الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى يطرق الوزير بابي ؟

حسين التميمي

2006 / 4 / 18
كتابات ساخرة


خيل لي بعد أيام قليلة من سقوط النظام البائد بأن ثمة من سيطرق بابي ليقول لي : لقد عانيت الكثير في زمن النظام البائد وضحيت وخسرت الكثير الكثير .. لذا أنا مكلف بدعوتك للعودة الى وظيفتك مع نيل كافة مستحقاتك التي خسرتها طوال السنوات التي مرت . ولأن هذا لم يحدث ، ولأن زوجتي وأطفالي كانوا ينظرون إليّ في الرواح وفي المجيء وفي عيونهم ذلك السؤال المحرج ، مع تنامي وتقادم أيام ما بعد السقوط ، بأحداثها .. بمصاعبها ومصائبها ومآسيها .. تجرأ أصغر أولادي وسألني : بابا .. قلت أنهم سيطرقون بابنا ، لكنهم لم يفعلوا ؟ لم أستطع وقتها أن أرد عليه ، لم أستطع لأن أحلامي التي نثرتها على مائدة الطعام .. قبل السقوط وأثناءه وبعده .. تلك الأحلام كانت كبيرة جدا .. أكبر من السؤال وأكبر من الإجابة .. أكبر حتى من الصمت الذي ران عليّ في مواجهة عيني صغيري .. تلك الأحلام يبدو أنها (وعلى طريقة عراقنا للموبايل) خارج نطاق الخدمة ، أي أنها أحلام غير قادرة على التراسل والتعاطي مع مجريات ما يدعى بـ (الواقع)

إذن لم يطرق أحدهم بابي ! وتوالت الأيام وتعاقبت بين قذيفة هاون وعبوة ناسفة وسيارة مفخخة . وأنا وبدلا من التراجع أمام سخرية العيون الصغيرة المحيطة بي ، رحت أكابر وأغالي مع اشتداد البرد والولوج في عتمة الليالي القارسة وخلو البيت من النفط والكهرباء ، وبعد أن حكيت لهم قصصا كثيرة عن فضيلة بذل الجهد والمثابرة من أجل تحقيق الهدف مهما كان صعب المنال فقلت لصغاري لقد كنت مخطأ حين قلت لكم ان أحدهم سيطرق بابنا دون أن اسميه ، وها أنا أعلنها لكم بصراحة : الوزير سيطرق بابنا !! وسيرجوني بوصفي مواطن مظلوم أن أعود الى الوظيفة .. فما كان من صغيري المشاكس إلا أن ينخرط في قهقهة وكركرة حتى خشيت أن يكون على اتصال بالمعارضة .. أو انه يعمل كعضو سري فيها . لذا لم أنم تلك الليلة وبات حتم علي أن افعل أي شيء في سبيل استعادة مكانتي بين أفراد اسرتي ، وكان اول شيء فعلته في اليوم التالي هو البحث عمن يسهل علي مقابلة الوزير ، وبعد جهد جهيد وبحث وتقص وصلت إلى شخص قال أنه يعرف موظف صغير في الوزارة المعنية ، لكن الأمر بحاجة إلى ترتيب ولم افهم معنى في تلك المرة ، لكن كثرة ترددي على الشخص علمتني أن كلمة ترتيب تعني صرف المزيد ثم المزيد من النقود من اجل ترتيب موعد مع هذا الموظف ، لكن تهون النقود مادمت في النهاية وبعد مرور ستة اشهر قد حظيت بلقاء ذلك الموظف صديق صديقي ، فشرحت لـه بأنني كنت موظفا مثله وأنني فصلت من الوظيفة جورا وعدوانا لأني كنت وقتها راقد في المستشفى بعد أن مرضت مرضا شديدا ، وحين التحقت بوظيفتي أبلغوني بأنهم قد استغنوا عن خدماتي ولم تنفع الإجازة المرضية ولا العريضة التي قدمتها للسيد المدير في ثني الإدارة عن فصلي على الرغم من انهم لم ينذروني وقتها بإخطار وفقا للسياق المعمول به في زمن الطاغية . وبعد أن أصغى الموظف لحديثي قام كالملذوع من مكانه وهو يصرخ : كيف يحدث هذا ونحن في زمن الديمقراطية والحرية ، تعال غدا إلى الوزارة وسترى الوزير وتشرح لـه الأمر وسينصفك لا محالة .

وفي اليوم التالي ذهبت إلى الوزارة وهناك وجدت غرفة كبيرة كتب على بابها (راجع الاستعلامات) وحال دخولي صدمني وجود عدد هائل من الناس تصورت في البداية أنهم مراجعون مثلي لكن بعد دقائق قليلة علمت ان هؤلاء جميع هم موظفو الاستعلامات (بلا حسد) وما أن نطقت باسم الموظف – صديق صديقي – حتى رأيت الابتسامة تلوح على شفاههم ، ثم قال لي أحدهم تفضل إجلس في غرفة الانتظار ريثما نتصل به ، وحال دخولي إلى غرفة الانتظار شعرت بسعادة غامرة فثمة أكثر من طقم توزعت زوايا الغرفة وهي أطقم مغلفة بالجلد ومن النوع الذي لا نراه الى في الأفلام فضلا عن وجود طقس ساحر من البرودة اللذيذة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بواسطة مكيفات هواء حديثة تدعى بـ (سبلت يونت) ولأنني لم أنم ليلة أمس وأنا أعد الدقائق مترقبا اللحظة الموعودة حيث سأكحل عيني بمرأى طلعة السيد الوزير ، تمنيت لو أنهم تأخروا قليلا عن مناداة (صديق صديقي) كي انعم بإغفاءة قصيرة طالما افتقدتها منذ أعوام طويلة ، لكن حلمي لم يتحقق فقد وصل (صديق صديقي) وكان في غاية الظرف والرقة فدعاني للدخول إلى مبنى الوزارة ، وهو يعتذر بشدة لأنه تأخر لمدة خمس دقائق ، وفي غرفته شعرت بلذة مشابهة للذة غرفة الانتظار ، وعلى الحائط كان هناك جهاز سحري مماثل ، وقبل ان أتورط بإغماضة جديدة طرق الباب ، ودخل علينا رجل وقور – أكثر وقارا وحسن هندام من (صديق صديقي) وعرف نفسه قائلا (أنا مدير عام إدارة الوزارة) أرجو ان تتقبل اعتذاري وأن تتفضل معي إلى غرفتي لكي ارفع عنك الحيف ، وعلى الرغم من الذهول والحيرة التي أصابتني وجدت قدماي تقودني للسير معه ، وهنا وجدت في مكتبه الفخم الكبير جهازين من نوع (سبلت يونت) فسبلت عيني وأنا أدعو لـه في سري بالنصر المبين على الروتين في عراق متين ، وقبل أن افتح فمي لأتحدث مع السيد مدير عام .. طرق الباب ومنه دخل رجل أكثر وقارا وجاذبية من مضيفي المدير ، وعرف هذا نفسه قائلا أنا وكيل السيد الوزير وقد علمت بحضورك فأرجو أن تتفضل إلى مكتبي لأنه لا يجوز أن تحل قضيتك بيد شخص آخر غيري ، ولأنني كنت مرتبك أصلا حين التقيت السيد المدير زاد ارتباكي درجتين أخريين وصرت أتعثر في مسيري حتى وصلت أخيرا إلى غرفة هي أشبه بجناح في فندق خمس نجوم و(نص) وهناك وجدت طقم رئاسي مائة بالمائة ذهبي اللون يخطف الأبصار وقد تحاشيت الجلوس عليه لكن السيد الوكيل بدا محرجا0 من وقوفي وأوشك على الانحناء على ركبتيه وهو يرجوني أن ارفع الكلفة وأن اجلس بكل حرية وهو يؤكد لي بأنه رجل شريف ونزيه وبأنه ليس أكثر من مجرد خادم (للشعب) وبما أنني فرد من أفراد هذا الشعب فهو بالتالي خادم لي . وقد أخجلني هذا التواضع الكبير من قبل شخص في مثل مركزه ، وكنت أتمنى في تلك اللحظة أن يرى بعض ضعاف النفوس ممن يتهمون المسؤولين بالرشوة والفساد الإداري أن يروا هذا المشهد بأنفسهم كي يحكموا فيما اذا كان من الممكن لرجال بهذا المستوى من الخلق الكريم أن يرتشوا ، لكن استرسالي في التمني توقف اثر سماع طرقات على الباب .. ولا أخفيكم شعرت في تلك اللحظة بذعر كبير ، فمن ذا الذي سيطرق الباب الآن !! وقد صدقت توقعاتي حين انفرج الباب عن هيئة هي غاية في الوقار والخطورة ، وقبل أن يفتح فمه ويقول : أنا الوزير . قمت من مكاني وصرخت به كفى مزاحا وسخرية ، عد بي إلى غرفة الانتظار ، فأنا وعلى الرغم من بساطتي لن ابلغ هذا المبلغ من السذاجة فأصدق بأن ما يحدث هو حقيقة واقعة . وفعلا لم يكذب الوزير الخبر فصفعني صفعة مباغتة أعادتني إلى غرفة الانتظار ، حيث انحنى ناحيتي رجل الاستعلامات ويبدو أنه كان يهزني أو يلكزني منذ وقت ليس بالقليل ، ففتحت عيني وأنا أسأله : هل أذن لي بدخول الوزارة ، فقال وهو يهز يده مستغربا : أستاذ الدوام انتهى والموظف الذي طلبته يسلم عليك ويقول لك (ماكو تعيين ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذكرى وفاة الشاعر أمل دنقل.. محطات فى حياة -أمير شعراء الرفض-


.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي




.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني


.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم




.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع