الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
كرهت أستاذي.. والسبب ناصر
مصطفى مجدي الجمال
2019 / 1 / 14سيرة ذاتية
في سنوات الطفولة كنت كأبناء جيلي نقول لبعضنا ”تبقى ابن جمال عبد الناصر لو فعلت كذا...“.. لم نكن نرى غيره.. كان كل شيء تقريبًا يبدأ من عنده وينتهي عنده..
لكنني كنت أتعجب حينما أسمع خالي يمجد في ”النحاس“ زعيم الوفد.. فبدا لي هذا من عجائب الدنيا، ومع ذلك لم أتداول هذا السر مع أحد خارج الأسرة.. ربما خوفًا أو خجلاً.. وعندما كبرت علمت أن خالي الذي ظل متمسكًا بلبس الطربوش لفترة طويلة، كان على علاقة قوية بإبراهيم عبد الهادي باشا وشقيقه علي بك المليجي.. بسبب الانتماء المشترك إلى الزرقا (في منتصف الطريق بين المنصورة ودمياط)، وبسبب التشارك معهما في شركة لسيارات النقل انفضت فيما بعد.. ويبدو أن خالي لم يكن يرى بديلاً لعبد الناصر وقتها سوى في الوفد رغم أنه كان متناقضًا تناقضًا عنيفًا مع إبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء الحديدي الذي قمع الإخوان..
بالطبع كان أبي من أنصار عبد الناصر لأبعد حد.. ورأيت الحزن في عينيه يوم خطب عبد الناصر بعد الانفصال وحل الجمهورية العربية المتحدة.. بينما عندما أعلن عبد الناصر ”القرارات الاشتراكية“ سمعت أبي قليل الكلام يهتف ”ينصر دينك“!!
تلك كانت من الحالات النادرة جدًا التي اصطدمت فيها بمقربين لا يحبون الزعيم.. ولكن منذ منتصف الستينيات بدأنا نسمع الهمهمات عن صلاح نصر الذي يرسل الرجال إلى ما وراء الشمس.. وعن عبد الحكيم عامر وزمرته الملاحقة للفنانات، وعنه أيضًا وعن السادات مدمنيّ المخدرات.. بل أخذت تتسرب إلى غناء الأطفال في الشوارع تحريفات للأناشيد الوطنية (وأظن أن هذا لم يكن تلقائيًا أبدًا) فبدلاً من ”بطل الثورة يا جمال“ كان الغناء ”بطل السلطة يابتنجان“، و“الثوار جزمة بكعب“ بدلاً من ”الثوار هم الشعب“.. وكان هذا محل استهجان كبير.. ولكنهم كانوا أطفالاً يتم نهرهم أو تجاهلهم سيان..
لكن الهمهات أضحت أكثر صراحة وسخرية بعد هزيمة 67 وهو أمر طبيعي في واقع الحال وقتذاك.. غير أن قصتي مع مدرس اللغة العربية قد جرحت براءتي تمامًا.. وجعلتني أشعر بالغل للمرة الأولى، وبالحيرة أيضًا..
كنت قد جازت الخامسة عشرة بقليل.. وكان المدرس المذكور من أكثر المدرسين إخلاصًا وذكاءً في مهنته.. وقد منحني بالمقابل تكريمًا بالغًا بين أقراني.. خصوصًا حينما عارضت مفتش اللغة العربية في إعرابه بيت شعر للحطيئة لا أنساه وشكرني المفتش على التصحيح:
هيا رباه ضيفٌ ولا قِرَى.. وحقك لا تحرمْهُ تالليلة اللحما
أرجو ألا تعتبر هذا مدحًا من شخصي لشخصي، وإنما هو من لوازم الحكي..
كما كان الأستاذ محمد (وكنا أيامها ننادي المدرس بـ ”يابيه“ (بك)) يفتخر بموضوعات الإنشاء التي أكتبها، ويسألني بدقة كي يتأكد من أنني قرأت بالفعل العبارات التي أستشهد بها في التعبير.. وفي يوم ما مر بجانبي ليصعق فيما أظن حينما رأى مجلة ”الطليعة“ (الماركسية) فوق الدرج.. لكنه اكتفى برفع حاجبيه ولم يعلق بكلمة.. غير أنه تحدث بعد ذلك عن أهمية أن نقرأ ما يلائم سننا..
كانت الصدمة الأولى في اليوم التالي لإعلان عبد الناصر ”بيان 30 مارس“ الذي تحدث فيه عن بناء الدولة العصرية وتصفية ”مراكز القوى“.. فقال الأستاذ محمد ”طنطنة لا تبني الأمة الإسلامية“.. فشعرت بغصة لكنها مرت.. وفي يوم آخر أثناء انعقاد المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي (التنظيم السياسي الوحيد).. سأله تلميذ عن واقعة في المؤتمر لا أذكرها فأجاب: ”إنهم قوم من المنافقين ورئيسهم قاطع طريق“!!
صكت العبارة روحي قبل أذنيّ وشعرت بالدم يفور في شراييني واحمرت أذناي.. وجدت نفسي أنظر إليه نظرة هائلة بشذر.. حتى أنني أحسست كما لو كان قد ارتعب منها.. ولم لا فوشاية صغيرة من تلميذ كانت كفيلة بإيذائه إيذاءً كبيرًا.. فكرت للحظة في مناقشته لكنني آثرت عدم إحراجه وحتى لا يصبح النقاش قصة يتداولها التلاميذ فيقع ما لا أحب..
لكن تلك الجملة وضعت حاجزًا كبيرًا في نفسي وشعرت أنني بدأت أكرهه في أعماقي.. وأخذ الأستاذ يتبادل النظرات الواجلة مع تلميذه (أظن هذا) وطفق هو الآخر لا يوجه إلى أي سؤال أو حديث.. قطيعة تامة صامتة.. وفي المرات القليلة التي اضطر فيها لسؤالي أو "تسميع" أحد النصوص حينما يأتي عليّ الدور كان يقول على الفور "طبعًا أنت عارف الإجابة.. اللي بعده يقول"..
وهكذا بدأ الانتماء السياسي يزرع الكراهية في نفسي لأعداء الثورة والتقدم.. ويرسخ فكرة أن المشاعر الشخصية ليست الأساس في المواقف..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. هل يحقق حزب الله تغييرا جذريا أم يجبر إسرائيل على احتلال منا
.. 29 شهيدا جراء القصف الإسرائيلي على مناطق متفرقة من قطاع غزة
.. غارات جوية روسية على مدينة إدلب السورية
.. انطلاق المرحلة الثانية من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة
.. مظاهرة في هولندا تطالب بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيل