الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصادر الموارد السياسية في العراق...2

ياسر المندلاوي

2006 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


ففي العراق، كما في معظم بلدان الشرق، فإن السياسي يتفوق على الإقتصادي في عملية التشكيل الدولوي. والدولة القومية في العراق لم تكن بأي حال من الأحوال، نتيجة أصيلة من نتائج بلوغ البرجوازية العراقية مرحلة النضج والإنسجام الداخلي، التي تؤهلها لإداء هذه الوظيفة التشكيلية، لا أثناء قيام الدولة العراقية الحديثة، ولا في المراحل اللاحقة. وفي تتابع للفكرة، لابد من الإشارة إلى أن السلطة السياسية في الحقبة الملكية، بكيفيتها المعروفة، لم تكن سوى نتاج المساومات الطبقية التي اسس لها القصر بدعم من الإحتلال البريطاني بين الإرستقراطية الريفية والمدينية.
إن ضعف الطبقات الإجتماعية في العراق عشية قيام الدولة العراقية، ووجود الإحتلال البريطاني، يفسران، إلى حد بعيد، تفوق السياسي على الإقتصادي في تشكيل الدولة العراقية، ويقدمان تعليلا مناسبا لمنابع الموارد السياسية للأسرة الحاكمة في العراق آنذاك. ويمكن لنا إيجاز عناوين هذه المنابع بالإحتلال الأجنبي، وكل ما تفرع عنه، إبتداء. ومؤسسات الدولة، العسكرية والسياسية، لاحقا. ثم، الإرستقراطية الريفية والمدينية متمثلة في الإقطاعيين وكبار الملاكين ورؤوساء العشائر والضباط الشريفيين وكبار التجار وممثلي مصالح الشركات الأجنبية في العراق.
إن الملكية، بكيفيتها كما في أعلاه، فشلت في إنجاز مهمة بناء الدولة البرجوازية، وشكلت عائقا أمام التحويل البرجوازي للمجتمع، ولم يكن أمام البرجوازية العراقية، وهي تعيش قصور أدواتها الإقتصادية والإجتماعية، من سبيل، سوى تقديم الدعم لممثيليها في المؤسسة العسكرية لتحقيق سيطرتها السياسية، قبل بلوغها مرحلة النضج والإنسجام والإستقلالية، التي تؤهلها لإنجاز هيمنتها الإقتصادية – الإجتماعية، كمقدمة لهيمنتها السياسية. فهي إستعاضت بالسياسي عن الإقتصادي لإنجاز إستحقاقات التحول الإجتماعي. وبتعبير آخر، فإن الهيمنة السياسية للبرجوازية لم تكن بوحي المطابقة المفترضة بين مراحل تطور البرجوازية وبين تقدمها السياسي، وإنما العكس، فهي إستقدمت الهيمنة السياسية لتجاوز مسببات عجزها عن تحقيق الهيمنة الإقتصادية – الإجتماعية. وهذه المقالبة لإتجاهات التغير تقف في أساس الإستقلالية النسبية المتعاظمة للسلطة السياسية عن الطبقات الإجتماعية في العهد الجمهوري.
إن الهيئات السياسية التي تربعت على عرش السلطة، كانت تدرك، بطبيعة الحال، إتجاهات حركة المجتمع وتطوراته. لذا، فهي تبنت سياسة رفع العراقيل أمام هذا التطور، ولكنها كانت تريد تنفيذ هذه السياسة بوسائلها الخاصة، وبالطريقة التي تضمن لها دوام مصالحها السياسية. وهي في هذا السلوك، كانت منسجمة مع نفسها بلحاظ إن الموارد السياسية التي قادتها إلى السلطة، أو لنقل وسيلتها المباشرة للتمكن منها، لم تكن سوى المؤسسة العسكرية وقوتها الضاربة. فهي لم تكن تدرك، ولم يكن لها أن تدرك، فضل العوامل الإقتصادية والإجتماعية في جعل المؤسسة العسكرية موردا سياسيا حاسما في الطريق نحو السلطة. فهي كانت غارقة في وهم الدولة اللاطبقية، ولم تكن لتؤمن بإرادة أخرى غير إرادة الدولة في صياغة المجتمع بوسائل تتناغم مع نزعة بونابرتية في التضحية بمصالح المجتمع لحظة تعارضها مع مصلحة السلطة السياسية.
إن الأنظمة المتعاقبة منذ العهد الجمهوري الأول ولغاية إحتلال القوات الأمريكية للعراق، كانت في أسر تناقضات لا حصر لها. ولعل من أهمها، التصدي لمهام ذات طبيعة برجوازية ديمقراطية، بوسائل سياسية رجعية منافية للديمقراطية. فكانت النتيجة، نجاحها في وأد البديل الديمقراطي، وفشلها في إنجاز المهمة الطبقية للبرجوازية في إتمام التحول البرجوازي. فهذه الأنظمة جميعها - وإن بدرجات متفاوتة - تلبست مساوىء البونابرتية في الجوانب السياسية، وعجزت عن إداء وظائف البونابرتية في عملية قيام المجتمع الرأسمالي. (لا شك إن العراق غير فرنسا، وزمن نابليون غير زمن ساسة العراق، وهذا ما تعجز عقول ساستنا عن إدراكها حتى هذه اللحظة).
وبقدر ما يتعلق الأمر بالموارد السياسية، فإن الهيئات السياسية الحاكمة في العهد الجمهوري، إستقوت على الطبقات الإجتماعية بعامل إمتلاكها موارد سياسية مؤسساتية غير مجتمعية. إذ وجدت نفسها في قمة الهرم السلطوي عن طريق المؤسسة العسكرية، ودأبت على الإستمرار في هيمنتها السياسية بجعل الدولة – بمواردها المالية ومؤسساتها المختلفة – في خدمتها هي، بدلا من أن تكون في خدمة المجتمع. والأدهى من ذلك كله، أنها سعت وبضراوة، لإزاحة المجتمع بالدولة، وفي أفضل الأحوال، سعت إلى جعل المجتمع تابعا للدولة، التي تحولت إلى غاية الهيئة السياسية ووسيلتها في آن واحد.
ومع نهاية هذا العهد، غدونا إزاء دولة متألهة، وسلطة سياسية تزدري المجتمع أيما إزدراء، وتحاول تشكيله بوسائل قسرية بالغة القسوة، وفق هواها ولمصلحتها. وفي هذه المرحلة تحديدا، تم إستحضار جميع الوسائل الشائنة للحيلولة دون الطبقات الإجتماعية ومواردها السياسية المحتملة، في مقابل إستئثار الهيئة السياسية الحاكمة بالموارد السياسية الداخلية، بمقتضى تحكمها في كل شأن من شؤون الدولة والمجتمع. والحصيلة كما عايشناها، كانت في منتهى الغرابة، ولا سيما عشية الإحتلال الأمريكي للعراق. فمن جهة، كانت السلطة السياسية، وهي في أوج هوانها، قادرة على التحكم بالموارد السياسية، ومن جهة ثانية، طبقات إجتماعية بقاعدة شعبية واسعة ومتضررة بمقاييس مذهلة، ولكنها عاجزة عن تمويل ممثيليها السياسيين بالموارد السياسية الداخلية، التي تعينهم على إحداث التغيرات المفترضة. ولغرض تدارك هذا الإختلال إندفع هؤلاء (أفراد وجماعات) نحو المراهنة على موارد سياسية خارجية، في إزدراء لا يخلو من التشبه بإزدراء السلطة السياسية للمجتمع....يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنباء متضاربة عن العثور على حطام مروحية الرئيس الايراني


.. العراق يعرض على إيران المساعدة في البحث عن طائرة رئيسي| #عاج




.. التلفزيون الإيراني: لا يمكن تأكيد إصابة أو مقتل ركاب مروحية


.. البيت الأبيض: تم إطلاع الرئيس بايدن على تقارير بشأن حادثة مر




.. نشرة إيجاز - حادث جوي لمروحية الرئيس الإيراني