الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركيين يحكمون ليبيا..

فاضل عزيز

2019 / 1 / 19
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ظهر مصطلح "الحَرْكِيين" لوصف جزائريين باعوا ضمائرهم جندتهم فرنسا لمحاربة شعبهم الثائر ضد الاحتلال ضمن سياسة "حارب محمد بـ محمد"، محاولة إجهاض ثورة الشعب الجزائري خلال القرن الماضي.. هذه الفيئة من الجزائريين التي راهنت على العيش تحت ذل الاحتلال، لم تجد لها مكانا على الارض الجزائرية بعد تحريرها على يد الاحرار من أبنائها ، فاختار هؤلاء الحَرْكيون الرحيل مع أسيادهم الذين امتهنوهم وعاملوهم كما ينبغي أن يعامل أي عميل خائن لوطنه، فتم حجزهم في أحياء خاصة بمدن فرنسية لا يتعاملون معهم إلا كخونة لوطنهم..
في ليبيا فبراير ظهرت للوجود هذه الفئة من الحَرْكيين و إن في صور مختلفة عن أمثالهم من الجزائريين، إذ أخذت في بدايتها شكل معارضة سياسية لم تلجأ للعنف لأنها لا تمتلك أدواته، وأعطى النظام السابق بحظره لنشاطها وقمع قياداتها، ورقة مجانية لدوائر مخابرات الدول المعادية له لاستخدامها وقولبتها بما تخدم أهافها . فالبذرة الاولى لحركيي ليبيا فبراير تتجسد في المعارضين للنظام السابق الذين فروا الى الخارج تحت ضغط النظام وقمعه، وهناك تم تكوينهم وإعدادهم في دوائر مخابرات ومدارس السياسة الغربية ليكونو حَرْكيي ليبيا.. وتمثل قياداتهم التي دخلت في مصالحة مع النظام تسعينات القرن الماضي واندمجت في ما يعرف بمشروع ليبيا الغد، طليعة هذه الحرْكة، حيث تصدرت بعد يوم 17 فبراير 2011م مشهد ما يعرف بالثورة ضد النظام، وأسفرت عن وجهها الحقيقي كخلايا حَرْكية نائمة حان لها أن تباشر مهمتها التي كلفت بها من قبل صانعيها، راكبة غضب البسطاء الذين سئموا العيش في ظل ما يعرف بنظرية "كيس الفئران" واصبحوا يحلمون ببناء دولة حقيقية مستقرة قائمة على مؤسسات لا تخضع لمزاج شخص بعينه..
هذه الخلايا بعد ان تحقق لها مشروع اسقاط النظام في اغسطس 2011م على يد حلف الناتو وبتغطية من هيئة الامم المتحدة، وجدت نفسها في مواجهة جماهير حالمة بوطن ودولة حقيقية ذات سيادة لا تخضع لأية أجندات خارجية، وهو مشروع يتعارض مع مهمة هذه الفئة التي تتكئ على ولائها للخارج وتحتمي بسلاحه ودعمه السياسي، فاخترقت صفوف البسطاء وجندت الآلا ف منهم في كتائب مسلحة مهمتها الفعلية هي تقويض اية محاولة قد تتبلور لبناء مؤسسات دولة وطنية حقيقية ذات سيادة لا تخضع لأية أجندات او نفوذ أجنبي. وكانت فئة الحَرْكيين هذه قد أسفرت عن هذا التوجه الصدامي والرافض لقيام دولة ليبية حقيقية، في وقت مبكر، أي قبل سقوط النظام بقتلها لأحد ابرز قادة انتفاضة فبراير العقيد عبدالفتاح يونس الذي كان يمكن بحضور شخصيته كقائد عسكري معروف أن تلتف حوله بقايا كتائب الجيش الوطني والشعب و ان يكون قوة فاعلة في ارساء الامن والاستقرار المطلوب للبدء في بناء مشروع الدولة الحلم .
وشكل موقف هذه الخلايا الحَرْكية ورفضها السافر لنتائج الانتخابات البرلمانية عام 2014م اوضح صورة لها ككتلة حَرْكيين لا تختلف عن مثيلتها الجزائية، وذلك بإصرارها على رفض نتائج صناديق الاقتراع رغم اعتراف العالم بنزاهتها وسلامة سيرها وصدق نتائجها، وذلك لأن ممثليها في هذا البرلمان لا يشكلون أغلبية تمكنهم من تنفيذ أجندات اسيادهم في واشنطن و لندن وباريس وروما وانقرة والدوحة، فاندفعوا الى تحريك كتائبهم من البسطاء والشباب الذين اشتروا ضمائرهم بالمال للسيطرة على غرب البلاد وإجهاض اول و أخطر مشروع للانتقال بليبيا نحو بر الأمان الذي يتجسد في التجربة البرلمانية، وساعدهم في تنفيذ أجندتهم لتخريبية اولئك النواب السذج الذي فضلوا سلامتهم الشخصية وجني الاموال والمناصب على مشروع بناء ليبيا الجديدة، وفروا الى اقصى نقطة في شرق البلاد ليقيموا ذلك البرلمان الهزلي الذي يترأسه شيخ قبيلة ويديره بعقلية قبلية متخلفة لا وجود لليبيا كدولة في عقله..
وبمرور السنين وتمادي الحَرْكيين المهيمنين على غرب البلاد واهم المؤسسات السيادية (مصرف ليبيا المركزي، المؤسسة الوطنية للنفط)، في مشروعهم المراهن على الولاء لأجندات خارجية غربية وتافهة قطرية وتركية، وبانغماس ما يعرف بمجلس النواب او "النُهَّاب" كما سماهم احد الكتاب الليبيين، في مشروع النهب وجني الاموال والسياحة عبر العالم والارتهان لأجندات خارجية (مصرية، سعودية، اماراتية) وتنكرهم لوعودهم الانتخابية التي رموها ورائهم بمجرد جلوسهم على كراسي ذلك المجلس المهتري، اصبحت ليبيا اليوم محكومة بفصائل حَرْكيين مرتهنين لأكثر من دولة ونفوذ، وهو ما يزيد من خطورتهم ويؤشر لمستقبل مظلم لليبيا ليس من السهل تجاوزه. فحركيي الجزائر كانوا واضحين ومحددين موالين لجهة واحدة هي فرنسا التي تحتل بلادهم ، وبالتالي كان من السهل فرزهم ومحاصرتهم ومقاومتم والفتك بهم وارغامهم على مغادرة البلاد باعتبارهم كائنات نجسة لا يحق لها الاقامة في البلاد بعد تطهيرها من رجس الاحتلال، لكن حركيي ليبيا يتوزع ولاءهم على اكثر من عشرين دولة ومنظمة ارهابية وعرقية ، وبالتالي يصبح مشروع استئصالهم عصيا وصعبا ومكلفا ان لجهة الصدام المسلح او لجهة الاصلاح الفكري.
وبهذه المشاهد التي نرصدها كل يوم عبر القنوت الفضائية والتي لا تزيد عن كونها بربغاندا اعلامية تمارسها حكومتي الشرق والغرب ومن يقف وراءهما من عصابات ومليشيات تتخذ من اسماء وهمية لها غطاء لتمرير مصالحها، يتأكد لدينا أن ليبيا تعيش واقعا مؤلما يحكمه حَرْكيون لا يقلون سوءا ونجاسة عن حَرْكيي الجزائر، لا ولاء لهم الا لمن يرعاهم ويمولهم ويدعمهم من دول اجنبية وتيارات ومنظمات اممية وارهابية، أما ليبيا كوطن فإنها لا زالت تتموضع فقط في ضمائر البسطاء الذين يعانون صلف وعنجهية و وساخات هذه الجماعات الحَرْكية، وينتظرون الفرج من الله..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة