الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[56]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 22
الادب والفن


صبري يوسف

56. الحديثُ عن علاقة الدّول المُستَقبِلة أو المضيفة بالمهاجرين يجرُّ ولا شك إلى التّساؤل عن الهجرة العكسيّة، ماذا عنها؟

د. أسماء غريب

إيطاليا كانت ولمْ تزَلْ بلدَ الهجرات الثَّلاث: هجرة الإيطاليّين خارجَهَا، وهجرة "الأجانب" إليهَا، وهجرة هؤلاء "الأجانب" منها عائدين إلى بلدانهم الأصليّة أو قاصدين دُولاً أخرى غيرها.
أمّا عن النّوع الأوَّل من الهجرة فأسمّيه بـ "إيطاليا خارج إيطاليا"، وقد سَجّلتِ الإحصائياتُ بصدده هجرةَ أزيد من 27 مليون إيطاليّ في مئة عام فقط، أيْ ما بين 1870 و1970. وهذا عددٌ كبير جدّاً لدرجة أنّ هناك العديد من المدن في دول غير إيطاليّة أصبح نصف ساكنتها مع بدايات القرن العشرين من أصول إيطاليّة، مثلاً مدينتَيْ بوينوس آيريس وساو باولو، وكذا نيويورك وتورونتو، هذا بغضّ النّظر عن تدفّق الإيطاليِّين على دول أخرى كالسّويد وفرنسا وألمانيا سواء كان ذلك قبل الحرب العالميّة الثانية أو بعدها.
أمّا عن عدد الإيطاليين الّذين يعيشون في دول غير أوروبيّة فأصبحَ اليوم يتجاوز 60 مليون مهاجر، وهُمْ هكذا يفوقون بتواجُدهم في هذه الدُّول عدد ساكني إيطاليا نفسها. وهذا هو ما يسمّى اليوم بالهجرة العكسيّة، إذ أنّ العديد من الدُّول بما فيها العربيّة أصبحت مستضيفةً للمهاجرين الإيطاليّين بعدما كانت شعوبُها هي الَّتي تهاجرُ قاصدةً إيطاليا، وقد حدث هذا التَّغيير العكسيّ بسبب النّكسة الاقتصاديّة الكبيرة الَّتي أصبحتْ تعاني منها الدُّول الأوروبيّة عموماً لا إيطاليا فحسب.
ولي من هذه البلدان العربيّة الّتي أصبحتْ تستضيفُ المهاجرَ الإيطاليّ أمثلة عدّة، أذكر منها المغربَ الّذي أصبحَ يُقيمُ فيه أزيد من مليونين وستمائة وثمانين ألف إيطاليّ (2.680.000) حسبَ ما صرّحتْ به وزارة الدَّاخليّة الإيطاليّة في السَّنوات الأخيرة. ولقد كان الصّقلّيّون أوّل من وصلَ إلى المغرب قادمين إليه من تونس في منتصف القرن الثّامن عشر. وفي سنة 1913 وصل عددهم إلى 3.500 إيطاليّ، وكانت العاصمة الاقتصاديّة الدَّار البيضاء مركزَهم الرّئيس وخاصّة في حيّ المعاريف. كما سُجِّلَ بعضُ الحضور الإيطاليّ في شمال المغرب ومدن الرّيف. وقد حرصَ الإيطاليون عموماً على إنشاء بعض المؤسّسات الثّقافيّة الخاصّة بهم في المغرب مثلاً المدرسة الإيطاليّة في الدّار البيضاء، وكذا مركز دانتي أليغييري، ونادي الإيطاليِّين. ويلاحظ نشاط العديد من رجال الأعمال والاقتصاد الإيطاليّ بشكل أكبر في المجال الفلاحيّ، وقطاع الصَّيد البحري، وكذا الصِّناعات التَّقليديّة، والميدان السِّياحيّ.
أمّا بالنسبة للنوع الثَّاني من الهجرة، أيْ هجرة الأجانب أو المغتربين إلى التَّراب الإيطاليّ والَّذي تحدثتُ عنه وإن بإيجاز في الجواب رقم 55، فإنّ السَّؤال الَّذي يجب طرحهُ ونحن بصدده، هو الآتي: لماذا لم يستفِد الإيطاليون من تجربتهم كمهاجرين من أجل الوصول إلى حلّ العديد منَ المشاكل الّتي تواجهُهم وهُم في احتكاكهم اليوميّ بالجموع الغفيرة المتدفِّقة عليهم من مناطق مختلفة من العالم؟!
هل هذا يعود إلى عدم تسليط المهتمّين بالتّاريخ الإيطاليّ الوطنيّ الضَّوءَ على إيطاليا المهاجرة؟ ربّما تكمنُ الإشكالية هنا، لأنَّ هذا يعني بشكلٍ مباشر مدى معاناة المواطن الإيطاليّ البسيط من التّعتيم الحاصل في هذا الشّقّ من تاريخه الوطنيّ، إذ قليلة هي الكتبُ الَّتي تتحدّثُ عن هذه القضيّة، وقليلة هي الأعمال السّينمائيّة الّتي تناولتْها بالتّحليل، ولا توجد مراجع أكاديميّة وتعليميّة تؤرّخ لهذه الحقبة من تاريخ إيطاليا المهاجرة في العالم أجمع بما فيه الدُّول العربيّة، كمصر وتونس، وكافّة دول الخليج.
في هذا المجال لا يلاحظُ فقط التَّقصير من جانب أهل التّأريخ، ولكن هناك أيضا تقصير من جانب رجال الدّين المسيحيِّين، الّذين مازالت تنقصُ العديدَ منهم الإحاطةُ الشّاملة بالشَّأن العربيّ الإسلاميّ على وجه التَّحديد، وهي المشكلة نفسُها الّتي يعاني منها بالمقابل رجال الدّين المسلمين، فثقافتهم عن الدِّين المسيحيّ وعن الآخر المختلف التَّفكير بشكل عام مازالت ضعيفة جدّاً، إذ ما الَّذي ننتظرُه مثلاً من إمام مسجد يقيمُ في دولة أوروبيّة يعتقد أنَّ المسيحيِّين كفّاراً وتجبُ محاربتهم وقتلهم إذا استدعى الأمر ذلك؟ بل ما الَّذي ننتظرهُ مثلاً من رجل دينيّ مسيحيّ يعتقدُ ألّا خلاص سوى في المسيحيّة وأنّ قرآن المسلمين مثلاّ هو مجرّد قصص قام بتأليفها محمّد!
بقي الشّقّ الآخر المتعلّق بالنّوع الثّالث من الهجرة، وأعني به هجرة العودة إلى البلد الأمّ بعد أن يكون قد قضى "المغترب" سنين عدّة على التُّراب الإيطاليّ، وهذه تعدُّ أصعب الهجرات على الإطلاق، لأنّها هجرة مركّبة، وتجمع بين أرضيْن ووطنيْن: أرض المنشأ وأرض الكدّ والعمل والكدح، أرضٌ تُتْرَكُ في بداية الشَّباب وأخرى تُهْجَرُ حينما يتقدّمُ العمرُ بالإنسان ويصبحُ يفكّرُ في ماضيه البعيد، وأهلِه وناسه والتُّراب الَّذي يحبُّ أن يُرْمَسَ جسدُه فيه ويُضَمَّخَ بعطره، إنّها تحوُّلات الإنسانيّة من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، تحوّلات تنساها كتب التَّاريخ والسِّياسة ولا تكتبُ عنها شيئاً، وإن كانت هيَ هذه التَّحوّلات الّتي تصنعُ تاريخَ الأمم والأجيال والشُّعوب.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي