الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدى الخطيئة

عقيلة مراجي

2019 / 1 / 9
الادب والفن


قرية بأكملها تتحول إلى خراب، بعد أن أحرقت صواريخ الليزر "HE3"
كل معالم الحياة فيها، وقد أفادت السلطات المختصة أن هذه المحرقة التي تعد
الأولى من نوعها قد قضت على كل سكان القرية...،هذا وقد أفاد المصدر ذاته
أنه لم ينج من هذه المحرقة إلا طفل صغير، كان قد وجد تحت الشجرة في حالة حرجة جدا،
وقد نقل إلى المستشفى أين أدخل العناية المشددة، علما أن الأطباء قد أكدوا أن الفحوصات
الأولية تثبت فقدانه لذاكرته إثر الصدمة....جريدة السلام،ع96، سنة3030م
- آي........
- آي...........
- أو أو.............
- أو أو...............
- هل من أحد هنا؟
- هل من أحد هنا؟
- فليجبني أحدكم !
- فليجبني أحدكم !
ها أنا أسير في الخراب، لا شيء غير الفراغ ورائحة الخطيئة....،يحاورني الصدى ويؤنسني السراب.....،ولا أثر للحياة في قريتي المنسية..... !
مشيت وخلتني أعرف نفسي، أركل الحصى بقدمي ويدي في جيبي، كأني عدت إلى النهاية وانطلقت منها...،بعد كثير من التسكع دخلت البيت الذي أظنني أعرفه أيضا، نعم المكان ذاته، لكن البيت مختلف، شيء فيه يشوه منظره، إنه يبدو مهجورا خاليا من الحياة.......، لكن لا بأس هناك ما يجمعنا رغم هذه الوحشة، كأنه جثة باردة وأنا قلبها، كلانا ميتان، كلانا مرآة لمأساة حدثت هنا ذات يوم،......كان الباب مفتوحا على مصراعيه لأنه لم يكن موجودا أصلا، عندما وطأت عتبته أطللت برأسي إلى الداخل وصرخت بأعلى قوتي ليؤنسني الصدى: هل من أحد هنا؟ كان الصدى مضيافا لبقا فرد علي بسرعة بضاعتي، لم أهتم، .........اصطدمت الخفافيش بوجهي وهي تغادر البيت مذعورة.......، دخلت البيت، عانقتني خيوط العنكبوت بكل حميمية، وغطّاني الغبار المتصاعد بسبب خطواتي، أحيانا كان يتسرب إلى مداخلي التنفسية ..أسعل بقوة فيكتظ المكان ضجيجا، تجولت هنا وهناك أبحث عن أثر للذكرى لكني لم أعثر على نفسي بين كل هذا الحطام، لم يكن هناك وجود لشيء غير جدران تصلي بعضها شبه قائم وبعضها راكع والبعض الآخر خر ساجدا ! لا أبواب، لا نوافد، يبدو أن النيران التهمتها، كثير من الرماد، وسقف على وشك أن ينهار..... !
تساءلت في سذاجة أين ذهب الجميع؟: أمي، أبي، إخوتي، وجيراني، أحسبهم قالوا لي أنهم كانوا يعيشون هنا.....،لا أحد في القرية.......، خرجت من وسط الحطام إلى الخراب وتجولت من جديد في أرجاء المكان الغابر..... رأيت الطير يأكل من رأسها ! ابتسمت.......وعدت إلى السؤال من جديد ترى كيف كانت تبدو قبل ثلاثين سنة، لا بد أنها كانت كجنة سبأ، كان هنالك أصوات كثيرة، ضجيج الحياة يملأها، وهناك أطفال يلعبون ويمرحون، غير مهتمين بما ستفعله بهم الأيام، أتخيل أنه كانت هناك بعض الزهور، وفراشات تحوم بالمكان، المنازل أضواءها مشتعلة في الليل تفوح منها رائحة الطعام، تفوح منها رائحة الحياة وتنتشر في الأرجاء، أتخيل أنه في إحدى البيوت كان هناك فتى مهمل لا يحب حل واجباته المدرسية، لا يحب المدرسة إنه يعشق الحياة مثلي، يريدها ضوضاء وفوضى يخاف من الصمت، ومن الهدوء.....، الهدوء دائما يأتي بالعاصفة...، تخيلت أن هناك امرأة حامل تعد بأصابعها أياما تفصلها عن المخاض، تحلم بمولود ذكر....، يوم المحرقة تفجرت بطنها إلى قطع وصار الجنين رمادا!، تخيلت أن أشعة الشمس كانت تداعب أطراف العجزة المتصلبة وهم يسدون عتبات المنازل، وأنهم كانوا يستمتعون بها تدغدغ آلامهم ، وأنهم كانوا يبتسمون عندما يجترون ذكرياتهم كل يوم وهم يحمون أجسادهم يخافون أن تبرد وأن تموت الذكرى.........تخيلت أنه كان هناك أناس كثيرون في هذه القرية يحلمون ويعملون لأجل أحلامهم لكن الخطيئة قتلت أحلامهم...قتلت الحياة !!!
تابعت المسير نحو الهاوية .......، قررت أن لا أتوقف أبدا الوقوف يتعب رجلي ويزعج ذاكرتي المفقودة....... على إحدى الصخور التقطت عيناي قطعة ورق......،أسرعت إليها رفعتها، قلبتها، نظرت إليها عن كثب...........صفحاتها كانت بالية.....نظرت إلى التاريخ..كان سنة"22يوليو 3030 م" أي قبل ثلاثين سنة من وفاتي !، حاولت أن أبحث في وسط هذا الرفات الذي يتطاير من بين يدي عن حروف تقرأ.....قلبت القطع.........فجأة عثرت على مربع صغير كان قد سلمت بعض كلماته..."قرية بأكملها تتحول إلى خراب، المحرقة أبادت سكان القرية عن باكرة أبيهم، لم يسجل وجود ناجين ما عدا طفل صغير يقبع الآن في العناية المشددة، الطفل فاقد لذاكرته..." هذا ما استطعت لملمته من تلك الكلمات المبعثرة بين القطع....، قلبت قطعة أخرى، وجدت صورة الطفل كانت مشوهة جدا، لكني استطعت أن أتعرف عليها إنه يشبهني ، ابتسمت إنه أنا !...حسنا هو ليس صورة طبق الأصل عني فلنقل أن الزمن غيرني أصبحت أكثر ضخامة....أصبح لي شاربان وعضلات مفتولة وصدر عريض وذاكرة مفقودة... قبضت على الذكرى بسرعة ووضعتها في حقيبتي، وأسرعت أخرج من الخراب بخفي حنين !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب