الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[16]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 14
الادب والفن


رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

16. ما معنى أن يكون المبدعُ اليوم متصوّفاً، وكيف تريْنَ نفسكِ كأديبة صوفيّة في زمنِ مواقع التّواصل الاجتماعي؟

د. أسماء غريب

هذا سؤال كثيراً ما أطرحُه على نفسي، وإنّي لأجدُ فيه أكثر من إشكاليّة يجبُ التَّوقف عندها مليّاً، وسأبدأ بصفة الصّوفي وأتْبِعُها الحديثَ عن المُبدع المتصوّف، ثمَّ أختمها بالكلامِ عن علاقة هذا الأخير بمواقع التَّواصل الاجتماعي.

بالنّسبة لصفة الصّوفي وسأتحدّثُ هنا بصيغة التّأنيث، ما دمتُ أنا المعنية بالأمر، والسُّؤال موجّهاً إليّ، فإنَّ الفتاةَ أو المرأة الصّوفيّة كانت ولم تزلْ حبيسةَ عُنجُهيّة المخيال الذّكوريّ المتسلّط الّذي لا يتعاملُ معها إلّا من موقعها الأنثويّ لا الإنسانيّ أبداً، ولمْ تسلمْ منهُ حتّى رابعة العدوية نفسها! وإنّني لا أستطيع أن أغفرَ لليوم ما ارتكبتْهُ في حقّها السِّينما المصريّة من تشويهٍ حينما أنتجت فيلماً كاملاً عنها يُصَوّرها ويُجسّدُ تجربتها بطريقةٍ سطحيّة تافهة يشمئزُّ منها كلّ عقل سليم ورصين. لقد رفضتُ هذا النّتاج الفنّي عنها منذُ سنواتِ مراهقتي الأولى جملةً وتفصيلاً، وتعاملتُ معهُ بمثل تعامُلِ الخالقِ عزّ شأنُه وجلّ ثناؤه حينما قال الجهلاءُ في حقّه إنّ الملائكةَ بَناتُهُ! وهو الأمرُ الّذي ردَّ عليهِ قائلاً: ((أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ، تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ)) (النّجم: 21-22). ولرُبَّ سائلٍ يقولُ وما علاقة هذا بذاك، فأقول: ما لكُم كيف تحكمون، أحينما يرغبُ الرّجلُ منكُم باتّخاذ خليلةٍ لقلبه وروحه، يحرصُ كلّ الحرصِ على أن تكونَ ذاتَ عفاف وطهر وحشمة وحياء، وحينما تتحدّثون عن "خليلات" الله، تتخيّلونهنّ كافّة منْ خرّيجاتِ الملاهي اللّيليّة والحانات، راقصاتٍ مُعَرْبدات مُنْحلّاتٍ في كلّ شيء؟! ما هذه المفارقة الغريبة العجيبة؟ وهل كانت رابعة يا ترى كما صوّرتها السِّينما المصريّة بتلك الطّريقة السّاقطة، باعتبار أنّها لمْ تتُبْ أو لم يتعرّف إليها وعليها اللهُ إلّا بعد أن جرّبت حياة السّقوط والمُجون؟ إنَّ منْ يعرفُ البصرةَ وتاريخَها، وأرضَ العراق وترابَها النّقيّ، يعرفُ جيّداً مَنْ كانت وتكونُ رابعة: إنّها العفافُ والطّهر منذ البداية. ولا أريد هنا أن أسمعَ أحداً منكم يقول لي: وهذا لا يمنعُ منْ أن يدخلَ الخطّاؤون إلى ملكوت الله. لأنّني سأجيبه وأقول: لم تكن مريم خطّاءة، ولا سارة ولا إليصابيت، ولا خديجة ولا فاطمة ولا آسية، ولا رابعة، ولا حتّى مريم المجدليّة، وكذلك "خليلات" الله اللَّائي أتيْنَ وسيأتينَ من بعدهنّ. وانتبهوا جيّداً إلى لَقَبِ "الخليلات"، فحتّى هذا حُرمتْ منه المرأة، وأعطيَ للرّجل فقط.

والملكوت درجات، وفيه الغرفة العليا، وفيه المقام المحمود، وفيه مقام الوسيلة والشَّفاعة، وفيه وفيهِ، ولكلِّ مقام، والخطّاؤون بعد التوبة يلجونه ويفوزون بأعلى درجات القُرب والخلّة، هذا أمر لا شكّ فيه أبداً، لكن لا بدّ من التّصحيح والتّصويب فقط في بعض المفاهيم حتّى لا تبقى مُضبّبةً ومُعمّمة على كلّ الحالات والصّفات.

وكما الأمس، لم ينلِ الفتاةَ الصّوفيّة من الرّجل اليومَ سوى نظرته الدّونيّة لها: إنّها خادمةُ المعبد، وخادمة العارف "الواصل"، وليس لها الحقّ في القيادة العرفانيّة أبداً، فمازلنا في عهد "نظام" معشوقة ابن عربي، وعهد "بياتريس" فاتنة دانتي، وعهد "الحور العين" اللَّائي من أجلهنّ فقدَ الرّجل "العابد" صوابَه. ومازالتِ القصائد "العرفانيّة" تضجُّ بصورة الأنثى كرمز إلى "الله"، ويُلْجَأُ إليها كحيلة لتمرير العديد من الصّور والمكبوتات: لا، أيّها السّادة الأفاضل الكرام؛ استيقظوا فـ "الله" ليس بأنثاكُم، ولا يتجلّى في جمال المرأة فقط. نعم إنّه ربّ الجمال وربّ الأنثى السَّاحرة الفاتنة الخلَّابة شكلاً وروحاً، لكنّه ليسها هيَ وحدَها فقط.

حينما تظهرُ الفتاةُ العارفة إلى الوجود بغضّ النّظر عن الانتماء الدّيني أو العرقيّ، فإنّه يتبعُها كلّ ذباب الأرض: الكلّ يريدُها ويشتهيها، ولا يعرفون أنّهم هكذا ربّما عن قصد أو بدون نيّة مبيّتة يريدون الإطاحةَ بعرشها، ونسفهِ من الجذور: لا أحدَ يتحمّلُ أن يرى صورة خليلة الله على الأرض، لا أحدَ يقوى على النّظر في وجه الشَّمس: ولتتذكّروا، لقدْ نعتوا مريمَ بالزّانية، ومازالوا لليوم يحقدون على ابنها: إنّه المخيال الجَماعيّ المريض، الّذي يريدُ أن يحملَ كلّ شيء بِكرٍ إلى سرير قذارة الرّوح، ليُفرغَ فيه أمراضَهُ العصيّة. لذا فإنّ العارفةَ الحقّة تأنفُ منْ أن ينعتَها أحدٌ بهذه الصِّفة، وأنا كذلك لا أحبُّ أن ينعتنِي أحد بالعارفة أو الصّوفيّة، وأقول اليوم كما قالتْ مريمُ ذات محنة (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيّاً) (مريم:23): هو الخلاصُ هذا النّسيُ المنسيّ في زمن أصبح فيه الكلُّ يتسابق على لقبِ العارفِ بشكل يدعو للغثيان والاشمئزاز، ويتبارزون عليهِ كالدّيَكة في كلّ المحافلِ والمنصّات بين مشعوذين وسَحرة وأدعياء ومهرّجين.

أمّا عن إشكاليّة إذا كانت المرأةُ الصّوفيّة مبدعةً، فهذه طامّة أخرى: لأنّها ستجدُ من سيتآمر ضدّها، ولنْ يصحَّ إلّا الصّحيح، ومهما طال زمن المِحن والاختبارات فلا بدّ لحرفها أن ينتصرَ ويتوهّجَ كلّ يومٍ أكثرَ فأكثرَ.

بقيتْ قضيّة مواقع التَّواصل الاجتماعي: هذه أمرها بسيط، وأتعامل معها بالمنطق والحكمة والمعرفة، وكما أحرص على صيانة روحي من توارد الخواطر والهواجس والتَّمثّلاث غير المحمودة، فإنِّي أفعلُ الشّيءَ نفسَه حينما أكون على "الفيسبوك" مثلاً: أحظرُ كلّ شيء من شأنه أنْ يكدّر صفوي. ولا شيء يزعجني أكثر من فضول البشر!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستايل توك مع شيرين حمدي - لقاء مع الفنانة علا رشدي وحديث خاص


.. -ليست حرب بل إبادة-.. فنان مصري يشارك شهادة جراح أمريكي عاد




.. طلاق الفنانة نيللي كريم من لاعب الإسكواش هشام عاشور


.. الفنانة جميلة عوض تحتفل بزفافها على المونتير أحمد حافظ




.. السعودي حمود والد يكشف لصباح العربية سر محبته للثقافة السودا