الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[64]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 24
الادب والفن


صبري يوسف

64. لماذا هناك ضمور وتقلُّص في الجوانب الأخلاقيّة والقيم الإنسانيّة في توجُّه سياسات هذا الزَّمان؟

د. أسماء غريب

الفسادُ هو السّببُ الرّئيس في هذه المأساة. الفسادُ المُستشري في قمّة الهرَمِ الاجتماعيّ قبل قاعدته. أبوهُ الجَهْلُ، وأمُّهُ الاستبدادُ. وكلُّ جاهلٍ فاسدٌ، وكلُّ فاسدٍ مستبدٌّ. وإنّني لأعيشُ في زمان رأيتُ فيه ما يُدمي القلوبَ ويحرقُ العقولَ. نعم، لقد رأيتُ في العالم بلداناً وزراءُ الثّقافةِ فيها ليس لديهم أيّة شهادةٍ جامعيّة عليا، ولا يعرفونَ عن الثّقافةِ شيئاً، ولا حتَّى عن السّياسة والعمل الدّيبلوماسيّ. ورأيتُ طالباتٍ يتخرّجْنَ في الجامعات بتنّوراتهنّ القصيرة جدّاً جدّاً، وأحمر شفاههنّ الفاقع جدّاً جدّاً، ليُصْبحْنَ في آخر المطاف "أستاذات" جامعيّات يتقاضين أرفعَ الأجور مثلهنّ في فسادهنّ مثل فساد البرلمانيّات اللّائي لا يكففنَ عن الكذب والتّزوير وخلط الأوراق، لا هنّ ولا غيرهنّ من نساءٍ كثيرات يُساندُهُنّ في فسادهنَّ رجال أكثر فساداً منهنَّ.

الكلّ فاسد، مؤسّساتُ الدّين والسّياسة، مؤسّسات التّعليم والصّحة، مؤسّسات العدل والاقتصاد، ثمّ مؤسّساتُ الإعلام والفكر والثّقافة وأهلها، وهنا مربطُ الفرس لكمونِ الطّامّة الكبرى فيه.

إنّ من يعاينُ حالةَ المثّقفين اليوم في العالم قاطبةً سيجدها بائسة إلى حدٍّ يثيرُ الشّفقة والاشمئزاز. لقد بات "المثقّفُ" مُغَيَّباً تماماً عن الثّقافة الحقّة، ثقافةَ البناء والتّشييد والتّغيير والتّنوير. هذه المفاهيم بالنّسبة لهُ لمْ تعُدْ صالحة لشيء، وتراه في كلّ يوم يُغَيّرُ دفّة شراعه حسبَ حركة الرّياح السِّياسيّة والأمواج النّفعيّة. الثّقافةُ اليوم وأكثر من أيّ زمن مضى تابعةٌ للسياسي، والسّياسيُّ فاسدٌ، والمثقَّفُ مُهرّجٌ تابعٌ لا أقلّ ولا أكثر. ومواقع التّواصل الاجتماعي فضحتِ الجميع، شكلاً وخُلُقاً.

وكلُّ صاحبِ قلم نزيه يجدُ نفسَهُ خارج المنظومة بأكملها، يعاديه الجميعُ مادام لم يلوِّثْ نفسَه بالانضمام إليهم. والشّبابُ ممّن يدّعونَ الثّقافةَ اليوم ليس عندهُم أيّ احترام للأجيال السّابقة من آباء المعرفة والأدب والفكر، حتّى أنّه يمكنكَ أنْ تجدَ (على سبيل المثال لا الحصر) شاعراً شابّاً لمْ يمْضِ على خروجه من البيضة سوى بضعة أعوام يتطاولُ على شاعرٍ أكبر منه سنّاً وأكثر منه وعياً وثقافة، ويفعلُ المستحيلَ من أجل عرقلة مساره، فقط لأنّه من وجهة نظره لم يعُدْ صالحاً لشيء، أو لأنّه لم يكتبِ الشّعرَ إلّا بعد أن كَبُرَ وتقاعد عن عمله. هناك نقصٌ في التّربية والأخلاق والذّوق والإيتيكيت. ومنذ متى كانت الثّقافةُ مرتبطةً بقلّة الأدب والبلطجة؟ هذا هو أسلوبُ العديد من الشّباب "المثقّف" اليوم: قضاءُ اللّيل في الحانات وبيوت الدّعارة، وتدخين كلّ شيء والصّعلكة الخِلقيّة والخُلقية، ثمّ التَّملّق والوصوليّة الّتي لا أوّل لها ولا آخر. وبهذا الضّياعِ يريدونَ أن يفرضوا علينا نموذجَهُم الجديد، وعلينا نحن أن نستسيغه!

هذا هو حالُ الثّقافة في العالم بأسره، ولا أؤمن أبداً في هذا المجال بتفوّق وتقدّم الغرب على الشَّرق ثقافيّاً، لأنّ من يعيشُ في دول الغرب من العرب مثلاً يعلمُ جيّداً أنَّ الكلّ يتساوى في هذا الانحطاط، وذلك لأنَّ فرصة عيشه هذه في دول المهجر تتيح لهُ معاينةَ الأمور من الدّاخل، وفي الأوساط الثّقافيّة نفسها. يكفي فقط أن نطّلعَ على أعمال حاولتْ بشكلٍ أو بآخر أن تكتبَ بالمبضع بدل القلم، كي نعلم حقيقةَ ما أشرتُ إليه، إذ هناك مثلاً في إيطاليا الرّوائي إيطالو زفيفو وروايته الشَّهيرة (ضمير السّيّد زينو)، وكذلك الكاتب السّياسيّ ورجل القانون آلدو مورو الّذي عالج العديدَ من القضايا عبرَ كُتُبٍ ونتاجاتٍ كان همّها الأساس الإصلاح السِّياسي والقانوني للمجتمع الإيطاليّ، أذكر من بينها: (أيّام العذاب)، و(سلطة الكلمة)، و(دمي سيسقط فوقهم)، ثمّ (55 يوماً من الرّصاص / رسائل من المعتقل)، وغيره من أدباء آخرين ندّدوا بالفساد الثّقافي والسِّياسي كليوناردو شاشا، وآندريَه كاميلّيريه.

ومظاهر الفساد الثّقافيّ عديدة، أركزُّ فيها على وضعيّة المرأة المثقّفة ومكانتها ومدى صمودها أمام هذا السّيّل الجارف من الوحَل الفكريّ والظّلام المعرفيّ، وهي القضيّة الّتي سأتطرّق لها بإسهاب في جوابي عن سؤالك المقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي