الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سناء الانصار سنوات ازدحمت بالمجد

مزهر بن مدلول

2006 / 4 / 18
الادب والفن


. باغتني ذلك الجهاز في صمته .
وكنت منشغلا فيه ، احاول ايجاد الخلل ، رغم اني ، لا أعرف شيئا في هذا المجال .
ولاادري اذا كان هو معطلٌ ، ام كانت هي الحرب .
النهارُ..
شمسهُ مذهبة ..
صبحهُ يبعثُ الندى ..
وظلاله تضفي اخضراراً على بعض الاحجار ، فتبدو جميلة كالزبرجد .
{ ئه رموش } ، هو اسم ذلك المكان ،قرية صغيرة ، هجرها اهلها ، هرباً من قلق الحرب .
ينابيعها صافية ، واشجارها طرية كثيفة .
حين اتأملها ، اشعرُ وكأنّي اسكنُ في قصيدة ، انها تحملُ السحرَ ذاته .
هناك .. انظرُ في الافاق ، وحدها التي تراني ، فلا شكّ عندي ، بانَّ علاقتي بالسماء والوانها ، علاقة مطلقة، هي كانت جزء من خيال شعري ، رغم حجب السحب احيانا .
مجموعة صغيرة من الانصار، لم يكن قد شابهم الجبل ، ولا استحال في رؤوسهم الامل ، اجتمعنا هناك ، لنشكل مفرزة استطلاعية ، تتقدم مقرات الاعلام والمكتب العسكري للانصار في وادي { خوا كورك }.
انقطاع الاتصال مع القيادة ، امر يبعث على القلق ويثير في نفوسنا الحيرة. لكن وجب مناقشة الموقف .
القصف المدفعي لا يصمت ، إلاَّ حين يحلق الطيران العمودي فوق المنطقة . وهناك في الجانب الاخر ، اطلاق نار كثيف ، مصدره جهات كثيرة ، والصدى يردهُ الوادي ، مما يشعرك ، بأنّ اشتباكا قد حصل .
بعد جدل استمر لساعات ، اختلطت فيه السياسة ، بالموقف العسكري ، قررنا ان نترك المكان في سفح الجبل الى قمته .
الصعود الى الاعلى ، يستغرق نصفا وساعتين ، ويكون حادا ومرهقا . دفنّا بعض الاثقال تحت الارض ، وحملنا بعض امتعتنا على ظهورنا ، وعلى الحيوان مايسد الرمق ليومين او ثلاثة .
اينما تعلو في كردستان الجبلية ، فانت مازلت في الوادي ، فذلك جلبابُ السماء ابداً ، وان هناك قمما لم تصلها بعد .
وجدنا مكانا مناسبا ، وبدأنا كما يفعل الانصار عادة ، بالاستطلاع ، ثم ترتيب المكان ، وجمع الحطب ، وبعدها ، تُوزع على المجموعة بعض المهام العسكرية الاخرى .
مازال جهاز الاتصال لايعمل ، ولم نعرف شيئا عن رفاقنا في مقرهم { بير بنان }. بتنا ليلتنا الاولى ، وكان يحدونا امل ، بان رسولا سيصل ، يحمل لنا اخبارا مطمئنة .
والحقيقة النافعة ، اني اعرف ُ، تفاصيل تلك التضاريس جيدا ، فلم يراودني اي هاجس خوف بالضياع . لكن جلّ مانخشاه ، هو ان يكون الجيش قد قطع طريق العبور باتجاه الرفاق . وكنا ايضا مترددين في العبور، فليس عندنا امر بالانسحاب ، وربما يريدون منا ان نكون في المكان .
لاندري ...
ولكن عندما جاء الرفيق زمناكو ، بعد جولة استطلاعية ، و اخبرنا بانه راى الجيش يتقدم نحو المقرات ، دون توقف ، قررنا هذه المرة الالتحاق برفاقنا وفي الحال ، رغم اعتراض البعض منا . ان بقائنا في ذلك المكان ليوم اخر يعني محاصرتنا ، ووضعنا امام خيارين ، اما الموت اوالانسحاب الى الاراضي التركية . وعلى كل حال ، كل شئ كان مغامرة .
ايّ ثقوب في راسي ..
اين زورقنا والفرات ..
والقنديل مضاء..
تتراقص حوله فراشاتنا المنزلية !؟
لِمَ انهالت على اجسادنا الحرب
حتى خجلت من شهدائنا الافلاك
فارسلت نجومها ، شموعا لقبورهم !؟
المسافة الى هناك ، تستغرق من زمننا اربعة الى خمسة ساعات ، ان لم تكن هناك عوائق ، والطريق شديدة الوعورة ، ملأى بالصخور الكبيرة ، لذلك لابد من الحذر من كمائن الجحوش .
تحركنا على عجل .
وقد حبستُّ خواطري في رف ٍ، صنعتهُ من خشب الذاكرة .
الطريق المفعمة بالحياة ، كانت خالية ، والقصف لايهدأ ، اطلاق النار مازال متواصلا .
اينَ خط الاستواء ..
يمرُّ من هنا ..
فالزمن ، نسيتهُ منذُ إعتليتُ صهوةَ الجبل .
والعشبُ الاخضر ..
يدججُ رأسي ..
باوهام الليالي البليلة ..
ومحابس مشذرة ..
ومسافةٌ تمتدُّ بي الى الناصرية ، استريح في حضن فراتها الدافئ .
طرائفُ ابو حسين وسخريته اللاذعة ، تتجلجل لها قهقهات النصير زمناكو الجميلة ، وتبددُ الصمتَ ، وهاجس القلق ، في ان ٍ معا ً.
وصلنا بعد ساعة ونصف الساعة ، الى مكان ، انتشر في كهوفه وعلى صخوره المئات من بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردساني ، وحزب الشعب ، والاسلاميين ، وكانت هناك بعض العوائل ، التي فرَّت من جحيم النار .
قال لي بعضهم ، ان الجيش يلتف حولنا ، وان علينا الاستعداد ان نخوض معركة ، فليس لنا من حيلة اخرى .
فقلتُ .. ياطيور الحذاف خذيني الى اهلي والقصب ..
لقد طال بي المقام ..
واحلامي تهربُ ..
من ليلٍ ، تشتدُّ عتمته ، كلما اخترقته قذيفة .
لم اكنْ مقتنعا بما اخبروني ، ومازلتُ متاكداً بانَّ هناك بعضاً من منافذٍ ، لم يصلوا اليها بعد . وانَّ المعركة َ مافُتأت مبكرة .
بعد استراحة قصيرة ، تركنا تلك الجموع ، وانحدرنا نحو الروبار ، اشتد الظلام في منتصف المنحدر ، واشتد القصف المدفعي ، كانت القذائف تسقط بكثافة قربنا ، وكأنَّ احداً يترصدنا ، وكنا ننحدر بسرعة ، يقع بعضنا متعثرا بالصخور بعد ان ضاعت معالم الطريق في العتمة القاتمة . قررنا ان نمضي ليلتنا على ضفة النهر .
عزفُ خريره .. لحنٌ حزين ..
امواجه ُ هادئة .. كأنها تختبئ خائفة ، من شظايا القذائف ..
ومتعبة ، ارهقها طول المسافة مثلنا .
نحذو حذو الموجة ..
وانبلاج الصبح ، ليس نهاية الحرب ، وتحت العيون اسئلة كثيرة ، لا احد يجيب عنها .
لا احد هنا، نحن وإنسياب النهر، ونيرانٌ ، تدلُّ على انّ القتلة قد استشروا كثيرا ، وعلى الشفاه سؤال واحد ..
هل سلك الرفاق هذه الدروب قبلنا ؟ ، والى اين ؟ . لااحد يدري .
بعد ساعات من المشي المتواصل ، ولاريب ، ان في راس كل واحد منا ، هاجس ما ، ينذر بخطر ما . لكن كلّ ما نسعى اليه في ذلك الوقت ، هو ان نعرف الى اى مكان اتجه الرفاق .
على تلة غير قريبة ، هناك من يلوِّح لنا ، ترددنا اول الامر ، ثم اتسعت المسافات بيننا ، وكنا مستعدون للقتال ، كما بدى لنا بان الاشتباك لابد منه . اقتربنا ، نسمع صراخا ، لا نستطيع ان نميزه ، ثم تقدمنا اكثر، حتى سمعنا ان احدا ينادي باسمائنا ، فصاح الرفيق سعيد عرب ، ان ذلك صوت الرفيق ابو حمدان .
كم كنا مسرورين ،عندما التقينا باربعة من رفاقنا ،وقد كانوا يبحثون عنا ، في تلك الدروب القاسية ، التي لاتؤدي الى فضاء .
وبعد استراحة قصيره ، أكلنا فيها شيئا ، مما جلبهُ الرفاق معهم ، واصلنا تحركنا ، وامامنا عدة ساعات لكي نصل الى المكان الذي انسحبوا اليه.
وهناك .. وقعت الحرب .
تلكَ سأروي تفاصيلها ، في المرةِ القادمةِ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نقيب المهن التمثيلية يكشف حقيقة شائعة وفاة الفنان حمدى حافظ


.. باراك أوباما يمسك بيد جو بايدن ويقوده خارج المسرح




.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟