثيل العملاقة في قلب العاصمة ستوكهولم، .. عفواً عبد الشّاي عم تغلي، كان يضحك ويقول الشَّاي جاءت في أوانها، وفيما كنتُ أصبُّ له الشّاي، كنتُ أقول له تعرف أفكاركَ خارقة ولكن هل ممكن أن تحقِّقها يوماً ما؟ هذا هدفي ومبتغاي الأخير الَّذي أريد أن أحقِّقه قبل أن أرحل من هذه الحياة، كي أترك ذكرى لكلِّ مَنْ عرفني ويعرفني وسيعرفني بعد رحيلي!
رحل عبد برصوم، النّحات العصامي وصاحب الأفكار المدهشة والطُّموحات اللَّامحدودة، رحل وظلّت مواقفه وأفكاره ورؤاه وآفاق تطلُّعاته الشّاهقة، منقوشة في ذاكرتنا وستبقى في ذاكرة الأجيال القادمة!

3 . 9 . 2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي