الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[69]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 25
الادب والفن


صبري يوسف

69. لماذا فشل الإنسانُ في قيادة نفسه وقيادة الدُّول من حيث ترويج الرُّؤى الإنسانيّة الخلّاقة في العالم؟

د. أسماء غريب

فشلُ الإنسان في درس المحبّة هو السّبب، إذ لا أحد استوعب حقيقة معنى الحبّ أو العشق، والدّليل على ذلك، ألّا أحدَ يستطيع لليوم أن يحبّ عدوّه. أعلم أنّني أقول شيئاً محيّراً للفكر ومزعزعاً للثوابت، لكنّي أعود وأقول: أحبّوا أعداءكم، أحسنوا إليهم، أطعموهم إذا جاعوا، واسقوهم إذا عطشوا. لأنّه ما من طريق للسلام الحقّ سوى أن يغلبَ الإنسانُ الشَّرَّ بالخير. ولأنّ السَّلام لا يعني أن تقفَ أمام بحر الحياة متردِّداً، وتقول: لن أبحر أبداً، والأمواج صاخبة تتكسّر على الصَّخر وتبثُّ الخوف في القلوب! الحياة ليست موجاً صاخباً فقط، ليست أفكاراً تتكسّر على أرضيّة الواقع، وكلمات تُقعْقع في النّفوس. الحياة أكبر من هذا بكثير: لا بدّ من الغرق، ولا بدّ من الارتماء في البحر الهائج. لا تخشَ شيئاً أيّها الإنسان، لأنّ سفينتك هي جسدكَ الّذي يجبُ عليك أن تبنيه طابوقة طابوقة بالمحبّة فقط، وأنت فيها نوحُ الخلاص، وتأكّدْ أنّ ما تحت الموج الصّاخب والفِكر الهادر، هناك مساحة في الأعماق اسمها (واحة السّلام)، إذا ما وصلتَ إليها، تساوى كلّ شيء لديك، وتوحّدتِ المفاهيم، وانمحقت الكراهيّة والأحقاد. في تلك الواحة يمكنكَ أن تلتقي بالله، وتصبحَ مثله بعد أن تعود من رحلتكَ: قادراً على أن تضُمّ وتحتضن الجميع، وتسطع عليهم بشمسكَ دون أن يعنيك في شيء مَنِ العاصي فيهم، ومن الكافر أو الملحد، لأنّ النّاسَ وحدهم مَنْ يحبُّون تسميّة الأشياء وتمييزها بالنُّعوت والصِّفات.
ثلاثة يمكنهم أن يفهموا كلماتي هذه بدون أدنى جهد، وبدون أن يستغربوا قولي في محبّة العدوّ، وبلوغ واحة السَّلام: الرّاعي، والفارس الخيّال، والنّجّار.
وأقول الرّاعي، لأنّه يعرف كيف يروّضُ القطيعَ، ويقوده حيث المراعي الخصبة، ويحميه من غدر الذّئاب والوحوش. أمّا الفارسُ الخيّال فلأنه يعرف كيف يروّض فرسه، ويجعلها مطواعة تمتثل له بالمحبّة والإحسان. والنّجّارُ لأنّه يعرف كيف يطوّعُ الشّجرة ويصنع منها ما فيه فائدة للناس والخليقة.
وهي كلّها أمثلة سقتها لما فيها من تكامل في الفعل والهويّة والقصد: أيْ ترويض النّفس الَّتي رمزتُ لها بالقطيع، والفرس ثمّ الشّجرة. وقلّة هم أولئك الّذين استطاعوا أن يروّضوا النّفسَ ويتحكّموا فيها من أجل خير النّاس كافّة، كما هو الشّأن بالنّسبة لموسى وصالح وعيسى ومحمّد (عليهم السَّلام). وأقول موسى، لأذكّرَ بعصاه المقتطعة من الشَّجرة، وهو بهذا يكون الرّاعيَ والنّجار في الوقت ذاته. وأقول صالحاً، لأنّه صاحب النّاقة وبالتّالي فهو الرّاعي وكذا النّجار مادام لا بدَّ للراعي من عصا، وأقول عيسى لأنّه هو أيضاً راع من درجة رفيعة جدّاً، وأقول محمَّداً، لأنّه الرّاعي والفارس الخيّال صاحبَ البراق.
النّفسُ إذن هي العصا والقطيع، والنّاقة والبراق، من عرفها وعرفَ كيف يطوّعها دخل واحة السّلام، ومن لم يعرفها ظلّ يتخبّطُ في حياته ولا يقوم إِلّا كَما يَقُومُ الّذي يَتَخَبَّطُهُ الشّيطانُ مِنَ المسّ. ولن يتوقّف إبليس عند مرحلة المسّ والتّخبّط، إذ لا بدّ له من غزو العقل البشريّ ونفسِه بعلومه الباهرة، وقريباً سيصبح الإنسانُ قادراً على أن يُبحر في الإنترنيت والحاسوب من خلال ميكروشيب في جبهته، وآخرَ في نظاراته، لأنّ هدف إبليس هو ألّا يترك للإنسان مجالاً أبداً ليكتشف نفسه وقدراتها الّتي زرعها فيها خالقها. سيصبحُ كلّ شيء مبرمجاً: سيعوّض الجنسُ الرّوبوتيّ المرأةَ والرّجلَ، وهكذا سيصبحُ بإمكان الرّجُل أن يستغني في حياته العاطفيّة والجنسيّة عن المرأة، والعكس صحيح. أضف إلى هذا، ستطردُ التّكنولوجيا الروبوتيّة البشريّةَ جمعاء من أماكن العمل وكسب القوت، أيْ من الشّركات والمصانع والمعامل والأبناك ومكاتب البريد، ومن الصَّيدليات والحقول والمزارع، وما إليها. ستتغيّرُ شيفرة كلّ الأشياء والأسماء. وأهلاً بكم جميعاً في أرض إبليس! سنكلِّمُ السِّيّارةَ والقطارَ والأبواب، والطَّائرة. سنكلّمُ؟ لا، إنَّنا فعلاً أصبحنا نكلّم كلّ شيء من حولنا، وما كان كان.
لن تصبح لدينا القدرة على أن نقود سيّارة، لأنَّ السِّيَّارة هي الَّتي ستقود نفسها بنفسها، يكفي أن تقول لها بصوتكَ إلى أين تريد الذِّهاب، وهي تتكفّل بالباقي. كلّ هذا أمرٌ مخيف للغاية، لأنّه يعني أنّنا سوف لن نصبح قادرين على فعل أيّ شيء، لأنّ الآلة ستفعله في مكاننا، فما بالك بقيادة الدّول نحو الفكر الخلّاق!
الفكر الخلّاق من وجهة نظر الفكر التّكنولوجيّ اليوم أصبح هدفه التّخلص من قدرات الإنسان الإبداعيّة والفكريّة، لتحلّ محلّها قدرات الآلة فقط، وهذا يعني تمركز الطّاقة الإبداعيّة التَّصنيعيّة في أيد عدد قليل ومحدود جدّاً من رجال السّلطة والمال في الكرة الأرضيّة قاطبة، ممّا يعني مباشرةً البعدَ الكامل عن بلوغ واحة السّلام.
جميل جدّاً أن نرقى، ونستخدمَ التّكنولوجيا من أجل رفاهيّة الإنسان، لكن علينا ألّا ننسى أنّ الإنسان سيصبحُ وحيداً أكثر من أيّ زمن مضى؛ وحيداً مع آلاته، تُكلِّمُه ويكلّمها، يحبّها ويتفاعلُ معها، وتتفاعلُ معهُ، وسينسى أنّه كان ذات يومٍ إنساناً: هذا هو المشروع التّدميري لكينونةٍ سجدتْ لها ملائكة الرّحمن. فهل سنستيقظ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي