الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قاموس الهجاء ضرورة لا بد منها

اسماعيل خليل الحسن

2006 / 4 / 18
الادب والفن


لعب الهجاء دورا كبيرا في الأزمنة العربية السالفة و كان أدعى إلى التحاشي و التجنّـب, و لكن لا يهجى إلاّ من كان ندّا, معروفا في قومه, أما إذا كان المرء نكرة وضيعا متهتكا خلوا من القيم فان هجاءه ضرب من ضياع الجهد و الوقت. فكان قول الشاعر ( لو كنت امرأ يهجى هجونا ) من أقذع كلمات الهجاء قاطبة.
يجد الهاجي في المهجو معايبا فيفضحها أو يضخمها, فإذا كانت العيوب معدودة فان بشار ابن برد وجد للمبتلى بها العذر بقوله : كفى المرء نبلا أن تعدّ معايبه.
كان هجاء جرير و الفرزدق و الأخطل التغلبي لبعضهم البعض, يثري الثقافة العربية آنذاك, أما الحطيئة فلم يترك أحدا من شر لسانه فهجا أمـّه:
أغربالا إذا استودعت سـرّا.... وكانونا على المتحدثينا
جزاك الله شـــرّا من عجوز.... و لقـّاك العقوق من البنينا
فإذا لم يجد من يهجوه هجا نفسه:
أرى وجها شوّه الله خلقه.... فقبح من وجه وقبح حامله
وكان الخليفة و أحدا من مجالسيه و أبا دلامة, قد خيـّراه أن يهجو واحدا ممن في المجلس فكان من حسن التخلص أن هجا نفسه وآثر السلامة. أما هجاء المتنبي لكافور فكان من أقذع الهجاء مع تحفظنا على التمييز العنصري الذي تتضمنه تلك القصائد. وهذا دعبل الخزاعي هجا الناس أجمعين:
ما أكثر النـّاس بل ما أقلّهــم .... و الله يعلم أني لم أقل فنـــــــدا
إني لأفتح عيني حين افتحها.... على كثير, و لكن لا أرى أحدا
وكان بعض الهجاء من قبيل الممازحة و الدعابة, كما هو الأمر عند عبد الله ابن المعتزّ مع احدهم, ويلاحظ اختياره للألفاظ غير المقذعة التي لا تليق بمقامه كسليل الخلفاء و تربية القصور و التنعـّم:
يا قذىً في العيون يا حرقة.... بين التراقي, حزازة في الفؤادِ
يا طلوع العذول ما بين إلفين, يا غريماً وافى على ميعــــــادِ
يا ركـودا في يوم صيــف.... يا وجوه التجار يوم الحصــــادِ
خل عنــّا فإنـّما أنت فيــنا.... كواو عمروٍ أو كالحديث المعادِ
ومن الهجاء ما هو سياسيا كهجاء ابن بسّام للوزير العباس:
وزارة العباس من نحسها.... تستقلـــع الدولة من أسّهـــا
شبــــّهته لمــا بدا مقبـــلا.... في حلل يخجل من لبسها
جارية رعنــاء قد قـدّرت.... ثياب مولاها على نفسهــا
يكفيك أن تضع بدلا من اسم العباس اسم أي وزير من مستوزري هذه الأيام حتى ينطبق عليه المعنى حفرا و تنزيلا.
كان قاموس الهجاء وازعا للناس لكي لا يقعون في السقطات, و لا يحيدون عن مكارم الأخلاق, فهو ضرورة اجتماعيّة حيث كان السلطان على القبيلة للقيم التي تواضع النّاس عليها وليس للشرطيّ أو ما شابهه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد أفرغ قاموس الهجاء من مضمونه اليوم فلم تعد للكلمة المقذعة التأثير نفسه, في أذن السامع, فهذا هو المختلس للأموال يفخر بما صنعت يداه و يخرج على النّاس متبخترا فهو من عليـّة القوم وفق درجات السلم الاجتماعي المقلوب, أما المنافق فهو يتلذذ بنفاقه, و الوضيع بوضاعته, و المتسلط بتسلطه, و المستبد باستبداده.
كانت شتائم مظفر النوّاب تثير فينا الدعوة للضحك و الابتسام, لأنها كانت غريبة و صادمة. و لكن الشاعر الكبير توقف لأن أية شتيمة لن تفعل فعلها في المتلقي و لا المهجو, فلم تعد حدثا, بل فقدت غرائبيتها إنها لم تعد تثير الذعر في أحد, وتلك هي الكارثة.
هل من سبيل إلى تجديد قاموس الهجاء أو استعادته؟ ليس الأمر سهلا, فلا ابتكار ألفاظ أو معاني جديدة ما يعيد إلينا الهجاء كفن أصلي و ضروري, فهو أشبه بالصورة السالبة التي تدلّ على الصورة الأصلية.
من بيده المعول للهدم؟ و من بيده المسطرة للبناء؟ سؤال يبحث عن إجابة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس