الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[54]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 22
الادب والفن


54. في حديثكِ عن بعض السلوكيّات غير الحضاريّة لبعضِ العيّنات من المجتمع الأوروبيّ، حديث أيضاً عن عدم الوعي العميق لدى العديد من النّاس بمفهوم المواطنة، وبما عليهم من الواجبات ولهم من الحقوق، أنت أسماء غريب باعتباركِ أديبة "مهجريّة" كيف تعرّفين المواطنة والعيش في بلد غير الّذي رأيتِ فيه النّور؟

د. أسماء غريب

الأمثلة الّتي سقتُها في إطار جوابي الآنف حمّالة أوجه وقابلة للتأويلات، إذ ثمّة من سيرى مثلاً أنّه من حقّ المواطن أن ينعمَ أيضاً بالنَّقْل المجّانيّ داخل المدينة الَّتي يسكنُها وخارجها، وسيرى أنّه لو كان الأمر كذلك لما اضطرّ هذا الأخير إلى عدم أداء ثمن التّذكرة أو اختلاس المال العامّ بهذه الطّريقة. وثمّة من سيرى أيضاً أنّ الأرملة من حقّها أن تعيش من مال زوجها الرّاحل الّذي قضى عمره وهو يعملُ في مؤسّسات الدَّولة، ولا تضطرّ فيما بعد إلى العيش مع رجل آخر دون إعلام الجهات المعنيّة بالأمر فتُوسَمَ هي الأخرى باختلاس المال العامّ، وهكذا دواليك من الأمثلة الّتي لا تعدُّ ولا تحصى بما فيها حالةُ المُبصر الّذي يدّعي أنّه كفيف ليحصل على راتب العجز أو الإعانة الاجتماعيّة الشّهريّة، وحالةُ المُطلَّقَةِ الّتي تحكُمُ لها المحكمة بالنّفقة وتذهبُ لتعيش بها مع عشيقها، بعد أن تكون قد جرّدت الزّوجَ الأوّل من كلّ شيء ودمّرت حياته دون أن يرفّ لها رمش، إلى غير ذلك من الحالات الّتي لو أنصتْنَا لكلّ واحدة منها فإنّنا سنسمعُ من المسوّغات ما ليس له بداية ونهاية، وهذا لا يدخلُ فقط في إطار الفساد الرّوحيّ والأخلاقيّ الّذي يعيشه العديد من النّاس في كافّة المجتمعات لا الأوروبِّيّة فقط، وإنّما يدخل أيضاً في غياب الحسّ بالمواطنة تماماً، أيْ لا أحدَ يعنيه من البلد الّذي يعيشُ فيه شيءٌ، كذاك الّذي يحرصُ على نظافة منزله، ويرمي بالنّفايات في الشّارع ناسياً أنّ البلد أو الوطن بمفهومه العامّ هو البيت الكبير الّذي ينعكسُ عليه وفيه وبه خُلق المواطن، والّذي منه يمكن التّطلّع أيضاً إلى مفهوم المواطنة الكونيّة، أيْ أنْ يشعُرَ الإنسان بأنّه معنيّ بالأرض والنّاس كافّة، فتكونُ بالتّالي الأرضُ بيتَه الأكبر، والنّاس جميعاً إخوانه في الإنسانيّة.

أمّا فيما يتعلّق بالشّقّ الّذي أشرت فيه إلى مفهوم المواطنة بالنّسبة لي باعتباري أديبة "مهجرّية"، فأعتقد أنّ الّذي تجتمعُ فيه صفات المواطنة الحقّة وهو في بلده الأمّ، لا شكّ سيكون مواطناً جيّداً حتَّى في البلدان الأخرى، وأذكرُ أنّه حينما كنتُ أعيش في بلدي الحبيب المغرب، كانت وزارة التَّعليم المغربيّة حريصة جدّاً على إقرار تدريس مادّة في غاية الأهمّيّة هي (التَّربيّة الوطنيّة) منذ الصُّفوف الأولى، وذلك حتَّى يتعلّم الطّفلُ منذ نعومة أظافره كيفَ يكونُ مواطناً صالحاً، ويتعرّفَ على مفاهيم جديدة تفتح عينيه على مستقبلٍ أكثر إشراقاً ونضجاً ووعياً وتخلّقاً بصفات الإنسان الطّيب الصّالح، وإنّي لأظنّ أنّ هذا قد ساهم بشكل كبير في كوني وجدتُ نفسي مواطنةً بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى حتّى في بلدي الثّاني إيطاليا، أيْ حتّى قبل أن يمنحنِي هذا البلد الجنسيّة الإيطاليّة بعد أقلّ من ثلاث سنوات على تواجدي فيه، وإنِّي لأذكُر جيّداً اليومَ الّذي أصبحتُ فيه مواطنة إيطاليّة؛ لقد كان ذلك منذ 16 عاماً تقريباً، وأذكر أنه بعد انتهاء مراسيم أداء القسَم الوطنيّ (كما هو ظاهر في الصُّور المرفقة)، طلبتُ من زوجي أن يأخذَني في نزهة بأرجاء المدينة الّتي أعطتني اسمها وتاريخها، وبينما أنا وسط أماكنها العريقة شعرتُ وكأنّ المدينةَ اصطبغتْ بي، وانصهرت فيّ، فأصبحتُها وأصبحتنِي، ولبستُها ولبستني. كان ذلك ولم يزّل من أعمق التَّجارب في حياتي، وبناءً على هذا أقول إنّ المواطنة خُلُق وثقافة، فأن تكون في بلد آخر غير بلدكَ، فهذا يعني أنّه عليك أن تكون ملّماً بكلّ شيء: اللُّغة، الدّستور، والقوانين وكلُّ ما له علاقة بالحياة اليوميّة الإداريّة والسِّياسيّة وما إليها دون أن تفرّط في هويّتك وأصلكَ، لأنّ الإنسان بأصلهِ أثرى وأعمق وأقوى، ولأنّه يكون ثروة فكريّة لا يمكن التَّفريط بها أبداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس