الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليونان ستتحول الى مرتكز اقتصادي عالمي لروسيا

جورج حداد

2019 / 1 / 10
العولمة وتطورات العالم المعاصر


إعداد: جورج حداد*


في مطلع عام 2015، وفي جو من التوتر الداخلي الشديد بسبب سياسة التقشف القاسية التي فرضتها حكومة ساماراس اليمينية السابقة على الشعب اليوناني، فاز بالانتخابات النيابية اليسار الراديكالي اليوناني، بالتعاون مع الحزب الاورثوذوكسي القومي، وشكل الحزبان حكومة يسارية ائتلافية برئاسة الكسيس تسيبراس زعيم حزب سيريزا. ووعد تسيبراس بوقف سياسة التقشف وبأنه ستجري مفاوضات عقلانية مع الدائنين للخروج من الازمة الاقتصادية الخانقة في اليونان. وفي تلك الاجواء الضاغطة قام رئيس الوزراء الجديد تسيبراس بزيارة الى موسكو واجتمع بالرئيس بوتين طلبا للمساعدة. ولكن بوتين اجابه ان روسيا لن تنضم الى نادي الدائنين، ولن تقدم المساعدات والقروض المالية لليونان ولو بفوائد منخفضة، وانها ـ اي روسيا ـ يمكن ان تساعد اليونان فقط عن طريق التوظيفات للنهوض بالاقتصاد اليوناني وتطوير البنية التحتية والانتاج وخلق فرص عمل عن هذا الطريق. وعاد تسيبراس الى اليونان دون ان يحصل على اي قرض او مساعدة مالية. واضطر الى تبني برنامج تقشف مخفف. الا انه واجه معارضة عنيفة ولا سيما من قبل المتقاعدين والعاطلين عن العمل وقامت المظاهرات والاضرابات ضده. وفي تلك الاثناء جرت الانتخابات الرئاسية التركية، ونشرت الصحف التركية الموالية للسلطة ما سمته خريطة تركيا الكبرى التي كانت تضم قبرص وكل اليونان ومقدونيا وصربيا وجنوب بلغاريا، كما رفع رجب طيب اردوغان شعار "يجب ان نستعيد اراضي اجدادنا العثمانيين". وصار من الواضح ان اليونان تواجه ليس فقط خطر الفوضى الداخلية، بل ايضا خطر المطامع التركية.
ولكن في تلك المرحلة جرى تطور اقتصادي جيوستراتيجي بالغ الاهمية في الاقليم، وهو اتفاق روسيا وتركيا على مشروع تمديد انبوب الغاز المسمى "السيل التركي" من روسيا الى تركيا عبر اعماق البحر الاسود، والهادف الى تأمين حاجات تركيا والى توزيع الغاز الروسي في اوروبا الشرقية والجنوبية. وبناء لطلب الرئيس بوتين وافق الرئيس اردوغان على ان يمر الانبوب ترانزيت في الاراضي التركية، وتحصل تركيا على كامل حقوقها من رسوم الترانزيت، ولكن محطات الترمينال لتوزيع الغاز على مختلف البلدان ان تقام في اليونان. وتعمل محطة الترمينال لاعادة الغاز الطبيعي المسال (LGN) الى حالة الغاز الجاهزة للاستعمال regasification، ومن ثم ضخها للمستهلكين حسب الكميات المتفق عليها. وقد تم انشاء اول محطة ترمينال وهي محطة بحرية عائمة قرب مدينة الكنسدروبوليس على بحر ايجه بعيدا 750 كلم عن العاصمة اثينا. والقدرة الانتاجية الحالية لهذه المحطة هي 5 مليارات متر مكعب سنويا قابلة للزيادة الى 8 مليارات في الحالات القصوى. وتم انشاء المحطة بالمشاركة بين رساميل روسية وايطالية وفرنسية وغيرها، ويحتفظ الرأسمال الروسي من شركة "غازبروم" العملاقة بنسبة تزيد على 50%. ومبدئيا يمكن لمحطة الترمينال المذكورة ان تستقبل الغاز المسال الطبيعي (LGN) من مختلف المصادر من الشرق الاوسط واذربيجان واميركا، ولكن شغلها الرئيسي سيكون بالغاز الروسي، الذي لا يستطيع اي مصدر آخر مزاحمته ان لجهة السعر الرخيص او لجهة القدرة على تلبية الطلبات في الاوقات المحددة. وحتى الان يوجد طلبات من 20 شركة توزيع اوروبية ويبلغ اجمالي الطلبات اكثر من 15 مليار متر مكعب وهو اكثر من قدرة هذه المحطة الترمينال على الاستيعاب. وتخطط روسيا لتحويل اليونان الى مدخل رئيسي لتوزيع الغاز الروسي على اوروبا، وستقوم شركة "غازبروم" بالمشاركة مع رساميل فرنسية وايطالية واوروبية اخرى، وطبعا بمشاركة رئيسية من اليونان، ببناء عشرات محطات الترمينال لتوزيع الغاز الروسي من اليونان. وطبعا ان تركيا سيكون لها فائدة كبرى من هذه الخطة لانها ستستفيد بمبالغ خيالية من رسوم الترانزيت وكذلك من فتح مشاريع روسية كبرى اخرى لتركيا.
ولا شك ان الفوائد الكبرى التي ستجنيها اليونان ستساعدها على الخروج من ازمتها الاقتصادية الراهنة وعلى تحريك عجلة الاقتصاد اليوناني بشكل لا سابق له.
وفي رأينا المتواضع ان روسيا تخطط للمشاركة مع اليونان في تطوير صناعة السياحة في اليونان وصناعة النقل البحري التي هي من التقاليد العريقة لليونان. ومئات الجزر المأهولة وغير المأهولة في بحر ايجه الهادئ هي صالحة للتحول الى مرفأ لا مثيل له تقام فيه الاف العنابر ويأوي الاف السفن في وقت واحد، لنقل البضائع من والى جميع انحاء العالم.
ان السياسة التي تنتهجها روسيا تجاه اليونان حاليا تقوم على الاسس التالية:
ـ1ـ تقديم مساعدة حقيقية للشعب اليوناني الشقيق الذي تربطه بالشعب الروسي رابطة تاريخية روحية ـ حضارية عميقة هي الرابطة الاورثوذوكسية.
ـ2ـ ربط مصالح كبرى بين تركيا واليونان مما يساعد البلدين على عدم التصعيد العدائي بينهما وتشجيع الطرفين على العمل لحل الخلافات التاريخية والحالية بينهما بطرق سلمية وبدون الانجرار الى نزاعات يخسر فيها الجميع وتهدد الامن الدولي.
ـ3ـ العمل لحل النزاع القبرصي وايجاد صيغة فيديرالية او كونفيديرالية يرضى بها الجميع لاعادة توحيد الجزيرة، والاستفادة من القدرات الهائلة لروسيا والتعاون بينها وبين قبرص واليونان وتركيا في موضوع استخراج النفط والغاز من شرقي المتوسط.
ـ4ـ تحويل عضوية تركيا واليونان في حلف الناتو الى "نصوص ميتة"، ورفع المكانة الاقتصادية والجيوبوليتيكية والجيوستراتيجية لتركيا واليونان في اوروبا والعالم قاطبة، وتحويلهما الى جسر صداقة وتعاون واسع النطاق بين روسيا واوربا لمصلحة جميع شعوب العالم والسلم العالمي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن أسقاط 4 صواريخ -أتاكمس- فوق أراضي القرم


.. تجاذبات سياسية في إسرائيل حول الموقف من صفقة التهدئة واجتياح




.. مصادر دبلوماسية تكشف التوصيات الختامية لقمة دول منظمة التعاو


.. قائد سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: النصر في إعادة ا




.. مصطفى البرغوثي: أمريكا تعلم أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدف حر