الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بالروح بالدَّم نفديك يا عدنان

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

2019 / 1 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


يذهب بنا المقال للبحث في معادلة ارتباط الدَّم بحياتنا الاجتماعية, وفي المعركة التي يخوضها البشر من أجل وقف سفك مزيد من الدِّماء. وهي مُعادلة محيرة على أي حال, فمن أجل أن نمنع سفك الدِّماء علينا أن نقدم مزيداً منها في ساح المعارك من أجل الحريَّة. وبما أن الدَّم يصل إلى قلب الأشياء فهو يبقينا على قيد الحياة باندفاعه عبر أوردتنا وشراييننا مما يجعله يقوم بتغذية واصلاح أجسامنا بصورة مستمرة. القلب البشري مضخة عضليّة تعمل على دوران الدَّم في جميع أجزاء الجسم. وبحلول عيد ميلادنا السبعين سيكون القلب قد عمل على ضخ أكثر من 150 مليون ليتر من الدَّم.
1
الدَّم كرمز للأسرة أو العشيرة أدى في أحيان كثيرة لإشعال الحروب وتقسيم المجتمعات. فهناك شيء عميق بخصوص الدَّم يدفعنا قسراً لإقامة علاقة خاصة معه. الدَّم أكثر كثافة وأكثر ثمناً من الماء, والدَّم الفاسد يُثير الضغائن والأحقاد, وقد يؤدي إلى إشعال عنف يُريق الدِّماء. وقيل إن باب الحرية بكل يد مُضرجة يُدق. وفي المعجمات تَضَرّجَ بالدَّم تلطخ به. وضَرَّج أنفه تضريجاً أي أدماه. وبالنسبة لبعض الأمم, يمثل الدَّم جزءاً من العقد الاجتماعي الذي تبرمه مع الدولة. ورغم أن البعض يعتبر الدَّم مقدساً, فقد جاء في الحديث ما لفظه: إن هدم جدار الكعبة أهون على الله من سفك دم مسلم. وأظن أن كلمة مسلم في موضعها هذا, عامة, شملت البشر جميعاً. نجد الغير يستخدم الدَّم في أعمال نجسة رخيصة. وقد كنا نسمع فيما مضى من أيام هتاف المسيرات المؤيدة للحاكم العربي شعار "بالروح بالدَّم نفديك يا عدنان" وقد قدم "ياقوت الحموي" دمه وحنجرته -ثمناً غالياً- لأنه كان يَهْتِف هِتَفاً جريئاً صادقاً حقيقياً, مفعماً بالنبل والوجدان في المظاهرات الشعبية العارمة المُطالبة بالحرية والديمقراطية.
2
بدأ الصليب الأحمر أول خدمة في العالم لنقل الدَّم البشري في بريطانيا في عام 1926. وتوسعت بنوك الدَّم وصولاً إلى الولايات المتحدة في اواخر عقد الثلاثينيات من القرن العشرين. وخلال الحرب العالمية الثانية تم تشجيع المواطنين على التبرع بالدَّم من خلال نشر الملصقات وترويج الحكايات عن عمليات نقل الدَّم التي تجري تحت نيران القنابل والبراميل المتفجرة وتبدو فيها زجاجات الدَّم معلقة في زناد البنادق المغروسة في الطين بجوار الجرحى. لكن دوافع المتبرعين كشفت عن تلك المشاعر العميقة التي يثيرها الدَّم, فالنازيون أيام هتلر منعوا اليهود من التبرع بالدَّم اصراراً منهم على نقاء الجنس الآري, مما جعل الأمة الألمانية تُعاني من نقص شديد في إمداد الدَّم مع احتدام الحرب. وفي الولايات المتحدة أدى التحيز العرقي إلى فصل وتوسيم عينات الدَّم المأخوذة من متبرعين سود, عن تلك من المتبرعين البيض. وعلى الرغم من ذلك, فقد أنقذ نقل الدَّم حياة أعداد لا تُحصى من البشر, كما أن النواتج الثانوية للدَّم خلقت أنواعاً من العلاج أدت لتغيير حياة آخرين, مثل المصابين بالناعور. لقد تحسن فهمنا للدَّم بصورة هائلة, لكن استخدامه سيبقى قضية اجتماعية وسياسية عميقة لسنوات طويلة قادمة. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها, حين لم يعد التبرع بالدَّم مدفوعاً بالحماسة الوطنية, تباينت مواقف الشعوب؛ فقام البريطانيون والفرنسيون بالتبرع بدمائهم مجاناً لمصلحة بنوك الدَّم الخيرية. باعتبار ذلك جزءاً من عقد اجتماعي. وأعتقد أن هذا العقد الاجتماعي المقدس المُبرم والموقع بالدَّم بين الفرد ودولته حمى الفرد الحر من بطش الأجهزة الأمنية.
3
يطرح علماء التطور فكرة خطيرة عن نشأة الدَّم تميل إلى أنه قبل زمن طويل كنا جميعاً من الأميبيات, نعم, حتى رؤساء الدول-ومن بينهم عدنان الذي كُنَّا نهتف له بالدَّم- كانوا أميبيات, وهي حيوانات أولية وحيدة الخلية يتغير شكلها باستمرار, تعيش في مياه البحار. وذلك هو سبب الاعتقاد بان الدَّم قد تطور من مياه البحر, فالكائنات الحية مثل قنديل البحر يمكنها امتصاص الأكسجين والمغذيات التي تحتاجها من ماء البحر مباشرة, وبالتالي لا تحتاج لتطوير سائل لحمل تلك المواد عبر أجسامها. ومع تطور الكائنات الحية المعقدة ظهرت كذلك الحاجة لوجود سائل أكثر تخصصية للنقل هو الدَّم. إن دمنا المعقد في بنيته أبعد ما يكون الآن عن ماء البحر, لكن البلازما والتي تعمل كوسيط ناقل لا تزال تحتفظ بخصائصه الأساسية, ماء مع ملح مذاب. وتتولى كريات الدَّم الحمراء في اجسامنا مهمة نقل الأكسجين والتخلص من ثاني اكسيد الكربون وتقوم كريات الدَّم البيضاء بمكافحة المرض بينما تقوم الصفائح الدَّموية بالمساعدة في إصلاح الأذى. ومن بين أهم مكونات الدَّم التي يجب تعويضها في الجرح النازف في أرض المعركة هي البلازما. وهي الناقل الحيوي لجميع الخلايا الدَّموية الأخرى. حيث يمكن للبشر ان يبقوا على قيد الحياة إذا فقدوا حتى 70 في المئة من خلاياهم الدَّموية بالحجم, لكن فقدان 30 في المئة فقط من الحجم الإجمالي للدَّم والتي تمثل منه البلازما الجزء الأكبر, سيؤدي للإصابة بصدمة غير مرتجعة irreversible shock وسبب ذلك أن الأوعية الدموية تحمل الدَّم تحت ضغط, ولذلك إذا نقص حجم الدَّم بصورة مفاجئة وكبيرة فإن تلك الأوعية تنهارcollapse مما يمنع جريان الدَّم إلى الأعضاء الحيوية بالجسم, ولذلك فإن السوائل الفعالة التي تستخدم لتعويض حجم الدَّم, مثل المحلول الملحي, ذات أهمية حيوية. وأعود إلى البحر و الأميبيا من جديد وأتساءل -بالسين والهمزة لا بالثاء والقاف- ألم يكن من الأفضل للبشرية لو بقيت أميبيات -بدون دم- تعيش حرة سعيدة في البحار المفتوحة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: لماذا تتهم مارين لوبان الرئيس ماكرون بتنفيذ -انقلاب إ


.. إسرائيل تعاقب السلطة الفلسطينية: هدم منازل وضم مزيد من الأرا




.. تقدم ميداني روسي جديد في شرق أوكرانيا.. ما التفاصيل؟


.. من سيفوز بآخر بطاقتين لربع نهائي كأس أمم أوروبا؟




.. ماذا حصل بين محتجين والجيش التركي في شمال سوريا؟