الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة تحليلية لنصوص (جسدها في الحمام) لابتهال بليبل

أحمد الشطري
شاعر وناقد

(Ahmed Alshtry)

2019 / 1 / 14
الادب والفن


في كتابها الصادر عن منشورات أحمد المالكي 2018 بعنوان (جسدها في الحمام)، تقدم لنا ابتهال بليبل مجموعة نصوص ربما يصعب تجنيسها، فهي تقترب من نسق الشعرية بقدر اقترابها من النسق السردي، وهي تتسامى حينا في فضاء اللغة الشعرية ثم ما تلبث ان تعود حينا آخر ؛لتقترب من لغة النثر المحض، هو اسلوب في التعبير يكاد ان يكون طريقا خاصا، او فضاء منفردا تحلق فيه الكاتبة، اسلوب يمتلك الجماليات المحرضة على المتعة، والدهشة، والاغراء .
ولعل اولى الاغراءات التي يقدمها الكتاب، هي من خلال عتبته النصية . فمفردة (جسدها) بما ترسمه في مخيلة المتلقي من صورة اغوائية محفزة للبحث عن ماهية، وكينونة ذلك الجسد الانثوي المتجرد، وفقا للتوقع الدلالي لمفردة (الحمام) في بعدها الايروتيكي المعزَّز بما تقترحه لوحة الغلاف على المخيلة المتحفزة لمتعة الكشف المنتظر. غير أن تلك المخيلة ما ان تدخل الى فضاء الكتاب( الحمام) حتى تكتشف ان ذلك الجسد العاري، هو عبارة عن نصوص تنكشف عن انثيال فكري، وعاطفي اكثر ابهارا من ذلك الجسد المتخيل. بل ان عيني المتلقي المتوثبتان ستصطدمان بمنظر هلامي للجسد، او جسد روحي في لحظة تعرٍ تطهيري في اروقة ذلك الحمام، الذي هو عبارة عن اوراق احتضنته في لحظة الاغتسال بالبوح فوق سطورها، تاركا ما تراكم فوقها من حبر؛ ليرسم كلمات تعبق بروائح متعددة: روائح الشوق، والحزن، والالم، والسعادة، والدهشة، والذكريات،... وغيرها من الروائح التي اصطفت مثل عصافير على شجرة مورقة. اذن هي تقدم لوحة اغرائية بشكل مختلف، او هو نوع من ( التمثل اليليثي).
في نص حمل عنوان الكتاب نقرأ:
(وأنا احملني مثل آلهة بارﭬاتي، مبتسمة دوما في وجه الهزيمة.
أحيانا.. أفكر في خلوة الحمام، ستراها مثل فزعي المضحك) ص 14
(أجد الحمام ضرورة لتحرير دموعك المحبوسة) ص19
اذن لم يكن الحمام سوى دلالة رمزية للحظات الاختلاء بالنفس، والتفرد بها، وتعريتها، وتطهيرها من مشاعر الضعف، والانكسار.
في (جوارب، واحذية بكعوب عالية) تقدم لنا ابتهال بليبل نصا سرديا يزدحم بالكثير من الجمل الشعرية.
( أتأمل خلسة الفراغ الذي يحيط بامرأة تدور بزينتها
تجمع صوتك من وحدتها المنتظرة. حين تمضي ولا تلتفت.) ص89
بينما قبل ذلك كانت تتحدث بأسلوب سردي:
( ارى فردة حذاء تحت الكرسي، حيث الفوضى على الارضية، جوارب شفافة ممزقة، وساعة فضية على طاولة المطبخ، قبالة النافذة، لست واثقة من معرفة التي كانت هنا ليلة البارحة).ص 88
ويبدو لي ان الكاتبة تحاول ان توظف تقنية تداخل الاجناس في نصوصها؛ لكي تمنح افكارها، ومشاعرها حرية الانسكاب، والتشكل.
ولعل من الميزات الملفتة في نصوص( جسدها في الحمام)، هو هذا التدفق العفوي المتحرر من رقابة الخوف من الانكشاف التام للخصوصيات الذاتية للمرأة. فهي تقدم لنا نصا انثويا متحررا، تتمظهر فيه المشاعر، والاحاسيس من خلال تفاعلاتها، وانفعالاتها مع الاشياء، والمواقف، فهي توظف الاشياء القريبة منها، و التي تستخدمها في حياتها اليومية داخل النصوص، وتنقلها من استخدامها الواقعي الرتيب الى استخدام جمالي متخيل، او مقترح.( انه جسدها اذ تدخل الى غرفتها، وتسمح له ان يجوفها مثل بطاطس يفرغها من اللب بحفارة يدوية) ص 148.
وحتى في اغلب المتعاليات النصية نلمح هذا الاصرار على توظيف الأشياء التي تلتصق بيوميات المرأة، وحياتها( المقص كائن مفترس، جسدها في الحمام، عطر يؤجج خيالك، كوافير..هابيتوس الانثى...ألخ)، ولعلها في ذلك تحاول ان تبتعد عن دائرة ما يمكن ان يوصف بالنصوص الذكورية للنساء اللواتي دخلن عالم الكتابة. وخاصة في الساحة الادبية العراقية.
ومما يلاحظ ايضا في نصوص الكاتبة انها تنقل تفاعلاتها الذاتية مع مشاهداتها سواء للأفلام، او الاماكن، او الكتب التي تقرأها؛ لتوظفها كدلالة رمزية لما تريد ان تعبر عنه، ففي نص ( عطر يؤجج خيالك) تجعل من العطر محورا لنصها مستلهمة ذلك من قصة ( العطر) لباتريك زوسكيد بل انها تشبه نفسها ببطل تلك الرواية:
(الآن أجدني مثل ‘‘ غرونوي‘‘ الذي كان يسيطر عليه الخوف ان تضيع منه الى الابد) ص50
(الايطالي جورج مايكل لقد دخل احلامي.. لقد كنت الصق صوره على المرايا، وعلى باب خزانتي، واتخيل كلمات اغنيته) ص 134
اذن هي تتعامل مع الاشياء التي حولها بتفاعل تام، وتترك لذاكرتها التي التقطت صورا لتلك الاشياء حرية لصقها في قطعة النص مثلما يفعل فنانو الكولاج، واذا كان فن الكولاج يعتمد كليا على عملية اللصق، وصناعة لوحة من مقتنيات مختلفة قد لا تكون من صنع الفنان ذاته، فان صور ابتهال بليبل ملتقطة بكامرة عيونها، ومشكلة بالوان حروفها، فهو اذن كولاج نصي لا يتفق مع ذلك الفن الا بتنسيق صور الاشياء في لوحة ذات مدلولات تختلف عما كانت عليه.
ان الاشارة لبعض جماليات نصوص (جسدها في الحمام)، هي ليست سوى فنارات، قد يجد المبحر في تلك النصوص جانبا ارشاديا يستضئ به للوقوف عندها، اوقد يهملها؛ ليبحث عن مرسى لم يعثر عليه بحار قبله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع