الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول خطاب السيسي بمناسبة عيد الشرطة المصرية

سامي حسن موسى

2019 / 1 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


ألقى السيسي بالأمس خطاب بمناسبة الاحتفال بعيد الشرطة المصرية، وهو احتفال بالمقاومة الباسلة التي أبداها عساكر وضباط الشرطة المصرية في الاسماعيلية في يناير 1952، عندما طلب الإنجليز منهم تسليم أسلحتهم كتمهيد لإقتحام الاسماعيلية بوصفها مركزا لمقاومة الاستعمار الإنجليزي، وحين رفضت الشرطة المصرية ذلك الأمر وآثرت أن تقف في صف المقاتلين الفدائيين، أثار ذلك حفيظة الإنجليز وهاجموا مبنى المحافظة، وفي قتال غير متكافيء -حيث تشكلت القوة الانجليزية من 7000 جندي بأسلحة متطورة و6 دبابات سنتوريان وعربات مصفحة ومدافع في مواجهة حوالي 800 فرد من الشرطة المصرية ببنادق عادية قديمة ذات خمس طلقات- دافع أفراد الشرطة البواسل -في معركة حامية الوطيس- عن مبنى المحافظة لمدة ساعتين متواصلتين تحت قصف المدافع والدبابات وزخات الرصاص حتى نفذت ذخيرتهم تماما، وحتى استشهاد 50 منهم وإصابة 80 فرد، وعلى آثر ذلك اندلعت المظاهرات الشعبية للطلاب والجماهير الغاضبة والتي أنضم إليها أفراد الشرطة المصرية منادين بالمقاومة، وكنتيجة للأحداث كان انقلاب الضباط الأحرار في نفس السنة.
وقدم السيسي كالعادة تحيته إلى الشرطة المصرية التي تقدم تضحياتها دائما وأبدا، حاثا إياهم على العطاء أكثر وتقديم المزيد، ومطابقا كالعادة أيضا بين موقف الشرطة المصرية الباسلة في الاسماعيلية وبين موقف الشرطة المصرية اليوم، حتى أنه حرص على تكريم أبناء أحد الضباط المشاركين في واقعة الاسماعيلية، وتصدر هذه التكريم أغلب الصحف اليوم.
يروج السيسي دائما لوجهة النظر هذه، ففي كل مكان وكل يوم يعلن أن الشرطة المصرية وطنية، مقاومة، باسلة، على عهدها أبدا، كما كانت في واقعة الاسماعيلية 52 وحتى الآن، وهو جزء من الخطاب العام الذي يقدم السيسي بوصفه منقذ مصر، وبطل وطني، لانتماءه للمؤسسة العسكرية -الثابتة أيضا والوطنية على الدوام- مثله مثل الزعيم الراحل قائد حركة التحرر الوطني العربية، جمال عبد الناصر.
وعلى الجانب الآخر لهذه الرؤية، لدينا وجهة نظر الإخوان المسلمين، الذين ينظرون إلى الشرطة المصرية بوصفها مرتع للطغاة والجلادون على الدوام، لم يتغير طغيانهم لا أيام الملك فاروق ولا أيام جمال عبد الناصر ولا في أي وقت من الأوقات التالية، وبالتالي فهم مدانون بوصفهم ضباط شرطة، كما أن السيسي مدان بوصفه من المؤسسة العسكرية -والتي هي ثابتة أيضا ومنبع للطغاة- مثله مثل ""الطاغية"" جمال عبد الناصر.
وجهة النظر الأولى يرددها وراء فئة السيسي ممثل الانتهازية في مصر (حزب التجمع)، ووجهة النظر الثانية يرددها وراء الإخوان ممثل الفوضوية في مصر (الاشتراكيين الثوريين) والليبرالين المعارضين على اختلافاتهم وناشطين المنظمات الحقوقية.
في الحقيقة، وجهتي النظر تتطابقان في نفس طريقة الرؤية –في الجذر- وتختلفان فقط في النتيجة المستخلصة (المستخلصة من هدف وغاية كل فريق)، فالاثنان ينظران للشرطة المصرية والمؤسسة العسكرية بوصفهما ثابتان تاريخيان ويحملان نفس المضمون على مر العصور، الأول يشيد بهما لهذا السبب والثاني يدينهما لهذا السبب، وهما بطريقة النظر اللاتاريخية هذه يحاولون إخفاء أصل المسألة في خلافات شكلية.
فالسيسي والإخوان المسلمون يطمسون المضمون التحرري المقاوم للاستعمار سواء في واقعة مقاومة الشرطة في الاسماعيلية للإنجليز، أو في نضال مصر جمال عبد الناصر. يساوون بين مضمون الدولة المصرية التي كانت تخوض نضالا تحرريا تقود فيه العرب جميعا ضد الاستعمار والإمبريالية والصهيونية والرجعيات العربية، ومضمون الدولة المصرية اليوم التي تلعب دور كلب الإمبريالية والصهيونية بكل إخلاص، بداية من أوائل السبعينات وباستحداث عدة أجهزة متخصصة داخل الشرطة نفسها للعب هذا الدور، كمعهد أمناء الشرطة والذي يستهدف قمع الشعب المصري في الحياة اليومية (فترات الهدوء والسلم النسبي) والأمن المركزي الذي يستهدف قمع الشعب المصري في فترات الانتفاضات والثورات وأمن الدولة الذي يستهدف قمع المثقفين والمفكرين المصريين إما بالعنف المباشر أو بالجدال أو بالتجنيد أو بالتهديد بالفضائح الشخصية. وفئة السيسي تفعل ذلك لستر رجعيتها ومحاولة الظهور بمظهر الوطنية التحررية أمام الشعب المصري، والإخوان المسلمين يفعلون ذلك لتبرير تفكيك الدولة لصالح مشروعهم (سواء آمن جزء منهم بالعنف لتحقيق ذلك أو آمن جزء آخر بطريقة الهيمنة والتفشي والانتشار السلمي، يظل الهدف واحد والاختلاف في الوسائل فقط)، ولكن في العمق يظل المضمون –التبعية للإمبرياليات الغربية والصهيونية- واحد، ويظهر الفرق كفرق شكلي في الوسائل فقط - كالفرق بين وجهتي نظر اليسار الصهيوني واليمين الصهيوني في بداية المشروع الصهيوني1-، ولصالح أي فئة فيهم فقط، وهذا ما يجعل التعامل مع أجهزة الدولة المصرية بوصفها ثابت تاريخي وإخفاء وتمويه المضمون الذي تخدمه هذه الأجهزة والمساواة بين فرد الشرطة المقاوم للاستعمار والمنحاز للقوى التقدمية التحررية وفرد الشرطة الذي يقمع شعبه لصالح أي فئة من الطبقة الحاكمة المصرية -أي لصالح الإمبريالية والصهيونية- ضروري.
والحقيقة أن الفرق الشكلي بين السيسي والإخوان المسلمين، إنما يمثل انعكاسا أمينا لوجهتي النظر الإمبريالية في كيفية إدارة المجتمعات التابعة، فإحدى وجهات النظر تقول بخصوصية الشرق الأوسط2 وعدم توافقه مع الديموقراطية، وبالتالي لا ضير من دعم أنظمة ديكتاتورية فيه، أي على الأرض يتم دعم أنظمة قمعية –في الأغلب عسكرية-، وتكبيلها بالديون ويضغط عليها بالجمعيات الحقوقية الممولة من الإمبرياليات والتي توثق انتهاكاتها، وتقوم هذه الأنظمة بقمع شعوبها بهدف ضمان استمرارية نهب الإمبرياليات للمجتمع في مقابل حصة من النهب. أما وجهة النظر الأخرى فكانت تقول بضرورة التغيير الديموقراطي والوقوف في وجه النظم الديكتاتورية، أي على الأرض يتم دعم التنظيمات الإسلامية الإرهابية (إخوانية أو غير) لتفكيك الدولة وزرع الفتن والتقسيم وبدأ عصر من الاحتراب الأهلي بهدف نهب الإمبريالية للمجتمع وتمويل حروبه –الاستثمار في تدميره- ثم الاستثمار في إعادة إعماره. وفي الحقيقة عكست وجهتي النظر هذه -وهما أيضا اختلافين حول الوسيلة الناجحة لضمان استمرار نهب الإمبرياليات للمجتمع- الوضع الاقتصادي للإمبرياليات واحتياجها إما للنهب المستمر البطيء أو النهب السريع.
فأين يكمن إذن المخرج من هذه الدائرة المكتملة والتي تبدو عصيه على الكسر، والتي يشكل فيها الإخوان المسلمين والسيسي قطبين للتبعية، وترقص على إيقاعهما كل أحزاب وتنظيمات المعارضة؟ إن الماركسيين اللينيين العرب –والمصريين بخاصة- يزداد عددهم كأفراد يوما بعد يوم، وهم يشرعون في دراسة الماركسية اللينينية وتسليح نفسهم بفلسفتها –المادية الجدلية- ومفاهيمها ونظرتها العلمية ودراسة واقعهم العربي على ضوءها، ناقدين كل هذه القمامة –نظريا أولا- وعازمين على العمل على التخلص منها في الواقع، وهم يستشعرون ضرورة تنظمهم ووحدتهم أولا بهدف تنظيم وتوحيد القوى التقدمية والمقاومة وهم يتحركون فعلا لهذا الهدف، فلترتعد الإمبرياليات الغربية وممثليها وذيولها في الوطن العربي كله.
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
1كانت وجهة نظر اليسار الصهيوني أن يتم الاكتفاء بالاستيطان وإحلال اليهود محل الفلسطينيين في العمل، وعارضت وجهة نظر اليمين الصهيوني الذي تبني نهج العنف المسلح لطرد الفلسطينيين، كان اختلافهما مجرد اختلاف للوسيلة الواجب إتباعها لتحقيق نفس الهدف وفي الواقع استلزم كل منهما الآخر، فالاستيطان والاستيلاء على العمل لم يكن ليتم أو ليستمر بغير الاستعانة بالعنف المسلح، والعنف المسلح ما كان ليحقق هدفه بدون الاستيطان والاستيلاء على العمل لتكريس واقع انتصار العنف وزحفه، وكان هذا انعكاس لواقع أن الاثنان يمولان ماليا في الواقع من نفس المنظمة ولتحقيق نفس الهدف، مثلما أن الاختلاف بين الإخوان والسيسي اختلاف على فتات رعايتهم لنهب الإمبرياليات وقمع الشعب المصري (لنفس الهدف) مع اختلاف الوسائل.
2الغريبة إن يردد مقولة خصوصية الشرق الأوسط أفراد يدّعون معاداتهم للإمبريالية والصهيونية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعات عراقية للمطالبة بوقف الحرب في غزة


.. مشاهد من لحظة وصول الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى قصر الإليزيه




.. فيضانات وسيول مدمّرة تضرب البرازيل • فرانس 24 / FRANCE 24


.. طبول المعركة تُقرع في رفح.. الجيش الإسرائيلي يُجلي السكان من




.. كيف تبدو زيارة وليام بيرنزهذه المرة إلى تل أبيب في ظل الضغوط