الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في البحث عن الخلاص -في انتظار المخلص -

فتحي علي رشيد

2019 / 1 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


تبين الأساطير السومرية والآرامية والكنعانية المكتوبة على الألواح الطينية ,كما التوراة في سفري أيوب و حزقيال أن البشرية المعذبة كانت طوال الوقت تتحمل العذاب والشقاء والظلم على أمل أن كل ذلك ,لابد أن ينتهي يوما ما وسينتهي فعلا مع مجئ النبي أو الرسول "المخلص " وهو ماتجلى في انتظار اليهود للماشيح "المخلص "الذي عندما جاء استنكروه ,بل عملوا على قتله وقتلوه فعلا .(كما تؤكد على ذلك كتب التاريخ ) ثم راحوا يأملون فقرائهم وفقراء العالم وكل من آمن بفكرة انتظار "المخلص "(باللغة الأرامية الماشيح ,وبالعربية المسيح ) ( من سموا لاحقا بالمسيحيين )خاصة ـ الناس المعذبين والمقهورين والمهمشين والمغلوبين على أمرهم ـ بأن ماعليهم سوى تحمل العذاب والشقاء بانتظار قدوم المسيح الحقيقي أو المسيح الذي صعد إلى السماء ,والذي سوف يأتي يوما ما عندما يقرر الرب ,وقد يكون ذلك في آخر الزمان ليعم بعدها العالم السلام والوئام وووإلخ .وكان هذا بمثابة عزاء أخروي للمعذبين بما يجعلهم يتحملون في الدنيا الشقاء ووالظلم والحرمان .
الفكرة ذاتها تقريبا وجدت طريقها بعد تفشي الظلم والاضطهاد في الدولة الأموية وجدت مخرجا لها لدى المسلمين ـ خاصة الشيعة ـ بغيبة الإمام .كما غاب المسيح ليعيشوا ويتقبلوا الحرمان في الحياة الدنيا بانتظار "المهدي المنتظر " .وخلال الفترات الماضية كلها كان رجال الدين يقنعون العامة المقهورة وغير القادرة على ازاحة الظلم , بأن عليهم تحمل العذاب والشقاء على أمل ظهور المهدي أو عودة المسيح وانتظار الخلاص الذي سوف يأتي قريبا على يديهم .
.وهي ماجسدها بشكل ساخر الرئيس السوداني "عمر البشير" بقوله للمتظاهرين الذين لم يجدوا الخبز اللازم لإطعام أولادهم "ماعليكم سوى الانتظار سنتين , موعد الانتخابات " .وإن لم تقبلوا عليكم أن تتقبلوا التهجيركما حصل مع السوريين .والطريف أن محافظ درعا قال في ذات اليوم لوجهاء حوران المتذمرين من التشبيح والغلاء بقوله لهم :" اللي ماعاجبه . الحدود بطلع جمل "
للرد عليهما قال مصطفى السراج : لماذا لاتخرجون انتم كأقلية حاكمة وظالمة بدلاً من إخراج شعوبكم المقهورة والتي تشكل الغالبية ؟.ونحن نضيف هل مكتوب علينا كشعوب مقموعة ,إما أن نتقبل الظلم والخضوع والخنوع عن سابق وعي وإصرار وتصميم .وإما التهجيروالتشريد ؟وهو في الحالتين واحد لأننا سنعيش داخل أوطاننا أو خارجها مهمشين ومغتربين ومحرومين .واما أن نأخذ بالحل الآخر .

الحل الذي قدمه بيكيت ( كاتب مسرحي ايرلندي )
فكرة الانتظار العبثي . التقطها الكاتب الإيرلندي "صموئيل بيكيت " وجسدها في مسرحية "في انتظار غودو " ليقول لنا أن الخلاص " لن يأتي " والانتظار لن يفيد. عظمة "بيكيت " تكمن في تأكيده على أن هذا الغد المنتظرللشعوب المقهورة ومنها الشعب الإيرلندي والشعب السوداني والشعوب العربية لن يأت .وانتظارهم للخلاص كانتظارالإيرلنديين ل"غودو" الذي لن ياتي مهما انتظروا , وأننا كبشر مغلوب على أمرهم أينما كنا .إذا بقينا العمر كله ننتظر مجيئ المخلص فلن نحصد إلاً مزيدا من الشقاء والعذاب دون جدوى وسنظل نعيش القهر والظلم والتهميش ,وننتظر بلاجدوى إلى مالا نهاية .وكأن بيكيت قال وهو قد قالها : "أننا إذ لم نبادر ونأخذ زمام المبادرة ونغيرواقعنا والعالم بأيدينا وأسنانا فإننا سنظل نعيش الشقاء والظلم والحرمان والعبث والاغتراب إلى الأبد .وبهذا فإننا لا نسلم رقابنا بأيدينا ـ سلفا للمجرمين واللصوص والقتلة والمستبدين والمستغلين فحسب , بل نحكم على أنفسنا بالعبودية إلى الأبد .وهذا ماتعلمته وفعلته الشعوب الأوربية بعد معاناة شاقة وصراع طويل مع المستبدين .
قد يكون سلوك هذا الطريق مؤلما ومزعجا للكثيرين كونه يفقدهم أمل الانتظارويزيل من عقولهم ونفوسهم التعلق بوهم الانتظار والخلاص القادم قريبا , وكونه يلقي عليهم مسؤوليات لا قبل لهم بها . و لكنه مع ذلك أفضل من البقاء أسرى الوهم بلاطائل .
الحل الجماعي :
في حوار مع الدكتور "الطيب تزيني " قال في تبرير توقفه عن الاستمرار في مشروعه النهضوي . "تكمن مشكلتنا في انتظارمشروع يتقدم به مفكر أو فيلسوف واحد .وهي ناجمة عن انتظارنا الدائم لمفكرأو لنبي أو مخلص قادر على تخليصنا من مشاكلنا . لكن بما أن مشاكلنا باتت معقدة ومتعددة الأوجه ,فلم يعد بإمكان فرد واحد مهما كان عبقريا ,أن يقدم لوحده حلولاً لها ,بل لابد من اجتماع أو جمع عدد من المفكرين والباحثين في اختصاصات عدة للبحث والحوار في دائرة مستديرة قد تطول أشهرأو سنوات لطرح حلول قابلة للتطبيق.
أعتقد أن دول أوروبا الغربية (بدرجات ) تجاوزت هذه المشكلة وقدمت لها حلا بسيطا يقوم على إنشاء وإقامة مراكز بحوث ودراسات تضم خبراء موثوقين ومشهود لهم في اختصاصات متعددة تتابع وتغيرالقرارات حسب معطيات الواقع المدروس والمعاش .تتغيرشخوصها ببساطة إذا ما أخطأت أو فشلت مشاريعها المقدمة مع الابقاء على قابلية الاصلاح والتغيير .
أتصورأننا قبل أن نصل ـ ولكي نصل ـ لمثل هذا الحل نحتاج لمشوار طويل .مشواريفترض أن يبدأ بالعمل على خلق وايجاد واختيار قيادات وأنظمة تعمل لمصلحة شعوبنا .قيادات وأنظمة تختارها شعوبنا بحرية .وعندما لاتنجح في إخراجنا من مآزقنا أو تفشل في تنفيذ برامجها الموعودة يجب اختيارغيرها .ويفترض أن تتنازل عن السلطة لغيرها . وإن لم تفعل ,فهذا معناه أنها لاتعمل لمصلحة شعبها , بل إما أنها تعمل لمصالح خارجية أو لمصالح ذاتية ضيقة .أوللجهتين معا . عندها لابد من العمل على إسقاطها .
فتحي علي رشيد 20/1،/2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على