الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بالتأكيد ما رح تظبط

مفيد عيسى أحمد

2006 / 4 / 18
الصحافة والاعلام


قبل النشرة الأخبارية الرئيسية للتلفزيون السوري بدقائق تستطيع مشاهدتهما،( توقيت مناسب و ضربة معلم ) هذا إذا رغيت برؤية التلفزيون السوري، أو إذا ( استطعت أن تلتقط البث لتلفزيون ينافس إعلامياً و حريص على الوصول إلى كل بقاع وزوايا البلد و لكن حتى في قدسيا إحدى ضواحي دمشق ، مقابل برج البث الرئيسي لا تستطيع التقاط البث بشكل صاف ).
يرتاح أولئك البؤساء برؤيتهما، فهما مثلهم تمثيلاً على الأقل، ( تنكة أشعلت فيها نار ) للتدفئة دلالة بينة على البؤس، كأسي شاي أو متي( لما لا نرضي الجميع، فالشراب دلالة اجتماعية) ثم طاولة بائسة يمكن أن تراها في بيت ريفي فقير أو بيت من حزام البؤس لأحدى المدن أو في أحد ورش المهن أو غرف الحجاب في الدوائر أو في مهجع عسكري، أو في إحدى غرف العمال السوريين في لبنان ، و لمبة تشبه تلك المستخدمة في غرف التحقيق، يكتمل الكادر بهما, فايز قزق في كاركتر ملائم و بسام كوسا في كاركتر يناسبه، و أقصد هنا من ناحية ( الفيزكس ) و الأداء و لا أقصد الناحية الحياتية، يبدوان كصيادي سمك أو عاملين عاديين، أو زبالين، أو ربما معلمي مدرسة ( نستطيع التعميم أكثر ..لكن لا ضرورة )
يرتاح من يشاهدهما على إختلاف انتمائه، الفقراء يشاهدونهم، يبتسمون و يقولون فعلا ( ما رح تظبط ...شفت و الله يتكلمون في الصميم و يصبيهم انبساط، من رأى مسانداً له يلمس وجعه ) قد يخرجون لشراء كيلو سكر ب( 35 ) ليرة ( سورية طبعاً ) و كيلو بندورة بــ( 30 ) و فاصولياء بــ ( 80 ) ل.س، لكتهم يدفعون و هم يبتسمون فالكلام الذي يمكن أن يقولوه سمعوه منذ قليل من التلفزيون ( تلفزيون الحكومة ..طبعاً ) كل واحد من أولئك الذين بالكاد يجدون كفاف يومهم أو من أولئك الذين يجدون مشقة في فهم ما يحدث أو لا يجدون الجرأة بالمجاهرة بما يفهمونه كل واحد منهم يرى نفسه في أحد الاثنين و يسمع ما يود قوله في حوارهما، ما الذي سيقوله بعد ذلك ..؟ فقط يردد ما سمعه و رآه على الشاشة و لكن يردده بسرور و ليس بسخط أو ألم حتي الكلام سرق منهم، بتلك الفقرة التي لا تخدم سوى التفريغ و التسطيح رغم قيمتها الفنية، فهم يعتقدون أنها لسان حالهم، و هي بكل حال لا تعدو كلاماً فائضاً لا يغني و لا يثمن، يعني مثل النكات الحمصية غير أنها نكات تقدم عن الوجع و الألم بطريقة من اعتاد الضحك على همه.
نستطيع بعد رؤيتنا لتلك الفقرة أن نجلس بارتياح وندخن أرجيلة و نحتسي ماشئنا فمشاكلنا حلت، إذا كان في بيتك شاب أو اثنين أو حتى أربعة أو أكثر كما في بعض البيوت، بدون عمل فعليك أن تطمئن، و عليك أن تتفاءل أن الغلاء سيتقلص و أن هذا الكم الهائل و الحالة المستعصية من الفساد سوف تنكمش.
لا ننكر أن هذه الفقرة تقدم مستوى عال من المكاشفة و أعمق و أدق لحالات الفساد في المجتمع السوري بتوصيف يقارب الحقيقة و يختلف عن النمط المعروف في تقديم هذه الحالات بطريقة طوباوية.
يتناقض تأثير هذه الفقرات الاعلامية التي يفترض أن تكون مدروسة بدقة من قبل السلطة، مع مقولة شائعة شعبياً و هي ( لا يعرف ..هو ممتاز ..و نظيف و ضميره حي و يحب الفقراء لكنه لا يعرف ما يدور حوله .. حاشيته سيئة ) هذه المقولة تشمل المستويات الادارية من أدنى مستوى و حتى أعلى مستوى وظيفي في الدولة، أي الهرم الاداري هو سلسلة من الذين لا يعرفون، مدراء و ووزراء و ....) لكن هذه الفقرة ( ما رح تظبط ..) تخرق هذه الحالة و ذلك بافتراض أن المسؤولين يشاهدونها و هم لا شك سيهتمون بما عرفوا، لكنهم سيضحكون ضحكاً يختلف عن ضحك أولئك البؤساء، فالأمر لا يعدوا فقرة فنية مبالغ فيها، تسلي من يراها، طبعاً هذا افتراض، لكن الواقع أنهم لا يرونها فهي ربما أقل أهمية من أن يروها، إضافةً إلى أن محطات الستالايت لم تترك فسحة لتلفزيون ما زال يعامل مشاهديه كتلاميذ المدرسة ناقصي الوعي. و هذا الأمر ينطبق على كل الشرائح الاجتماعية التي لم تعد تشاهد التلفزيون السوري إلا في النشرة الجوية و ربما تندم على ذلك.
ليست وظيفة الفن تقديم الحلول، بل الكشف و التعرية، التنبيه و الإشارة إلى الخلل، طرح الأسئلة بدءاً من الأسئلة الحياتية العادية إلى الأسئلة ذات الطابع الكوني، هذا معروف لكن دعونا نتساءل عن الأسئلة التي تثيرها فقرة ( ما رح تظبط ) و عن طبيعتها و من يهتم بهذه الأسئلة و كيفية الاهتمام بها مع التقدير للمستوى الفني المرموق لها و لكادرها.
يأتي مباشرة بعد هذه الفقرة نشرة الأخبار لتتأكد أنها فعلاً ( ما رح تظبط )، وهي تختلف عن نشرات الأرض جميعاً حيث يعتقد من يقوم عليها أن يتوجه لناس في الحضانة المعرفية و أنهم معزولون في جزر الواق واق ..عفواً جزر الواق ..واق لم تعد معزولة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار التظاهرات الطلابية بالجامعات الأميركية ضد حرب غزّة|


.. نجم كونغ فو تركي مهدد بمستقبله بسبب رفع علم فلسطين بعد عقوبا




.. أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يبحث تطورات الأوضاع


.. هدنة غزة على ميزان -الجنائية الدولية-




.. تعيينات مرتقبة في القيادة العسكرية الإسرائيلية