الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في نيتشوية شعر محمد العرابي2/3 - هكذا تحدثت تجربة الليل -

أشملال حدو

2019 / 1 / 30
الادب والفن


!(1) « Ah ! Il existe tant de choses entre ciel et terre, que les poètes sont les seuls à avoir rêvées. Et particulièrement au- dessus du ciel : car tous les dieux sont des paraboles et des truquages de poètes »

-1-
لماذا نيتشه ؟ لاحظ الباحث جورج آرثور غولدشميت (Georges-Arthur Goldschmidt) ، وهو أحد المتخصصين و بدرجة عالية من النباهة بفكر نيتشه ، أن نظام هذا الأخير الفلسفي هو نيتشه عينه. تحيلنا هذه الملاحظة على ضرورة الثبات على قاعدة نظرية موجهة لفهم أبعاد فلسفة نيتشه ، وترتبط بأن يكون موقع الباحث المهتم بالفكر النيتشوي انسحابيا ؛ أي أن يسعى ، بهكذا منهج، على عدم مضاهاة فكر نيتشه بغيره من الفلاسفة السابقين – خاصة منهم الألمان – والذين انشغلوا بمشكلات فلسفية تعد إرثا محصلا من تاريخ الفلسفة الإشكالي ، خاصة مع ما يتعالق بالفكر الفلسفي الحديث الذي تساوقت إشكالاته والفكر العلمي الحديث. لكن القضية ترتبط بنبوءة نيتشه ، كما يؤكد ستيفان أوديف، في أن يكون نظامه الفلسفي موضع اهتمام مباحث عدة تمتد من فلسفة التاريخ إلى فلسفة الأدب (2). تأكيدا على ذلك، شكل مؤلف نيتشه الأشهر " هكذا تكلم زرادشت" ،بتقدير العديد من المهتمين، تجميعا لفكر يقف على هامش المألوف إن من حيث تصوراته الأبعادية، أو من حيث تكسيره للنظم المنهجية التي تخيط فكر الانسان بمسالك محتومة النتائج. لذلك دأب نيتشه على التنبيه إلى أن هناك بون بين ما يكتب وبين شخصه هو. ومن ثمة، سعيه إلى درأ أي سوء فهم يمكن أن يترتب لدى القارئ في تتبعه لما يقدمه نيتشه من أفكار. أسلوب نيتشه هذا، يتداخل ونزوعاته النفسية أو الباطنية؛ تلكم التي فتحت مسالك وعرة في تبديد إيماءات و علامات فلسفة نيتشه ، لكن هذا الأمر لا ينفي اقتناع نيتشه بجسارة الانسان على التحدي و " هذا يفترض أن هناك أناسا قادرين وجديرين بمثل هذا الشجن و أنه لا يوجد نقص في أولئك الذين يمكن أن يوصل لهم نفسه (3)".
كيف نشأت القيم؟ من خلق القيم؟ هل انبثقت من إرادة تنعطف عن إرادة "النوس" الانساني؟ إن خالق القيم،في فلسفة نيتشه، هو الانسان، وليس لها خارج الفاعلية الذاتية للانسان أي كيان واقعي. وينسحب هذا التحديد على تصور نيتشه للحقيقة؛ " إن الحقائق أوهام نسينا أنها كذلك، واستعارات فقدت، بسبب كثرة الاستعمال، قوتها وصلابتها... (4)". فالانسان هو الذي قد اهتدى إلى ذلك المعنى فحسب : " الحق أن الناس قد أعطوا أنفسهم كل خيرهم وشرهم. والحق أنهم لم يتلقوا، ولم يجدوه، ولم يهبط إليهم من السماء (5) !.
إن فلسفة نيتشه، في عموميتها، محاولة من أجل ترميم أو تقويض للقيم في مجابهة ماراكمه عقل الأنوار من خطاب مضمر للهيمنة وللوصاية. معتمدا ،في ذلك، نيتشه على المنهج الجينالوجي الذي يستهدف التوضيح والتبريز ليس ،فقط، نقدا للميتافيزيقا بل بما هو تثوير للحياة الانسانية في امتداداتها الروحية والسياسية. ذلك لأن لكل شيئ قناع تمثله ذوات إنسانية مختبئة في ثنايا مجازاتها واستعاراتها الشيئ الذي يتيح لنا فهم طبيعة الوصال الفكري-الجمالي بين نيتشه ،شوبنهاور وفاغنر. ويشكل العالم الاغريقي – الأبولوني والديونيزي – نموذجا للانسلاخ عن منظومة المفاهيم السطحية في التعبير عن مواجد الذات اتجاه واقعها. نحن إذن، بصدد مقاربة نيتشوية إستيطيقية مبنية على قاعدة الحدس الفوري. يمثل أبولون، لدى نيتشه، الحلم المحقق بنبوءة وديونيزوس بالنشوة المتجرة من قيود المعيش(6) .
-2-

محمد العرابــــي ، حفريات ذاكرة ! هل تستدعي الأعراف الأكاديمية والعلمية أن نعطي "توجيها تقنيا" حول الكتاب الذين نقتفي أثرهم الجينالوجي، أم أن الكتابة عنهم هو تعريف بملامحهم الوجودية؟ سنكتفي ، لهذا الغرض، ب"تجربة الليل" تعريفا :
" هو من بلدة تدعى إكلي. وإكلي هذه قرية وديعة وهادئة. غير أن جراءها تغضب في الغالب لمجرد اشتباك اليدين أو تقبيل وردة.
يؤرخ لمولده بفيضان النهر الذي دمر جسر السرة واقتلع شجرة صفصاف. بعد ذلك بقليل اهتزت يد الطين ولطمت حفرة أمه. كان أبوه لا يزال يحتفظ بالغليون الاستعماري. يملؤه بالكيف ويتجرع منه جرعتين بمذاق الحظ. حين علا صوت النورس أدخلوه كتاب الإيمان بالورود المتقزحة. في الطريق كان يسحب صنارة ويصطاد بها الضفادع التي كانت تنغص عليه وحشته بنقيقها. لم يكن يحفظ نشيد الصباح كغيره من العصافير، فقط يأكل حصته من طباشير الكبرياء. عنفه الفقيه الذي قرأ في لوحته يوما كلاما بذيئا ورسما داعرا. شكاه لقرنفلة هائجة، عاقبته برفع رجله مائة عام، لكنه انصرف ينصب فخاخه للهداهد والصرد للشرقراق والكدري. مفتون بأجنحة تخفق في أثير الشفافية التامة ينصت لنقر خاطرها كأنه يسمع وجهة نظر الكارثة. ذات يوم، رشق سرب زرازير كان يتأهب للتحليق في سماء اليد. أسقط عشر زهرات برمية واحدة من مقلاعه. وكان ذلك قياسيا(7)" ...
تساءل الشاعر الألماني هيلدرلن : ما الحاجة إلى الشعراء في هذا الواقع البائس؟ وفي تقديرنا، هذا السؤال له راهنيته الآنية. فهيلدرلن بتساؤله هذا سعى إلى محاورة عصره الذي أضحت الإنسانية تحيا فيه منذ أن ارتحل عنها الإله ديونيزوس فانتشر الظلام(8) . ويجيبنا هيلدرلن بخوف وقلق قائلا: " إن الشعراء مثل كهنة باخوس المقدسين، الذين يتجولون في الليل الأقدس من بلد إلى بلد(9)" .
فالشعراء،بهذا المعنى، هم من بني الانسان الذين يشعرون بآثار الآلهة الراحلين، ويقتفونها، وباقتفائهم إياها يرسمون لإخوانهم من بني الإنسان طرق تحول الدنيا منشدين أناشيد وحكم تتأمل الواقع وتنعطف عن ممكناته. بذلك، يكون الشعر ثورة و تأسيس بواسطة الكلام وفي الكلام. فالثورة ليست فقط بندقية مناضل في رحى الصراع، بل هي كذلك كلمة شاعر وريشة فنان. إن الشاعر له المكنة على تلقي واقتفاء أثر البرق الماورائي ، وهوالذي يبصر الصواعق ، أوليس في هذا حجة بينة على خطورة الشاعر.
"آه ! كم يفكر الشعراء جيدا(10)" هكذا أعلنها، بشكل صريح، الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار كإحالة دالة على مدى قوة القريحة الفكرية التي يتمتع بها الشعراء في تأمل وتمثل عالم الذات في تماسها مع عالم الأشياء. الأمر الذي سنتخذه كمنطلق وكدليل موجه، في هذا الجزء الثاني من قراءتنا للأبعاد الفلسفية النيتشوية لعلامات وأشعار " تجربة الليل" للكاتب والشاعر المغربي محمد العرابي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إحالات ومراجع :
(1) Friedrich Nietzsche : Ainsi parlait Zarathoustra. Traduction, préface et commentaires de Georges-Arthur Goldschmidt. Librairie Générale Française, 1987. P : 156
(2) ستيفان أوديف : على دروب زرادشت، ترجمة فؤاد أيوب، دار دمشق 1983.
(3) يمكن العودة إلى أحد فصول كتاب : .Ecco Homo,trans. By Kaufman,New York 1967
(4) .Nietzsche : Le livre du philosophe,éds Flammarion,1969,P.175
(5) .Friedrich Nietzsche : Ainsi parlait Zarathoustra. Traduction, préface et commentaires de Georges-Arthur Goldschmidt. Librairie Générale Française, 1987
(6) نستحضر هنا " ديونيزوس الفيلسوف" في عمل لـــ : Gilles Deleuze : Nietzsche. Presse Universitaires de France
(7) محمد العرابي : تجربة الليل – شعر- البوكيلي للطباعة، الطبعة الأولى 2004. ص : 36-37.
(8) ذكر في مارتن هايدغر : ما الفلسفة؟ ما الميتافيزيقا؟ هيلدرلن وماهية الشعر. ترجمة: فؤاد كامل، محمود رجب وراجعها عن الأصل الألماني وقدم لها: عبد الرحمان بدوي. الطبعة الثانية. دار الثقافة، القاهرة، 1974.ص: 14.
(9) نفسه، ص: 13.
(10) .Jean Libis : Le philosophe et le poète, in bulletin de l’association des amis de Gaston Bachelard , N 5 , 2003 P. 46








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا