الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوة الغاشمة لإسرائيل في غزة

فضيلة يوسف

2019 / 1 / 10
القضية الفلسطينية


يصادف هذا الشهر(كانون أول) الذكرى العاشرة لأول هجوم عسكري كبير على مليوني فلسطيني في قطاع غزة. حولت إسرائيل المنطقة إلى أكبر سجن مفتوح على الأرض بعد انسحابها الأحادي من غزة في عام 2005 ، ومنذ ذلك الحين ، كانت السمتان اللتان تمثلان معاملة إسرائيل لقطاع غزة هما الكذب والأكثر وحشية تجاه المدنيين.
في 27 كانون أول، 2008 ، أطلقت إسرائيل عملية الرصاص المصبوب ، وقصفت القطاع المكتظ بالسكان من الجو والبحر والبر لمدة 22 يومًا. لم تكن حرباً أو حتى "حرباً غير متكافئة" ولكنها كانت مجزرة من جانب واحد. قتل من الإسرائيليين 13 ؛ وبلغ عدد القتلى في قطاع غزة 1417 قتيلاً ، بينهم 313 طفلاً ، وأكثر من 5500 جريح وفقا لأحد التقديرات. كان 83 ٪ من الضحايا من المدنيين. ادعت إسرائيل أنها تتصرف دفاعًا عن النفس وتحمي مدنييها من هجمات حماس الصاروخية. لكن الأدلة تشير إلى حرب عدائية متعمدة وعقابية. كان لدى إسرائيل بديل دبلوماسي ، لكنها اختارت أن تتجاهله وأن تلجأ إلى القوة العسكرية الغاشمة.
في حزيران 2008 ، توسطت مصر في وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس ، حركة المقاومة الإسلامية التي تحكم غزة. وقد دعا الاتفاق الطرفين إلى وقف الأعمال العدائية ، وطلبت من إسرائيل تخفيف الحصار غير القانوني الذي فرضته على قطاع غزة في حزيران 2007 بشكل تدريجي. وقد كان وقف إطلاق النار هذا جيداً إلى حدٍّ كبير - إلى أن انتهكته إسرائيل من خلال غارة في 4 تشرين الثاني قتل فيها ستة مقاتلين من حماس. انخفض المعدل الشهري للصواريخ التي أطلقت من غزة على إسرائيل من 179 في النصف الأول من عام 2008 إلى ثلاثة في الفترة بين حزيران وتشرين أول.

أخبرني Robert Pastor ، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في واشنطن ، عن قصة الفرصة الضائعة لتفادي الحرب ، ومستشارًا كبيرًا حول حل النزاعات في الشرق الأوسط في مؤسسة كارتر غير الحكومية. هذا ما أخبرني به باستور عبر الهاتف وأكده لاحقًا في رسالة إلكترونية إلى الدكتورة ماري إليزابيث كينغ ، وهي شريكة أخرى مقربة من الرئيس كارتر ، في 8 كانون أول 2013 ، أي قبل شهر من وفاة باستور.

التقى باستور ، خالد مشعل ، رئيس المكتب السياسي لحماس ، في دمشق في كانون أول 2008. وقد سلمه مشعل اقتراحاً مكتوباً حول كيفية الحفاظ على وقف إطلاق النار. في الواقع ، كان اقتراحًا لتجديد اتفاقية وقف إطلاق النار في حزيران 2008 بالشروط الأصلية. ثم سافر باستور إلى تل أبيب والتقى بالجنرال المتقاعد الآن عاموس جلعاد ، رئيس مكتب الشؤون السياسية في وزارة الدفاع. ووعد غلعاد بأن ينقل الاقتراح مباشرة إلى وزير الدفاع إيهود باراك ، ومن المتوقع أن يحصل على إجابة في ذلك المساء أو في اليوم التالي. في اليوم التالي ، اتصل باستور بمكتب جلعاد ثلاث مرات ولم يحصل على أي رد. بعد ذلك بوقت قصير ، أطلقت إسرائيل عملية الرصاص المصبوب.
في الرسالة الإلكترونية التي أملاها على ابنه وهو على فراش الموت ، سمح لي باستوربالإعلان عن هذه القصة وتمريرها له ، لأنها "لحظة هامة في التاريخ يجب على إسرائيل أن تتقبلها ، كان لدى إسرائيل بديلاً للحرب في كانون أول 2008". لقد كانت بالفعل لحظة حرجة وأبلغت رسالة واضحة: إذا كان الهدف الحقيقي لإسرائيل حماية مدنييها ، فإن كل ما تحتاج إليه هو اتباع نموذج حماس عن طريق مراقبة وقف إطلاق النار.
وضع سلوك إسرائيل خلال حرب غزة الأولى تحت عدسة لا هوادة فيها من قبل بعثة تقصي الحقائق المستقلة التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة برئاسة ريتشارد غولدستون ، القاضي الجنوب أفريقي البارز الذي تصادف أنه يهودي وصهيوني. وجد غولدستون وفريقه أن كل من حماس وقوات الدفاع الإسرائيلية قد ارتكبا انتهاكات لقوانين الحرب عن طريق إيذاء المدنيين عمداً. تلقى جيش الدفاع الإسرائيلي نقداً لاذعاً وأكثر قسوة من حماس بسبب خطورة انتهاكاته ومداها الواسع .
قام فريق غولدستون بالتحقيق في 36 حادثة تورط فيها الجيش الإسرائيلي. وقد عثر على 11 حادثة شن خلالها الجنود الإسرائيليون هجمات مباشرة ضد المدنيين كان لها نتائج قاتلة. في سبعة من الحوادث تم إجبار المدنيين على ترك منازلهم وهم يلوحون بالأعلام البيضاء ثم إطلاق النار عليهم ؛ وهجوم "مباشر ومقصود" على أحد المستشفيات ؛ والعديد من الحوادث التي منعت فيها سيارات الإسعاف من الوصول إلى المصابين بجروح خطيرة ؛ وتسع هجمات على البنية التحتية المدنية التي لا يوجد لها أي أهمية عسكرية ، مثل مطاحن الدقيق ، ومياه الصرف الصحي ، وآبار المياه - كل ذلك جزء من حملة لحرمان المدنيين من الضروريات الأساسية. وحسب تعبير التقرير ، فإن الكثير من هذا الضرر الواسع النطاق "لم يكن مبررا بالضرورة العسكرية ونفذ بشكل غير قانوني وبطريقة عدوانية".
وفي الختام ، أشار التقرير المكون من 575 صفحة إلى أنه في حين سعت الحكومة الإسرائيلية لتصوير عملياتها باعتبارها رداً على الهجمات الصاروخية وممارسة الحق في الدفاع عن النفس ، "فإن البعثة نفسها تعتبر أن الخطة موجهة ، ولها هدف مختلف على الأقل جزئيا:
خلصت البعثة إلى أن ما حدث في أكثر من ثلاثة أسابيع في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009 كان هجومًا غير متناسب بشكل متعمد يهدف إلى معاقبة السكان المدنيين (أهل غزة جميعهم) وإذلالهم وترويعهم ، والتقليل بشكل كبير من قدراتهم الاقتصادية المحلية على العمل وتوفير مصادر الرزق لهم ، وأن يجبروهم على الشعور المتزايد بالاعتمادية والضعف. "
ويؤكد التقرير أن العملية كانت تهدف إلى "إرهاب السكان المدنيين". والإرهاب هو استخدام القوة ضد المدنيين لأغراض سياسية. بهذا التعريف كانت عملية الرصاص المصبوب من أعمال إرهاب الدولة. كان الهدف السياسي هو إجبار السكان على نبذ حماس ، التي فازت بأغلبية واضحة في انتخابات كانون ثاني 2006.
إن عملية الرصاص المصبوب هي رمز لكل ما هو خطأ في نهج إسرائيل تجاه غزة. الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو صراع سياسي لا يوجد حل عسكري له. ومع ذلك ، تستمر إسرائيل في إبعاد الدبلوماسية والاعتماد على القوة العسكرية الغاشمة - وليس كملاذ أخير ولكن كملاذ أول. القوة هي :الإعدادات الافتراضية (default setting). وهناك قول إسرائيلي مشهور يرافقه: "إذا لم تنجح القوة ، فاستخدم المزيد من القوة!"
كانت عملية "الرصاص المصبوب" هي الأولى في سلسلة من الحروب الإسرائيلية الصغيرة على غزة. تبعتها عملية "عمود السحاب " في تشرين الثاني 2012 وعملية "الجرف الواقي" في صيف عام 2014. وأُعطيت لهذه العمليات الاحتيالية أسماء فاخرة ، والحقيقة أن اسرائيل قامت بشن هجمات وحشية على المدنيين العزل والبنية التحتية المدنية بادعاء الدفاع عن النفس. وهي مثال نموذجي عن الكلام المزدوج (Orwellian double-speak). وقد وصف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الهجوم الإسرائيلي في 1 آب 2014 على رفح ، الذي قُتل فيه عدد كبير من المدنيين الذين لجأوا إلى مدارس الأمم المتحدة ، "بالفضيحة الأخلاقية والعمل الإجرامي". وينطبق هذا الوصف على سياسة إسرائيل الكاملة في شن الحرب على نزلاء سجن غزة.
يتحدث الجنرالات الإسرائيليون عن توغلاتهم العسكرية المتكررة في غزة بأنها عملية "جز العشب". هذه الاستعارة المنطقية تنطوي على مهمة يجب القيام بها بانتظام وبشكل آلي ودون نهاية. كما تشير إلى الذبح العشوائي للمدنيين وإلحاق الضرر بالبنى التحتية المدنية التي تحتاج إلى عدة سنوات لإصلاحها.
إن "جز العشب" هو تعبير مبتذل يقدم دليلا على الهدف الأعمق وراء تخلي إسرائيل المستمر عن الدبلوماسية ، واللجوء المتكرر إلى القوة العسكرية الغاشمة ردا على كل مظاهر المقاومة المشروعة والاحتجاج السلمي على حدودها الجنوبية. في ظل هذا النموذج القاتم ، لا يمكن أن يكون هناك حل سياسي دائم: فالحرب القادمة هي دائماً مسألة وقت.
مترجم
Avi Shlaim.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في


.. التوتر يطال عددا من الجامعات الأمريكية على خلفية التضامن مع




.. لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريبات للبحرية


.. اليوم 200 من حرب غزة.. حصيلة القتلى ترتفع وقصف يطال مناطق مت




.. سوناك يعتزم تقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا| #الظهي