الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنهم يحرثون العقول

فاضل فضة

2006 / 4 / 18
حقوق الانسان


لم يكن الإنسان العربي إلا ساحة للآخر. ساحة للغسل والتنظيف والتلميع، وإعادة صياغة بما يتناسب وما يرغب الزعيم أو المسؤول أو القائد أو “الوجيه”.

لم يكن الإنسان العربي يوماً حراً في حياته، وقد لا يكون في المدى المنظور بكل ما تحمله الكلمة من تشاؤم.

لقد تعلمنا أن نتجاهل منظر الطبيعة والأشجار، ان ننسى ان الحياة تمر بفصول الربيع والصيف والخريف والشتاء، وفضلنا فصل الضباب الذي لا وقت ولا زمن له، لأنه يغشى على القلب والروح والحياة طبيعتها. ويعميها عن التفاعل مع الأشياء ومفرداتها. ولأنه يضع نظارة سوداء على العيون المشرّدة في تساؤلات لا أجوبة لها على المستوى الذاتي، حيث من الواجب دائماً مهما كنا ومهما كانت المعرفة لدينا واسعة، واجب ان نسأل احد هؤلاء الكبار، الزعماء، القادة، المرشدين، التائهين في بحر من ظلمات السيادة والبحث عن قمم واهية، إلا على المستوى الفردي أو التجمعّي، المنبثق من شرائح التوزيع الإنساني المكهرب في ظل خيام لا حدود لبعدها عن واقع لا ترغبه ابداً.

كان الإنسان العربي صوتاً عالياً، تدفعه حماسة لا حدود لها، واندفاعاً متجاوزاً اقوى المشاعر، ومازال بعد تحولات “الزمن الصعب”، وفشل شريحة وجهاء التسلط والتحكم، صوت تموّج التراكمات الساكنة في مّدٍ وجزرٍ، مع مدارات الرياح الملطفة لأجواء الغضب، لأن احدهم ومن فوق يرفض إلا ان تتحول عواصف الإنسان إلى نسيم يتلهى به إلى يوم القبر.

غسلوا العقول واقنعوها مبشرين بقيادتهم، لا يهم إن كانوا أميين، وغير سياسيين، لا يهم إن كانوا مافيا، أو كانوا ميليشيات دول، لا يهم ابداً غير وظيفة الغسل لأدمغة الأجيال تلو الأخرى. أليست العادة القبول بمن هو على قمة الجبل، أو هو على قمة العشيرة، أو هو بقدرة قادر كابوس أسود “يبيض” بخطابه المعسول ليلاً ونهاراً قسراً في كتب المدارس والجامعات، وأقبية الأمن الأخضر والأسود. إنهم يحرثون الفكر كما يرغبون، يبذرونه كذباً، ويحصدونه لا مبالاة، إلا بلقمة العيش التي تساعد على استمرار الحياة بشقاء ما بعده شقاء.
الإنسان العربي هو آخر من يعرف معنى قوة الشعب عندما يثور، وهو آخر من يخيف ويرعب الحكومات، وهو آخر من يدرك مدى هدير الشارع وصوته الأقوى من اية سلطة امنية وعسكرية.

في فرنسا، تواصلت المظاهرات ضد قانون لا يذكر في سلوك الأنظمة العربية، وفي فرنسا، لم يكن هناك في تاريخها قانون لصالح الشعب وفئاته إلا عن طريق الثمن الباهظ، لذا لا يمكن للحكومة ان تتجاهل مطالب الشعب وقوته عندما ينزل إلى الشارع، وإن كان سبب وجود القانون ضرورة اقتصادية لمستقبل الأجيال الفرنسية القادمة في عالم اكثر من متغير. وفي العالم العربي، يصمت الإنسان على كل شيء، يصمت على السجن “لكلمات” قالها، يطرد من عمله ومن حقوقه المدنية لحوار شارك فيه العالم العربي. من الممكن للكاتب والصحفي والمثقف، ان يدفع ثمن حريته حياته، أو سجناً، ومن الممكن ان يعذب بأكثر مما سمعنا ما جرى في جوانتانامو أو في سجن ابو غريب.

في العالم العربي، لاتزال الحرية للقائد الأوحد وللزعيم المبجل، ولاتزال الديمقراطية ملكاً لغير الشعب.
في العالم العربي، يحتاج الإنسان إلى من يقوده بيده إلى طريق، غالباً ليست سليمة. هذا ما قدمته التجربة، وهذا ماقدمه التاريخ الحديث والمعاصر. في احد الأفلام الأخيرة التي شاهدتها، واسمه، “في تعني فانديتا”، قرأت على الإعلان قبل ان اشاهده “لا يجب على الشعب ان يخاف من الحكومات، بل يجب على الحكومات ان تخاف من الشعب”. في بلاد العرب اوطاني، لايزال الشعب العربي، غائباً عما توصلت إليه معظم بلاد الأرض، في الحرية والديمقراطية والعدالة. ولايزال بعض الحكام في الأنظمة “الجمهورية” وغيرها، يحاولون أن يقدموا المثال تلو الآخر على أن الحكم ليس إلا حظيرة ومزرعة وبستان، نملكه نحن الحكام، بقانون الوراثة وسلطة العسكر والأمن واجهزة الدولة. في البلاد العربية، لايزال الإنسان فريسة سهلة لانتهازية الشرائح المتحكمة بأي اسم. حيث لا يوجد إلا القليل القليل، ممن صاغوا بينهم وبين مصلحة الوطن سلاح الأمانة والحقيقة من دون خداع أو تزييف أو خطاب ملون.

وفي البلاد العربية، لايزال السطح يغلي بالحلم البسيط، والمغطى بضباب الأفكار والاجتهادات والمنافع والضوضاء الرافضة لأي منهج سليم في معنى التجربة والبناء من الآخر. حتى لو كان الآخر ماليزيا أو تركيا في لونه الثقافي القريب جداً منها. لا معنى للطبيعة في العالم العربي، لأن الاهتمام لا يصب في الجبل والشجر والأرض والجمال، لا معنى لتغيير الطقس والسماء الصافية والغيوم السارحة على عتبات هضبة رمادية أو بنية أو حمراء. إنهم يهتمون بالإنسان، لا لصالح الإنسان، إنهم يغسلون الدماغ ليس لأن الدماغ ملوث بالشحوم والدهون، إنهم يهتمون بغسل الأدمغة لمنعها من التفكير وتحجيم الرؤية المنطقية لمنهجية الأداء لمعنى الدولة والمجتمع وتفاعل البيئة بحرية مع ابنائها. إنهم يعكرون صفو الحياة الطبيعية، فيستحوذ عليها معنى الآخر، بمفاهيم التحكم والخضوع والمراقبة. وكيف يتوجب ان يفلت من جهاز الدولة والمجتمع والوجهاء والزعماء أحد من شرّهم؟ كيف يمكن ان يعيش الإنسان في عالمنا العربي من دون مراقبة ومحاصرة؟ كيف يمكن ان نترك له فرصة التفكير من دون حواجز وحدود وسدود؟ لأننا مقيدون بأصفاد التاريخ، ولأننا مقيدون ولا ندري لماذا، ولأن الزعماء فينا “يعملون بإشارات الاستفهام القلقة على حكم” لكونهم يدّعون مصلحة الجماعة، لكنهم لم يكونوا إلا في مراكب المصالح المقننة بحدود خاصة اهمها الاستمرار والبقاء على عروش من خشب.

نحن ابناء الأرض الغرباء عن التاريخ الذي مازلنا ندّعي ملكيته باسم الحضارة.. نحن ابناء العروبة المكهربة في قلق المآزق التي هشمت وهمّشت كل مفردات العيش الكريم الذي غاب إلى عالم الانحطاط الطويل في ليله الأسود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمن العام اللبناني يشدد تطبيق القوانين على اللاجئين السوري


.. اعتقالات تضم الناشطة في المناخ غريتا ثونبرغ بمظاهرة تضامنية




.. بعد اعتقال سنية الدهماني، محامو تونس في إضراب


.. جدل في بلجيكا بعد الاستعانة بعناصر فرونتكس لمطاردة المهاجرين




.. أين سيكون ملاذ الأعداد الكبيرة من اللاجئين في رفح؟