الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[62]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 24
الادب والفن




لا أعتقد أنَّ المسألة هي حكر على الشّرق أو على العالم العربيّ على وجه التَّحديد بقدر ما يرفضُ التَّنويرَ كلُّ صاحبِ فكْر متحجّر ومتعصّب في كلّ بقعة من العالم بغضِّ النَّظرِ عن الدّين والانتماء والاعتقاد، لأنّ التَّعصّبَ هو مسألة فكريّة أكثرَ منها دينيّة، وهذا ما يفسّر ظهور الأحداث الدّمويّة في العالم بأسره وليس في منطقة دوناً عن غيرها، وإن كان الأمرُ يأخذُ في الكثير من الأحيان مظاهر وأشكال متنوّعة ومختلفة. وعلى عكس ما قد يعتقده البعض، فالتَّنوير لا يوجد في كلّ مكان، وإنّما هو شيء نادر جدّاً، وإن كانت العديدُ من الشُّعوب بما فيها الغربيّة تدّعي ملكيتَه وحدوثه فوق أراضيها.

وإذا كان الإنسانُ لا يصلُ على المستوى الشّخصيّ إلى التَّنوير كحالة فكريّة وروحيّة عميقة من الصَّفاء ووضوح الرُّؤية إلّا بعد حدوث الزّلازل الدَّاخليّة، والتَّجارب الجذريّة والخسارات الحياتيّة، فإنّ الشّعوبَ لا يمكنها هي الأخرى أن تصلَ إلى هذه المراحل من الوعي إلّا بعد توافر شروط الزّلزال المعرفيّ والكارثة الفكريّة الّتي عادة ما يكون ثمنها باهظاً، لأنّ التَّنوير الحقّ فكرٌ ينبثقُ من جرح كبير، هو في الواقع حفرٌ ونبشٌ بمشرط الطبّ والأركيولوجيا في عمق أعماق النّفس البشريّة والرّوح من أجل إزاحة طبقات الظّلام والعتمة، وإفساح المجال لفكر جديد يُعرّي ويُزحزح، ويغسلُ ويحرقُ ويُعَقّم.

أمّا لماذا فشل التَّنوير في العالم بأسره لا العربيّ فقط، فالأسباب عديدة أولها: رفضُ التّغيير والتَّعنّت الَّذي لا مبرّر له، والتَّمسّك بأسمال الماضي، مع الحرص على إيهام الجماهير بأنَّ تقدّم الشُّعوب لا يمكنه أن يتحقّق إلّا داخل المنظومة الدّينيّة الّتي لا تتنازلُ عن قدسيّة النّصّ التَّقليدي وتُطبّقُه كما هو دون محاولة استيعاب أنَّ المعرفة البشريّة في تطوّر مستمرّ، وألّا شيء ثابت في الوجود بما في ذلك الواقع المعيش والإنسان الّذي هو مُتلقٍّ يتغيّرُ أبداً لنصّ "مقدّس" سِمَتُه الثّباتُ في وجوده الحرفيّ فقط لا الدّلاليّ.

ثانيا الإيمانُ بنظريّة المؤامرة والتّواطؤ، إذ كلّ شعب يتخيّلُ أنَّ ثمّة مَنْ يحيكُ ضدّهُ الدَّسائس في الخفاء، وأن التّنويرَ إحدى أخطر هذه الدّسائس الَّتي هدفُها الرَّئيس -حسب اعتقاد عامّة النَّاس- زعزعة الثَّوابت القديمة وخلق البلبلة والفوضى في المجتمعات، في حين أنّ التَّنوير الحقّ لم يكُنْ أبداً كذلك بقدر ما هو مشروع منافس ومناهض للمشروع الدّيني، وهو ليس بحالة تَرَفِيّة ولا ترفيهيّة مادام هدفه انتشال الشُّعوب من براثن التَّخلُّف المدنيّ، الَّذي باِسمه مازالتْ تُرتَكبُ أفظع الحماقات بما فيها الحروب العرقيّة والدِّينيّة وما إليها من جرائم في حقّ الإنسان والإنسانيّة، ستعودُ للظهور مرّة أخرى حتّى في أوروبّا بسبب خطر المدّ "النّازيّ" الجديد الَّذي لم ينتبه اليوم إلى بوادره الأولى إلّا القلّة القليلة من أهل الفكر والحصافة.

ثالثاً استغباء أعداء التَّنوير للجماهير محاولين ممارسة الإقناع الانفعاليّ بمدى شرعيّة الخطاب التَّقليدي وتقديمه بالتَّالي كبديل وحيد للفكر الإنسانيّ عامّة مع إلغاء كل ما هو علميّ، أو فلسفي أو تنويريّ عموماً متّهمين هذا الأخير بأنّه خطابٌ يتجاوزُ النّصَّ التَّقليدي أو يحاول إلغاءَه والقفزَ عليه، وقد يصل هذا النّوع من الاستغباء أقصى درجات الهوس والعدوانيّة حينما يظهرُ من بين هؤلاء من يُفسِّرُ الكوارثَ الطَّبيعيّة -على سبيل المثال لا الحصر- كعقابٍ ضدّ من لا يؤمنُ بالله، دون أن يدركوا تماما أنّ الله ليسَ في حاجة لمن يؤمنُ به أو لمن يُطيعه حتّى يكتملَ مُلكه، ولا لمَن يخافهُ ويخشاه حتّى تتجلّى قوّتُه وجبروته وهيمنته. وإنّي لحقّاً أستغربُ كيف يدّعي الإيمانَ إنسانٌ يبتَهِجُ بإعصار يضربُ منطقةً معيّنةً في العالم، لا لشيءٍ سوى لأنّهُ يرى في هذا الإعصار نقمة وغضباً إلهيَيْن على من هو من وجهة نظره المحدودة عدوّ له في الدّين وفي الفكر. فأيّ دين هذا الّذي يجعلُ بعضَ النّاس يتمنّون للعالم الدّمار؟! وحشيّة ما بعدها وحشيّة، وساديّة ما بعدها ساديّة هما للأسف السّمة الغالبة على الكثير من أعداء الفكر والتَّنوير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي