الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مزامير المدينة للروائي علي لفته سعيد

ابراهيم سبتي

2019 / 1 / 16
الادب والفن




كل رواية تحمل بين طياتها احداثا تكتب بسرد فني وفعل درامي مواضح لكي يتحول الكلام المكتوب الى فعل متحرك يتخيله المتلقي وفقا ما انتجه الروائي .. فتظل صورة الرواية وافعالها في المخيلة لفترة طويلة ان كانت قد تفاعلت مع احاسيسنا وتعمقت داخل نفوسنا التي تحب الاحتفاظ بالعمل الادبي الخلاق وتتذوقه باستمرار ان كان مؤثرا وفيه مقاربة مثيرة لما يحدث .. هكذا هي الرواية العراقية بعد 2003 .. كانت رواية اختبارات للمتعة والابداع والمطاولة احيانا .. بعضها كتب بقلم بارد لا حرارة فيه فتحولت الى انشاء تقريري لم يمكث سوى وقت قراءتها هذا ان تمت قراءتها اصلا .. اما الروايات الدسمة المفعمة بالاحداث والتقنية والمناورة في الحبكة وتصوير المشاهد بحس مرهف عال ، فهي التي تبقى عالقة في الذاكرة وبالتالي فانها تكون جزءا مهما من الخزين المعرفي المحمل بالذائقة والفنية العالية .. بعد 2003 كتبت الحالة العراقية وكأنها صورت الواقع الجديد تصويرا يقترب من الدقة احيانا فكانت تحمل مكابدات وهموم وحزن وفرح ان وجد وهي عناصر الحياة اليومية العراقية التي سادت في ايامنا المستمرة منذ اول قلم شرع بكتابة الرواية وحتى اخر رواية لكاتب عراقي مفعمة بعراقيتها .. اذن هي الهموم والاحداث التي كانت سمة اساسية من فعل الروي في معظم الروايات الصادرة بعد 2003 . رواية مزامير المدينة للروائي والشاعر والناقد علي لفته سعيد احدى الروايات التي تناولت الحالة العراقية بمدخولات الهم والبحث عن الحياة الجديدة التي يجهد ( محسن ) بطل الرواية المثقف وكاتب القصة ، في ان يحيا كاي انسان اخر ويحلم كاي حالم اخر .. محسن المثقف والاديب والشفاف في تمنياته والهاديء في يومياته يتحول من اديب الى عامل مشغل مولدة كهرباء في سطح فندق في الجزء الاول في رواية ( الصورة الثالثة ) الى حفار قبور في مزامير المدينة وهو العمل الذي جعله اقرب لتغييرات المجتمع اكثر من الفترة السابقة وهو يكتب القصة . يتحول محسن في مزامير المدينة الى حامل الهموم الكبرى التي تجري في البلد يكبتها محاولا سبير اغوارها العميقة ولكنه يتعامل معها بعين المراقب لاسيما وهو الحالم بلقاء حبيبته السابقة سلوى التي مات زوجها في الحرب وظل يبحث عنها في مرايا الخيال ومضارب التخفي العقلي فيحاول اثبات وجوده من خلال الذكريات والتمنيات .. الراوي العليم في الرواية يجعل من بطله محسن وكانه مخلص العالم من الخسارات والهموم متناسيا بانه احد ضحايا المجتمع الذي انكسرت همته في اكثر من حرب شرسة فنراه يحدثه باستمرار وكأنه يعكس روحه المشتركة وانفاسهما المتقاربة . ( دعني يا محسن استريح وارتاح قليلا وانت ما عليك سوى ان تلقي جسدك على اي قبر واغمض عينيك واحلم ، كن شبيه روحك فتنطلق من حيث لا تدري الى الدموع ، اخف وجهك عني حين تبكي لاني لا اريدك ان تراني ابكي مثلك ، ربما لاتريد ان تدرك ان الموت زائف وان كل ما سطر حوله مجرد تاويلات لرجال دين ارادوا المضي في ان يكونوا هم في المقدمة ) الرواية ص 48.
ناهيك عن الشخوص الاخرى التي تحاول ان تاخذ لها مكانا مهما في سير الاحداث الا انها تحاول الاقتراب دون لمس الامور وتحمل مسؤوليتها .. هكذا هم شاكر وجمعة ومحمود ومن ثم يحاول الراوي العليم ان يفضح مهند وناهض بكونهما كمنافقين يتستران تحت لسانهما وهما يحاولان التصيد في المواقف الحرجة ليخلقا لهما مكانا ما في سير الاحداث ويستفيدا من امتيازات النظام الجديد . اما مجتبى فهو ابن رجل دين وقد بانت على شخصيته ملامح الامسان الباهت من الافكار والاحاسيس فهو مشغول بتليب صفحات الفيس بوك ويتكلم بسخرية احيانا على بعض الشخصيات الاخرى .. انها حالة تهكم جعلها الروائي علي لفته سعيد تسيطر على اغلب احداث روايته مزامير المدينة حيث الاستفادة القصوى للبعض ( من الوضع الراهن ) من الاموال المنهوبة والعقارات والامتيازات التي كانت شعار الاحداث اللاحقة لتغيير النظام .. انها رواية المحنة العراقية وهي تلتف حول اعناقنا منذ امس التغيير وحتى مستقبل الحياة التي نشغل مهمة المراقبة والترقب . انها احداث كتبت بجراة عالية وكشفت المخبوء والمسكوت وهو يفترش احداثا واقعية دسمة راح الروائي ينهل منها ما يريده لديمومة حدثه الرئيسي الذي ظل حيا رغم دهاليز السرد المتعرجة . ( لم يعد قلبك يتسع للحزن على الموت الذي لا يختلف ان جاء به الاهل ملفوفا بالعلم او مات انتحارا ، فالجميع يصرخ ويبكي ويلطم او يجعل موكب الدفن بهيبة الحياة . ولكن اكثر القهر الذي يصيبك هو رؤية العوائل التي تأتي بنعوش الشهداء ، الملفوفة بأكياس من النايلون ربما باجساد ممزقة او مقطوعة الاطراف او محروقة . ) الرواية ص 137 .
يتميز علي لفته سعيد بانحيازه للجمل المعبرة عن الاجوبة التي تمور بدواخلنا والتي نريد البوح بها . ولذا تميزت رواياته بانها كانت محسوبة بمعيار الصنعة ودقة اختيار الشخصيات ورسم ادوارها بكل عفوية ودون تكلف . واللافت انه استخدم عبارات شعرية بالغة التاثير كعناوين لفصول روايته مما منح السرد جمالا اخر يحسب للرواية وهي حالة فريدة ان نجد روائيا شاعرا يجمّل عناويته بعبارات اكثر صدقا ولمعانافتعطي بعدا مشوقا للقاريء لاكمال السرد . ان مزامير المدينة وهي مزامير الفوضى والخراب المدمر في البلاد التي تحولت الى امنيات بانتشالها واحلام اعادة رونقها وبعدها الحضاري والثقافي ، هي المزامير التي عزفها الروائي علي لفته سعيد بحنكة العارف بمسك ادواته المعرفية المحكمة لابراز الجوانب الفنية والتقنية التي دائما ما تدفع النص الروائي الى مصاف الجمال والامتع .. مزامير المدينة رواية علي لفته سعيد صدرت عن دار الفؤاد بالقاهرة واحتوت على 272 صفحة من القطع المتوسط .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا