الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معذرة بغداد

خالد عبدالله

2003 / 3 / 23
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 


كاتب عربي يقيم في وارسو

معذرة بغداد. فأنت لم تعلمي بعد الحقيقة. فأنت ما زلت تظنين بنا خيرا. تتساءلين لم اخوتي لا تلبون النداء، ولم تولون يوم يلتقي الجمعان. تظنين خيرا فترينا في جمعك. لكننا بغداد لم يستزلنا الشيطان كي نولي عن جمعك بل استزلنا كي نعمل خناجرنا في ظهرك. جميل منك بغداد أن تظني أنا ضعفنا عن تلبية ندائك وجفلنا حين اشتد أوار الحرب عن نصرتك. لكن بغداد لم تجفلنا الحرب عن قتالك، ولم تقعدنا عن منازلتك. ما أجمل براءتك حينما لا ترين أنا كنا من الجمع الآخر قبل أن يلتقي بجمعك تدبيرا وتخطيطا وتمويها. وما أرهف براءتك حينما لا ترين الحمم التي تدك بنيانك تخرج من أفواهنا، وحينما لا تصدقين أن القذارات التي ترمى عليك من بطوننا. وكم هي محزنة براءتك حينما تظنين أنا فشلنا حينما تنازعنا في الأمر وعصينا.
ألا ترين بغداد أنا أقوياء عليك بقواعد أولياء أمورنا؟
 ألا تشاهدين تفويضنا أمورنا لجنرالاتهم، وتأجيرنا أراضينا لدبابتهم، وحجزنا سمواتنا لقاذفاتهم؟
ألا ترين بغداد جحافلهم تنطلق من غرف نومنا عبر ثغورك؟
أحقا لا ترين ذلك أم أنك تصطنعين البراءة حتى تخجلينا؟
وكم نتمنى لو أنك تصطنعين البراءة فهو ما يريحنا. نحو لا يقلقنا الخجل فقد بعناه بكراسي مهترئة وبدولارات معدودة. لكن تقتلنا البراءة، فهي تأتينا في أحلامنا فتقض علينا مضاجعنا.

معذرة بغداد، كم بريئة محاولاتك كي نحاول أن نلحق بك. تتصورين أنك بصمودك وفيض عطائك وطفح شجاعتك تخدعينا إلى دربك. كم عظيم أملك فينا وأنت ترين ما فعلنا بأخت لك من قبل. ألم ترين ما آل إليه حال القدس حينما وقفت طودا منيعا تتصدى للوجه الأخر لفرعون هذا العصر. لقد أضعفناها صدا، وأثقلناها طعنا، ونكاد نقضي عليها تآمرا. هل تظنين أنا فعلنا ذلك لأن قلوبنا رجفت ساعة المواجهة، أو لأن العقول تخبلت خوف المنازلة. إن ظننت ذلك فأنت لست إلا كأختك القدس تنضحين براءة. وكأنا بك تظنين أن لنا إليك رجعة، وإلى نصرك عودة. كفي عن هذه السذاجة، فنحن قد استبدلنا شرعتنا بأخرى. لم تعد معاني العز لدينا إلا ألقابا تدوم إن حفظها لنا قيصر العصر، ولم تعد معاني الكرامة إلا أرقام حسابات تديم خيرنا إن رأى أوان ذهابنا. ولن تبقى ألقابنا ولن تدوم خيراتنا إن لم نوردك والقدس موارد الهلاك. لقد خيرنا فاخترنا. فلا تدهشي أنا في الجمع الآخر حينما يلتقي الجمعان. فلا تنادي، فقد أمنا حيطاننا ضد الصدى، ولا تدعينا فلم نعد نسمع إلا أوامر قيصر.

معذرة بغداد، كم بريئة أنت حينما تخوفينا بأن ما يجري لك لن ينقطع عند أبوابك بل سيجري عبر بواباتنا. فمن قال لك أنا لا نعلم ذلك؟ لقد ألزمنا أنفسنا على أن نرى بعيون قيصر، وأن نفكر بعقله، وأن نتكلم بلسانه. ولطالما فعلنا ذلك. أليست قدراتنا الاقتصادية تحت تصرفه، أو من كرم عطائه، أو ليست سياساتنا وقوانينا الاقتصادية من إملاء خبرائه ومنظماته. أليست توجهاتنا السياسية ملك يديه. أفئن جاء وطلب أن نحدث مجتمعاتنا ونستبد ل مناهجنا سنرد له طلبا! وهل تظنين أنا سنظهر مقاومة إن طلب أن تكون اليمن يمنين أو السعودية ثلاثا؟ ألم نعاونه في أن تعود الجمهورية العربية المتحدة إلى سابق وضعها اثنتين بدل واحدة؟ ومن قال إن صغر حجم البلدان ضار؟ لقد كثر أبناء أولياء أمورنا ويحتاجون إلى إقطاعيات جديدة ينصبون عليها ويأخذون الجزية من سكانها وهم صاغرين.

معذرة بغداد، كم بريئة أنت حينما تظنين أننا أحياء، تحاولين أن تدعينا إلى آخرتنا. ألا ترين أن الإحساس قد مات فينا، وأنا لا نملك من أمورنا شيئا؟ تظنين أن كل واحد فينا كافورا مكنه السلطان من حريته، لكننا ويحك أصبحنا بالسلطان كوافيرا. لقد أخصي كافور حين كان عبدا، لكنه استعاد فحولته حينما تمكن من العباد. لكننا بغداد فقدنا فحولتنا حينما طلبنا السلطان. لقد ولى ذلك الزمان حينما كان يعيد السلطان إلى المخصي فحولته، وأشرفنا على زمان مهر السلطان فيه فحولتنا.

معذرة بغداد، كم أنت بريئة حتى حينما تتظاهرين. لا تريدين أن تصدقي أننا في الجمع الآخر وتصري على أن ترينا فرارا معفوة زلاتهم في الإدبار، لكننا لسنا مدبرين عنك بل مقبلين على قتالك. وحينما ترينا في الجمع الآخر ستعرفين حينذاك أن ربنا قد كتب علينا الاستبدال.

معذرة بغداد.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات