الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين قسوة الحب وحنانه

اوليفيا سيد

2019 / 1 / 15
الادب والفن


ان الحب ليس مضمون واحد أو مفهوم واحد، فالحب عند نزار غيره عند درويش، عند عنتر بن شداد غيره عند قيس بن الملوح، المرأة فى روايات احسان عبد القدوس غير المرأة فى روايات توفيق الحكيم، وما يعتقده البعض فى الحب قسوة يراه غيره حنانا.

قسوة الحب فى رآيى تكمن فى الأنانية حين غنت نجاة "وأنا رمشى ما داق النوم وهو عيونه تشبع نوم.. روح يا نوم من عين حبيبى"، كانت قسوة الحب فى أنانيته حين تمنت أن يهجر النوم والراحة عيون من تحب، فى حين حملت كل الحب والعاطفة الجياشة بقلبها رغم خصامها مع من تحب فلم يطاوعها قلبها أن تقسو عليه بل تمنت له بحب ونفس راضية "لا يا ربى فى يوم ما تندم.. حب وافرح بس اوعى تانى تجرح"، هل جربت أن تفيض دموعك من فرط الحنان؟ فلتجرب مذاق هذا المعنى.

الأنانية والقسوة حين تسرى فى دماء الحب تفسده فتخلق علاقة مشوهة، لكن الحنان ما يهبها العافية والقوة والثبات، كان صوت أم كلثوم يبكى وهى تردد من كلمات مرسى جميل عزيز "من قسوتك وانت حبيبى وقسوة الدنيا عليا"، ألا تكفى قسوة الحياة ليزيدها المحب قسوة على من يحب!

بين قسوة الحب وحنانه خيط رفيع جدا كما الخيط بين الحب وغريزة التملك، هذا الفرق الذى لا يراه الحب بعينيه وتظهره أفعاله، الحب مثل الطعام ونحن من نصنع نكهته بأيدينا، وبما ان البشر مختلفون فهناك من يضيف توابله المتعددة فيضع البهارات وورق اللورا والحبهان وجوزة الطيب بجانب الملح والفلفل فتتذوق بشفتيك ولسانك وتشم بأنفك رائحة الطعام وتنفتح شهيتك فتقدم على الطعام.. على الحياة، وهناك من يكتفى بالأساسيات كالملح والفلفل، وغيرهم لا ملح ولا فلفل ولا بهارات.. فقط يقدمون مجرد ماء ساخن يسد الرمق والجوع بلا معنى أو طعم.

فان كانت اثارة الغيرة هى الفلفل والشطة كما نصحت مارى منيب -عن جهل- ابنتها فى فيلم حماتى ملاك، فالحنان هو توابل البعض المفضلة ولكل منا طريقته فى اعداد الطعام "حاكم الزهور زى الستات لكل لون معنى ومغنى" وكذلك أيضا سائر البشر -لسن النساء فحسب- لكل انسان معنى ومغنى وطعم ولون مختلف، اما المستقبل للطعام الذى لا يستطيع التمييز بين التوابل وليس لديه القدرة على التذوق ولا يفرق عنده الملح والفلفل عن باقى البهارات أو حتى اى اضافات، معدته مجرد وعاء فارغ بحاجة لاعادة الملء، فهذا النوع يناسبه من يقطع البصل والطماطم ويضيفهما للخضار ويضعهم فوق النار والسلام، لا توابل ولا دندنة أثناء اعداد الطعام..انه قانون لعبة البازل، كل قطعة ترى ما يكملها لتقدم شكلا لصورة متكاملة.

من قال اذا انطفأت الأنوار تساوت جميع النساء هو شخص "غشيم" لا يعى شيئا، بل لو كان ضريرا لكان الأمر هين، فالضرير يتذوق ويشعر، ربما فقد حاسة البصر لكنه لم يفقد حاسة اللمس والشم والتذوق والسمع، حتى الضرير لديه ترمومتر لا يخطىء يقيس مدى القسوة والحنان.

القسوة ليست فى الحب بعد الفراق فقط لكنها أيضا تتمثل فى الهجر والخصام، هناك من تتحول قلوبهم فى الخصام كالحجارة أو أشد قسوة، وغيرهم يحملون قلوبا طيبة نقية كندى الفجر، لم أر أروع مما كتبه بيرم التونسى فغنته أم كلثوم عن مشاعر الحنان حتى فى الخصام قائلة "أوريه الملام بالعين وقلبى على الرضا ناوى"!..

فى الهجر والخصام تتكشف قلوب الناس ومعادنهم وخصالهم، الكل يتفق حول مفهوم الحب والجميع يشغله سؤال "كيف نحب بعضنا"، لكنهم يتناسون سؤالا أهم "كيف نختلف، كيف نهجر، كيف نخاصم بعضنا".. مشغولون "بحبو بعضن" متناسين كيف "تركو بعضن" كما غنت فيروز.

يخطىء الناس حين يصفون الشخص الطيب أو الطفل الهادىء بالنسمة دليلا على انهم لا يشعرون بوجوده اذ لا يثير صخبا، وهو فى رأيى ليس مدحا قدر ما هو بخس حق وخذلان لفعل النسمة التى تهفو فترطب الأجواء التى خلفها لفيح النار حولك فى حرارة ولهيب شمس الصيف، تلك النسمة التى تمر بك وأنت تتصبب عرقا والشمس عمودية فوق رأسك والظمأ يستبد بك، فعندما تأتى نسمة الهواء تشعرك براحة لحظية تئن مسمتعا بمرورها فى حياتك بعد أن هون عليك وجودها، كيف تصف النسمة التى خلفت ورائها كل هذا التحول باللاشىء!

لن يشعر بالنسمة الرطبة من كانت مشاعره محملة بالزوابع والأعاصير وتقلبات الجو المخيفة.. فى آواخر الثمانينات عرف عبد الوهاب محمد قيمة النسمة فكتب أغنية "أكتر من روحى بحبك" ولحن الرائع عمار الشريعى وغنت لطيفة "وتصور حب الحران للنسمة فى الصيف والجو محرر، وتصور كل ده كله تلاقينى بحبك أكتر".

ان الحب وحده لا يكفى، وقد يخطىء البعض فى الحكم على قائل تلك المقولة فيعتقد ان كفايته فى المال، لكن كل لبيب بالاشارة يفهم، كم من الخطايا والجرائم ترتكب باسم الحب والحب منها براء، كم علاقة فشلت رغم وجود الحب بين طرفيها، والكل يتعجب ويتسائل أين ضاع الحب؟ ضاع الحب ما بين عند قلب وقلب وبين قسوة قلب على قلب.. ان التوافق الفكرى وتوافق الطبائع والمفاهيم والخصال هو أساس البناء لعلاقة حب سليمة ومتينة، والا انهدم البناء الذى شيد على غير أساس، الحب ليس علاقة رجل وامرأة فى الفراش يمارسون الجنس ليلا ونهارا أو يجرون خلف بعضهما فى حديقة غناء، العلاقة الناجحة أساسها علاقة بين عقلين وقلبين بكل ما فيهم من تجارب سابقة وخبرات حياتية، اذا تلاقى الطرفان فى مناحى الحياة واتفقا على مفاهيمها تلاحما وكونا قطعتى بازل تكمل بعضها البعض وصارت العلاقة الحميمة وقتها لحنا جميلا، واذا تنافرا فى الطباع والمفاهيم ودخلت القسوة بينهما صارت علاقتهما مباراة ملاكمة أوعزفا نشازا كل منهما يعزف بمفرده لحنا خاصة به لا يهتم بالنوتة الموسيقية ولا لعزف من معه ليتبع نفس النغمة ويكون على نفس الوتيرة.

"قلب القاسى يحب ويصبح ناسى.. اوعى يا قلبى تحب ويطلع قاسى"، فالشخص القاسى القلب يستطيع أن يحب أيضا لكنه لا يعرف كيف يحب وربما اعتقد وصدق بأن قسوته تلك هى منتهى الحب، لكنه لا يعلم أن الحياة نفسها قصيرة وقاسية، ربما طالت ولانت شدة قسوتها بالحنان.. بالحضن، الطبطبة، التربيت.

كنت أعجب من زوجة تمنت فى خصامها مع زوجها أن يصيبه مرض عضال يعجزه عن الحركة فيلجأ اليها ولا يجد من يمرضه غيرها لتتشفى فيه، انها تحبه لكن حبها نابع من قلب أسود سوده الغل والرغبة فى الانتقام، وهذه هى قسوة الحب وأنانيته.. فهناك حضن يدفىء المشاعر ويحتوى الطرف الاخر وهناك حضن يقتل ويحبس الأنفاس فيموت المحب مخنوقا بفعل الضغط فوق صدر من يحب.

أحبوا بعضكم حب الأم فى فيلم الهروب عندما قالت لأحمد زكى: "كنت تغيب مهما تغيب.. وأحلف بكل يمين لما ترجع هاعمل فيك وأسوي.. وتو ماتهل عليا كل حاجه تروح لحالها وقلبي يصفالك زي ندي الفجر".

ان الحب لا ينتهى بعد الزواج أو يضيع، فقط تهدأ ناره، فالحب مثل النار ولا يوجد نارا مشتعلة ومتأججة للأبد، هو فقط يأخذ شكلا آخر ولا يزول، يعيش الحب وتستمر ديمومته اذا صاحبه عناصر أخرى كالتوافق والتفاهم والحنان، اما الحب بغير ذلك محكوم عليه بالفشل، سيموت حتما مهما حاولنا انعاشه وافاقته.

ايد الحب تشفى وايد القسوة تجرح وتموت.. وبين الجروح والشفاء يحيا الناس فيذوقون تارة ويذيقون تارة أخرى حنان الحب وقساوته.
















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف


.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين




.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص


.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة




.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس