الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقة الجدلية بين الثقافة والسياسة

رسميه محمد

2001 / 12 / 30
الادب والفن



بداية اشير الى ان الاهتمام في قضية الثقافة تعبير عن موقف فكري يرى في الثقافة عنصرا اساسيا من عناصر حياتنا التي تشمل جميع جوانب نشاطنا الانساني وهذا الاتساع في تحديد مفهوم الثقافة يتطلب ان نوحد في قراءتنا لواقع الثقافة الراهن بين ازمة المجتمع بعامة وازمة الثقافة بخاصة من خلال عرض الجوانب التي تتجسد فيها هذه العلاقة العضوية بين الثقافة وبين مختلف اشكال النشاط الانساني التي تتشكل فيها مجتمعة مع الثقافة مجمل قضايا بلادنا في واقعها الراهن وفي افاق تطورها اللاحق -فاذا تناولنا علاقة الثقافة بالسياسة نجد ان الثقافة بالمعنى الحديث بخاصة وفي شروط التبعية والانعتاق بعامة تستدعي السياسة وتتضمنها بل تشكل معها وحدة عضوية غير قابلة للانقسام حيث تلتقي العلاقتان في حقل التحويل المجتمعي حيث تنزع الثقافة الى انارة السياسة وتحويلها -وتتطلع السياسة الى تحويل جملة العلاقات الاجتماعية ومنها العلاقة الثقافية . ان حضور السياسة بالمعنى المجتمعي شرط لحضور الثقافة وفاعليتها مثلما يكون غياب السياسة بالمعنى المجتمعي ايضا مقدمة لتهميش الثقافة وتغييبها -هنا تتداخل سمات الثقافة والسياسة مع ان الثقافة يجب ان تكون مستقلة عن السياسة . ان وجود السياسة يفترض وجود ذات بشرية حرة وهي حرة لامتلاكها وعيا ثقافيا متطورا -يجعلها قادرة على التمييز والمقارنة والرفض والاحتجاج والقبول والاختيار والمبادرة -ااضافة لذلك فان مايؤشر لوجود الحياة السياسية في مجتمع معين يتحدد بالحركة والمبادرة الشعبية او بما اصطلح على تسميته بحوارية العلاقات الاجتماعية. وعلى هذا فان وجود الاحزاب السياسية ليس مؤشرا بالضرورة على وجود حياة سياسية طالما ان المؤشر الحقيقي للسياسة هو الحركة الشعبية. يمكن استنادا لما تقدم الاستنتاج بغياب السياسة او انطفائها في بلادنا وتفريغها من مضمونها الاساسي القائم على الثقافةوالمعرفة 0 ويعود ذلك لعاملين مترابطين -العامل الاول هو الانهيار للمشاريع الكبيرة ولمرجعياتها الفكرية الامر الذي حول السياسة بعيدا عن ميدانها الحقيقي وبعيدا عن قوانينها ومعاييرها وافرغها من محتواها الثقافي والانساني. العامل الثاني هو غياب الديمقراطية ومصادرة الحريات والارادة الشعبية وتسخير الاجهزة الامنية في عمل منضم هادف الى جعل كل شئ بما في ذلك الثقافة والمثقفين في خدمة السلطة الدموية. جدلية العلاقة بين الثقافة والسياسة تستدعي ايضا جدلية العلاقة بين المثقف والسياسي . ان معاناة المثقفين خلال العقود الاربعة الماضية تشير الى خلل كبير في العلاقة بين المثقف والسياسي على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي, هذه العلاقة لم تكن متكافئة في اي وقت -فالسياسي صاحب القرار يعتمد على قوى تقليدية لاعلاقة لها بالثقافة بمفهومها المعرفي, وبالتالي فان السياسي المحترف لايتعامل مع المثقف بندية, بل يرى ان دور المثقف ينحصر في تبرير السياسة, في حين ان الابتعاد عن السلطة والاحتفاظ بمسافة بين المثقف وبينها حلم مطلوب وعقلاني اذا اتيحت الفرصة للمثقف في ان يقيم مثل هذه المسافة . السلطة التي اعنيها ليست مقصورة على النظام الحاكم وانما يشمل المؤسسة الحزبية حتى لو كانت في صفوف المعارضة والسلطة الدينية وسلطة الراي العام والتقاليد السائدة وسلطة الخطاب الثقافي نفسه, ولكن السؤال الذي يطرحه اكثر من مفكر هل يستطيع المثقف فعلا لاقولا ان يتحرر من قوة الولاء والتعصب لهذه الجهة او تلك وهو نتاج هذا المجتمع المتخلف ـوهل يستطيع زعمه التحرر من هذا الولاء ان يصمد امام المحك.

ـ ان استقلال المثقف لايعني الابتعاد عن العمل السياسي والمفروض ان يستكمل المثقف بالعمل السياسي ماقد لايقدر العمل الثقافي على الوصول اليه بالسرعة الكافية من حيث النهوض باحوال المجتمع. فالمثقف المنغمس بهموم عصره والملتزم بواقعه مع حرصه على الثراء المعرفي والتجديد الابداعي هو حاجة ملحة لبلادنا وهو صاحب دور كبير في هذا الزمن المتعثر والكئيب.

الاستنتاجات...

1- ازمة الثقافة والمثقف جزء من تجليات الازمة العامة التي تواجه بلادنا في الوقت الراهن -ويشكل

(انطفاء) السياسة المقدمات الاساسية لتهميش الثقافة وتغييبها.

2- الاقرار بضرورة المواجهة يستلزم تحديد الاولويات والتي يمكن تلخيصها بما يلي ..

-قراءة الواقع وتحليله بدقة من اجل تسهيل تحديد المشكلة وتحديد اسبايها .

-الانتماء الحزبي العقلاني الواعي الذي يبقي الباب مفتوحا للمساءلة والنقد هو مايلزمنا وهو مانحتاج اليه لوقف التدهور ولاستكمال مشروعنا الثقافي السياسي الكفيل باخراجنا نحو افق العقلانية والتقدم الاجتماعي والديمقراطية والسلام .

-النضال من اجل اعادة الاعتبار الى الحياة السياسية اي دور الاحزاب والمؤسسات في حياة البلاد على قاعدة الديمقراطية والحياة السياسية الحزبية لاتقوم الا على قاعدة الثقافة بكل مكوناتها وعلى قاعدة التعددية .

3- نقد السياسة السائدة والواقع القائم هو عمل ثقافي من طراز رفيع فهذه السياسة يجب ان تكون موضوعا للثقافة اي للمعرفة النقدية تحصن الثقافة ضد امكانية احتوائها.

4- ان لاتتوقف الفاعلية الثقافية عند نقد السياسة السائدة والواقع وايديولوجياته بل يجب ان تعيد انتاج ذاتها بما هي ثقافة.. حيز معرفي مستقل عن السياسة , موضوعاته تتعداها في سائر الاتجاهات.

5- اهمية التركيز على وجود فجوة بين الثقافي والسياسي ليتسنى للثقافي ابداع عناصر ضرورية تتجاوز السياسات الراهنة ففي ظل هيمنة السياسي على الثقافي ينعدم وجود هذه الفجوة .

6- اجتذاب المثقفين هو النقطة الحاسمة في توسيع نفوذ الحزب وسط الجماهير لذلك فان الموقف الحزبي

الايجابي من المثقفين والاعتماد عليهم في المؤسسة الحزبية وفسح المجال امامهم للعمل بحرية في مجال الفكرواطلاق الحوار الفكري والثقافي سيزيل الحذر بين المثقف والمؤسسة السياسية الحزبية وسيفيد الحركة الثقافية والسياسية التقدمية .

7- لعلنا اليوم بحاجة الى سياسيين مثقفين مستنيرين لايتخلون عن مسؤولياتهم التاريخية ويواجهون متازرين هذا الظلام وقواه المتوحشة ايا كان الثمن الذي يطلب منهم ان يدفعوه. هذه المجانية هي سر الوجود الانساني وروح الثقافة .



ملاحظة -استندت المقالة على بعض الدراسات لمجموعة من الكتاب العرب منهم فيصل الدراج -كريم مروه-مؤنس الرزاز-ميشيل كيلو-فهمبه شرف االدين.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات


.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته




.. كلمة أخيرة - قصة نجاح سيدة مصرية.. شيرين قدرت تخطي صعوبات ال